ما يحصل في سوريا برسم ما يُرسم للبنان

كتب أنطوان مراد في “نداء الوطن”:
من يراقب الوضع السوري بتطوراته وتقلباته من بعيد، لا يستغرب كثيرًا الأحداث الأخيرة في منطقة السويداء، ولا يستغرب قبلها الاتفاق بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العمال الكردستاني وتداعياته في الداخل السوري، لأن الجواب عن التساؤلات حول ما تقدّم، يمكن تلمّسه في الرؤية الأميركية للمشرق، علمًا أنها تقترب في بعض الجوانب من الرؤية الإسرائيلية وتتمايز عنها في جوانب أخرى، لكن الأكيد أن لبنان ليس معزولًا عن هذه المعطيات، بل إنه يتأثر بها، فضلًا عن أن إشارات عدة توحي بأن لبنان سيكون خلاصة معبِّرة لما سترسو عليه المنطقة، وفق معادلة تجمع بين استقرار الدول ضمن حدودها الخارجية وبين تكريس التنوع الثقافي والديني والإتني لمجتمعاتها داخل حدودها.

لقد كشفت الأحداث الأخيرة أن نظام الرئيس السوري أحمد الشرع ما زال هشًا على صعد عدة، وطنية وسياسية وإدارية ومؤسساتية وأمنية، فضلًا عن بروز ارتباك على مستوى القرار بين تقدم وتخبط وانكفاء، وبين رفع لواء الدولة الموحدة فوق أي اعتبار، وبين الاستعداد للتسليم بشراكة معينة مع بعض المجتمعات المتمايزة عن الأكثرية. وإن دل ذلك على شيء فعلى أن قرار تثبيت النظام الجديد في سوريا لم يرسُ بعد على نظرة ثابتة، وإن توافر الدعم الدولي له عبر رفع العقوبات والإفراج عن المساعدات وبوادر الاستثمارات.

ويقول دبلوماسي أوروبي في مجالسه الخاصة، وهو ينتمي لدولة حليفة للولايات المتحدة وتتماهى بنسبة كبيرة مع توجهات الرئيس دونالد ترامب، إن التجربة السورية ينبغي أن تكون أمثولة، إذ لا يمكن استبدال ديكتاتورية طائفية بديكتاتورية طائفية أخرى، علمًا أن المجتمع الدولي يتفهم الصعوبات في وجه النظام الجديد، لكنه لا يبرر أبدًا أي أخطاء كبيرة أو نافرة، بل يريد الوصول إلى استقرار معقول بالحد الأدنى في مرحلة أولى في سوريا وفي سائر الدول المضطربة في المنطقة، قبل الانتقال إلى مرحلة ترسيخ الاستقرار على أسس واقعية تكفل الديمقراطية والتنوع وحماية حقوق الأقليات، من خلال تثبيتها في الدساتير والقوانين كما هو حاصل في دول غربية عدة.

ويلفت إلى أن النموذج اللبناني هو اليوم الأكثر حساسية، ولا بد من إيلائه عناية معينة تكفل الهدوء على حدوده الجنوبية بشكل مستدام، كما تكفل الهدوء في الداخل على قاعدة تفاهمات معينة بين أبرز المكونات، وحينها ليس لدى المجتمع الدولي أي موقف مسبق سلبًا أو إيجابًا، بل سيسلّم بما يتفق عليه اللبنانيون. ويلفت إلى أن التطورات السورية يمكن أن تخدم لبنان في هذا الاتجاه، باعتبار لبنان بلدًا تشاركيًا تحت سقف الدولة الواحدة، وهذه التشاركية ليست عامل ضعف بقدر ما هي عامل قوة للبنان الدولة وللمكونات الرئيسية فيه على السواء.

ويقول: “الصراع في المنطقة لم ينتهِ بعد، والأجواء توحي بمواجهات شتى، وإذا كانت إيران تراهن على صبر الأميركيين وعدم رغبتهم في خوض الحرب مجددًا، فإنها في الوقت عينه فقدت الكثير من أوراقها، ولذلك تتمسك بالورقة الأبرز بالنسبة لها، وهي “حزب الله” المسلح.

وما لا يقوله الدبلوماسي الأوروبي، يقوله قيادي لبناني سيادي، إذ يلفت إلى أن “حزب الله” في حالة ارتباك، بين تلبية الرغبة الإيرانية التصعيدية، وبين حساباته المدروسة ماليًا وشعبيًا وسياسيًا. ومن هنا، يبدو “الحزب” أمام خيارت عدة، وهو يدرك أن الزمن تغير، لكنه يراهن على التعويض ما أمكن من خلال الضغط للحفاظ أو لتحصيل أكبر عدد من المواقع في الدولة والمؤسسات. لقد فقد الدعم غير المحدود من المحور بقيادة الجمهورية الإسلامية، بعد الضربات القاسية التي تلقتها حركة “حماس” والخسائر الهائلة التي حلت به وقضت على أبرز قياداته وجزء كبير من بنيته العسكرية وبعد سقوط نظام بشار الأسد، والحملة الإسرائيلية الأميركية على المواقع النووية والاستراتيجية الإيرانية.

ويعتبر أن العهد يخسر عند كل طلعة شمس بعضًا من رصيده، ويشعر من بنى آمالًا عليه حتى من شخصيات مستقلة وليس لها ارتباطات سياسية، بأن تلك الآمال في تراجع يقارب الخيبة. ولذلك، ماذا يمنع رئيس الجمهورية في لحظة ما أن يقول “الأمر لي”، ومن خلاله للحكومة، في مسألة حصرية السلاح، على قاعدة إجراءات عملية ضمن جدول زمني محدد وخارطة طريق واضحة. وحينها، سيكون محصنًا بدعم شعبي هائل، يوازي ثلاثة أرباع اللبنانيين، ولن يجرؤ أحد على الحديث عن صلاحيات أو تعد على صلاحيات، طالما أن الهدف وطني والقرار الحازم هو أمنية الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.

وحينها تستعيد الدولة سيادتها الكاملة تدريجًا، علمًا أن محاولة “حزب الله” الاحتفاط ببعض من سلاحه أو مطالبته باستراتيجية دفاعية تريحه، لن يكون لها محل على الساحة السياسية، لا سيما وأن قوى أخرى ستطالب في حينه بالمثل، طالما أن مبرر السلاح الثقيل قد انتفى عمليًا. ومع رسوخ الاستقرار العتيد، ستكون الفرصة أمام اللبنانيين لإعادة قراءة الصيغة بما يخدم عدم إلغاء أحد، وبما يؤكد على الحقوق المشروعة لجميع المكونات اللبنانية بمعزل عن الأحجام والأرقام، وليتحمل كل مسؤوليته، لأن المسيحيين، كما يقول القيادي السيادي، لن يكونوا أبدًا مواطنين من فئة ثانية، ولن يسمحوا بإسقاط لبنان الميثاق، بل جلّ ما يريدونه هو الحفاظ على لبنان منزلاً بمنازل عدة.

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى