4 آب بلا عدالة: القاضي بيطار في مواجهة الإنكار والتعطيل

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
لا يبدو أنّ الدينامية المتسارعة التي تشهدها العدلية لإعادة الانتظام إلى عمل المحاكم، قد بلغت بعد التحقيق في “تفجير العصر” الذي ضرب بيروت في 4 آب 2020.

وعشيّة الذكرى الخامسة للفاجعة، وبينما يواصل مجلس القضاء الأعلى اجتماعاته المفتوحة لإصدار التشكيلات القضائية الشاملة خلال أيام، أنهى المحقّق العدلي في قضية تفجير المرفأ، القاضي طارق البيطار، أمس، مرحلة الاستدعاءات “الدسمة” وجلسات الاستجواب المخصّصة لكبار المدّعى عليهم، بعدما تخلّف القاضي المتقاعد غسان عويدات عن المثول أمامه في جلسة مقرّرة قانونًا، كانت تهدف إلى تبيان براءته أو عدمها من جرائم القتل والإيذاء والتخريب والحرق، جميعها معطوفة على القصد الاحتمالي، إضافة إلى الإخلال بالواجبات الوظيفية ومخالفة الأنظمة والقوانين المنصوص عنها في قانون العقوبات، وفقًا للتبليغ القانوني الصادر عن المحقق العدلي.

القرار الاتهامي مؤجّل… واستنابات تنتظر ردودًا دولية

وفي وقت كان يُنتظر أن تتزامن ذكرى 4 آب هذا العام مع صدور القرار الاتهامي، تكشف مصادر قضائية لـ “نداء الوطن” أن أمام القاضي البيطار المزيد من العمل، وسيواصل مهامه من مكتبه في العدلية خلال الأسابيع المقبلة. وإلى جانب نيته الاستماع مجدّدًا إلى عدد من الشهود، فإنّ ما يؤخّر صدور القرار الاتهامي وإحالته إلى النيابة العامة التمييزية لإبداء المطالعة التي قد تستغرق أسابيع، هو انتظار ردود على استنابات قضائية وجّهها إلى جهات أجنبية، أو يُعدّ لإرسالها. وبالتالي، فإنّ صدور القرار خلال الأسابيع القريبة يبدو مستبعدًا، وسط رهان على ألا يتأخر إلى ما بعد مطلع العام المقبل.

وإذا كان البعض يشكّك في عمل القاضي البيطار، تؤكد مصادر متابعة أن الأخير نجح في كسر الحصار السياسي – القضائي المفروض عليه، بعدما قطع شوطًا كبيرًا في مسار التحقيق، واكتسب مشروعية لموقعه وعمله مع مثول غالبية المدّعى عليهم أمامه، من رئيس الحكومة السابق حسان دياب، مرورًا بوزراء سابقين، وقادة أمنيين، وكبار موظفين، سواء شخصيًا أو عبر وكلائهم القانونيين، على غرار النائب غازي زعيتر. كما سُجّل مثول عدد من القضاة أمامه وحضورهم جلسات الاستجواب المخصّصة لهم.

التحقيق في مأزق

وتشير معلومات “نداء الوطن” إلى وجود أكثر من قرار صادر عن المجلس العدلي، يكرّس مبدأ عدم تنازع الصلاحية بينه وبين أي جهة قضائية أخرى، سواء أكانت عادية أم خاصة أم استثنائية، ويؤكّد أن اختصاص المجلس العدلي يسحب كافة الاختصاصات الأخرى. ما يضع حدًّا لمحاولات تجزئة الملف، أو المطالبة بمحاكمة الرؤساء والنواب والوزراء أمام المجلس الأعلى، وكذلك القضاة الذين يتمسّكون بحق المثول أمام هيئة قضائية خاصة.

ورغم استناد القاضي البيطار في استدعاء جميع المدّعى عليهم إلى معطيات واقعية وقانونية تتيح له الادّعاء عليهم، تعتبر المصادر أنّ التذرّع بأصول محاكمات خاصة للقضاة والسياسيين يصبّ في خانة التهرّب من المثول أمام المحقق العدلي، ويمثّل محاولة لتمييع مسار كشف الحقيقة ومحاسبة المتورّطين.

وفي هذا السياق، تفيد مصادر متابعة بأنّ تمرّد القاضي غسان عويدات، المتوقع سلفًا، واستعاضته عن توقيع مذكرة التبليغ برسالة خطّها بيده، يُذكّر فيها بأن “المحقق العدلي المكفوفة يده والملاحق… غير ذي صفة أو صلاحية أو أهلية، وممنوع قانونًا من القيام بأي إجراء”، يأتي في ظلّ تقاعس القضاء عن البتّ في الشكاوى المرفوعة ضد البيطار. وتخشى المصادر أن يلقى القرار الاتهامي المصير نفسه، في ظلّ استمرار هذا التمرّد. يُذكر أنّ الشكوى التي تقدّم بها عويدات ضد البيطار بجرم “اغتصاب السلطة وانتحال صفة محقق عدلي” لا تزال عالقة أمام الهيئة الاتهامية برئاسة القاضي إلياس عيد، وعضوية القاضيين بيار فرنسيس وربيع حسامي، كما أنّ البيطار لا يزال بحقه قرار يمنعه من السفر حتى تاريخه.

كذلك، فإنّ الشكاوى الجزائية المرفوعة ضد القاضي البيطار، وعلى الرغم من الاجتهاد القانوني الذي استند إليه الأخير لاستكمال عمله، تبقى رهينة بتّ الهيئة العامة لمحكمة التمييز بها، وقد اكتمل عقدها بعد تعيين رؤساء غرفها العشر في مطلع أيار الماضي. وتضمّ تلك الهيئة دعاوى ردّ ومخاصمة قديمة وجديدة بحق البيطار، ولم تصل الهيئة إلى مرحلة البتّ في ملفات البيطار.

مجلس عدلي مرتقب

وفي وقت أبدت مصادر حقوقية خشيتها من أن يؤدي عدم حسم تلك الشكاوى إلى إضعاف موقع المحقق العدلي، أكدت مصادر قضائية لـ “نداء الوطن” أن المجلس العدلي، الذي هو في “طور الولادة” حاليًا، بعد التوافق المبدئي بين مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل عادل نصار على أسماء القضاة الأربعة المنتظر أن يرفعها نصار إلى الحكومة لإصدار مرسوم تعيينهم خلال الأسابيع المقبلة، سيكون أمام مسؤولية إعادة تصويب أو اتخاذ ما يلزم من إجراءات وقرارات. لكنّ المصادر نفسها شدّدت على أن المجلس العدلي لا يمكنه تجاوز ما خلص إليه القاضي البيطار بالكامل، كما سيكون من الصعب التراجع عن تنفيذ مذكرات التوقيف التي سيحيلها حكمًا إلى النيابة العامة التمييزيّة لتنفيذها، وقد يكون ذلك قبل رفعه القرار الاتهامي.

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى