باسيل يطرح الثقة بالحكومة… خطوة تكتيكية أم خسارة صريحة؟

 صحيح أنّ الاهتمامات الحقيقية هذا الأسبوع كانت خارج ساحة النجمة، من أحداث السويداء التي تصدّرت المشهد الإقليمي، وأثارت مخاوف من انعكاسات محتملة لها على لبنان، ما دفع كثيرين إلى العمل على “تحييد” بيروت عنها، إلى الجبهة الجنوبية التي شهدت المزيد من الخروقات الإسرائيلية، وسط ترقّب بانتظار الزيارة الثالثة للمبعوث الأميركي توم براك إلى بيروت، بعد “الضبابية” التي أحاطت بنتائج زيارته الثانية. 
لكنّ الصحيح أيضًا أنّ حدثًا محليًا “تسلّل”، إن صحّ التعبير، وسط هذه الأحداث الساخنة، تمثّل في جلسة مساءلة نادرة للحكومة عقدها مجلس النواب على مدى يومين، وهي جلسة بدت للوهلة الأولى بمثابة “سابقة سياسية” نادرة في الحياة البرلمانية ، أقلّه في التاريخ الحديث، لكنها تحوّلت إلى ما يشبه التمثيلية، بعدما استخدمها النواب “منبرًا” ليدلوا بدلوهم، في بازار “شعبوي” يبدو أنه بدأ باكرًا، على مسافة عشرة أشهر من الانتخابات المقبلة.
 
لكنّ ختام الجلسة جاء خارج التوقّعات، بعدما قرّر رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أن يطرح الثقة بالحكومة، فكانت النتيجة تجديد الثقة بالحكومة بأغلبية واضحة بلغت 69 نائبًا، رغم غياب عدد واسع من النواب، بينهم للمفارقة نواب من تكتل “لبنان القوي” نفسه، ما جعل عدد النواب الذين حجبوا الثقة يتوقف عند 9 فقط، فهل أصاب باسيل في رهانه، أم أنه سجّل خسارة جديدة تُضاف إلى سجله السياسي؟
 استعراض وشعبوية؟ 
يقول العارفون إنّه إذا كان صحيحًا أنّ الشعبوية سيطرت بقوة على جلسات مساءلة الحكومة، بعدما طغى ملف سلاح “حزب الله” على مداخلات النواب، الذين بدوا وكأنّهم يخاطبون ناخبيهم بالدرجة الأولى، تحضيرًا للاستحقاق الانتخابي المصيري المفترض خلال أقلّ من عام، فإنّ نهاية الجلسة كانت “المشهد الأكثر شعبوية”، بعدما قرّر باسيل طرح الثقة بالحكومة، رغم غياب عدد من نواب تكتله عن التصويت، ما أضعف رمزية خطوته.
 
وفي هذا السياق، يعتبر خصوم باسيل أنّ طرح الثقة بالحكومة مجرّد استعراض سياسي محسوب، كان باسيل نفسه يعلم أن لا فرصة لنجاحه، ليس فقط لأن الكتل السياسية الداعمة للحكومة لا تزال مؤيّدة لها، ولو انتقدتها في بعض المحطّات، ولكن قبل ذلك، لأنّ أحدًا ليس في وارد إضافة أزمة حكومية إلى أزمات البلد، علمًا أنّ سقوط الحكومة وتحوّلها إلى حكومة تصريف أعمال كان ليؤدي إلى نتائج كارثية على مستوى الوطن.
 
من هنا، يرى البعض أنّ خطوة باسيل هذه لم تكن سوى محاولة لتسجيل نقطة في سجل المعارضة، التي أعلنها باسيل يوم تمّ إخراجه من الحكومة بقوة الأمر الواقع، من دون أن تغيّر فعليًا في توازنات السلطة أو تركيبة الحكومة. ويذهب بعض خصوم باسيل أبعد من ذلك، ليشيروا إلى أن النتيجة النيابية كشفت حجم تراجع تأثير باسيل، وأن محاولته استدراج أزمة حكومية انقلبت عليه بتجديد الثقة بحكومة كان يهاجمها بشدة.
 خطوة “مدروسة”؟! 
في مقابل هذا الرأي، يرى المحسوبون على “التيار الوطني الحر” أنّ ما فعله باسيل كان “ضربة معلم”، مستندين في ذلك إلى قوله ردًا على أحد النواب في ختام الجلسة، إنّ ما يقوم به مدروس “ولاحقًا ستعرفون لماذا”. فوفق وجهة نظر هؤلاء، تمكّن رئيس التيار من إحراج خصوم الحكومة، لا سيما أولئك الذين يوجهون لها انتقادات علنية، ثم عادوا وصوّتوا لصالحها، وفي ذلك سجّل نقطة ضمنية على “القوات اللبنانية” تحديدًا، التي لم تترجم رفع السقف في التصويت.
 
ويسري الأمر نفسه برأي هؤلاء على “حزب الله”، الذي لا يخفى على أحد أنّ التصويت على الثقة وضعه في موقف “محرج”، فمن ناحية هو ينتقد الحكومة ورئيسها، خصوصًا أنّها تولي السلاح أولويتها، وتتجاهل قضايا أساسيّة بالنسبة للحزب، كملف إعادة الإعمار، ومن ناحية ثانية، هو يبدو بحاجة لهذه الحكومة في المرحلة الحالية، لكنّ النتيجة أنّه تمّ تصويره داعمًا حتى النهاية لحكومة لا تُخفي نيتها في حصر السلاح بيد الدولة، ما يعني ضمنيًا نزع سلاح الحزب.
 
وبين هذا وذاك، يمكن القول إن باسيل ربح منصة سياسية لاستعراض المعارضة وطرح التساؤلات، لكنه خسر في امتحان الأرقام، وأظهر محدودية الكتلة التي لا تزال تصطف خلفه، والتي لم يكن قادرًا على جمعها بالكامل. أما الحكومة، فقد خرجت رابحة بتجديد الثقة.
 
في المحصلة، عكست الجلسة البرلمانية، بكل ما حملته من رسائل، مباشرة ومبطنة، هشاشة التوازن السياسي في البلاد، وأظهرت مجددًا أن المشهد اللبناني لا يزال رهين الاستعراضات الخطابية أكثر من كونه ساحة فعل سياسي منتج. وفي ظل استحقاقات مفصلية مرتقبة، تبقى الأنظار مشدودة إلى من ينجح في تحويل الخطاب البرلماني إلى أثر سياسي ملموس، وما إذا كان باسيل سيستثمر هذا المشهد إعلاميًا وانتخابيًا، أم أن خطوته ستُطوى مع محاضر الجلسة، كحلقة جديدة في مسلسل المبارزات السياسية العقيمة. 

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى