المرأة اللبنانية بين الحروب والأمل: طائر الفينيق لا يستسلم

عمّم “اتحاد وكالات الأنباء العربية” (فانا)، ضمن الملف النسوي، تقريرًا عن واقع المرأة في لبنان أعدته الزميلة أنطوانيت أبو الياس من “الوكالة الوطنية للإعلام”، وجاء فيه:واجهت المرأة اللبنانية تحديات قاسية خلال نهاية عام 2024 وبداية عام 2025، إذ شهدت البلاد بين تشرين الأول 2023 وأواخر تشرين الثاني 2024 تصعيدًا في الاعتداءات الإسرائيلية، ما أسفر عن سقوط شهداء وجرحى ونزوح جماعي، إضافة إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. هذه التحديات المتعددة والمعقدة تعمّقت مع غياب الدعم على مختلف المستويات، حيث عانت النساء من نقص في الخدمات الأساسية وتعرضن للعنف، في ظل غياب الرعاية الصحية والنفسية.
ومع ذلك، انتفضت النساء ولعبن دورًا محوريًا في العمل الإغاثي ودعم المجتمع خلال الأزمات، مما ساهم في تعزيز التماسك المجتمعي والمساهمة في إعادة البناء، ما جعل وصف المرأة اللبنانية بـ”طائر الفينيق” مستحقًا بجدارة.ورغم هذه الجهود، لا يزال الاعتراف الرسمي بمساهمات النساء غير كافٍ، ويُفترض إزالة العوائق التي تحدّ من مشاركتهن في صنع القرار لضمان دورهن في جهود التعافي المقبلة.وعلى الرغم من بعض المكتسبات القانونية، ما زالت المرأة اللبنانية تواجه تحديات كبيرة، لا سيما في سوق العمل، حيث تتعرض للتمييز في الأجور والتوظيف، خصوصًا في ظل الأزمات الاقتصادية المتكررة.
كما أن العنف الأسري والتحرش الجنسي لا يزالان يشكلان تهديدًا حقيقيًا، رغم الجهود التشريعية التي أُقرّت مؤخرًا لمكافحتهما، والتي تُواجه في المقابل تحديات في التطبيق. هذه الوقائع ساهمت في نشوء حراك نسوي فاعل يطالب بمزيد من المساواة والعدالة.
وفي خضم هذه الأزمات، برز دور السيدة الأولى نعمت عون التي تسلمت رئاسة “الهيئة الوطنية لشؤون المرأة”، حيث أكدت خلال مشاركتها في الدورة الـ69 لمؤتمر “وضع المرأة” في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، التزامها باستكمال ورشة الإصلاحات وحملات التوعية التي أطلقتها الحكومة، والتي بدأت بتعيين خمس وزيرات في حقائب تؤثر مباشرة على حياة المرأة.
ودعت الأمم المتحدة إلى دعم جهود لبنان في إزالة العوائق أمام المرأة والفتاة، مؤكدة تطلعها إلى استعادة لبنان لدوره الريادي في تحقيق المساواة بين الجنسين على مستوى المنطقة.وفي أول اجتماع للجمعية العامة للهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بعد تسلمها الرئاسة، شددت نعمت عون على ضرورة البناء على الإنجازات السابقة، معتبرة أن الهيئة ستكون المظلة الجامعة لجميع المبادرات المتعلقة بحقوق المرأة، وأنها ستضطلع بدور استراتيجي في التنسيق بين الجهات المعنية، بهدف إحداث أثر ملموس في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان.وفي خطوة لافتة عشية الانتخابات البلدية والاختيارية لعام 2025، وقّع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، بالتعاون مع منظمة “فيفتي-فيفتي” وبدعم من حكومة كندا، اتفاقية “سلمة” (سوا من أجل المساواة)، وهي مبادرة تهدف إلى تعزيز تمثيل النساء في المجالس البلدية. تنص الاتفاقية على ضمان تمثيل لا يقل عن 30% للنساء، وتشجع على المناصفة الجندرية في رئاستي البلديات. وقد وقعت 105 جهات على الاتفاقية حتى الآن، في خطوة تعكس الزخم المتصاعد باتجاه الحكم المحلي المتوازن.وفي هذا الإطار، أعلنت وزارة الداخلية والبلديات نسب فوز النساء في الانتخابات، كاشفة عن تفاوت ملحوظ في التمثيل: فقد بلغت نسبة النساء الفائزات في المجالس الاختيارية 16.4%، وفي المجالس البلدية 10.37%، في حين لم تتجاوز نسبة المخاتير الإناث 2.42%.
ختامًا، تبقى النساء في لبنان في الصفوف الأمامية خلال الأزمات، كقياديات، وأول المستجيبات، وصانعات سلام. إلا أن إقصاءهن المستمر عن مواقع القرار الأساسية لا يزال يُشكل عائقًا أمام تحقيق العدالة الكاملة. فالمساواة بين الجنسين ليست مجرد حق إنساني، بل ركيزة أساسية لبناء لبنان أكثر عدالة وإنصافًا.
ورغم الجهود المستمرة، لا بد من مواصلة العمل التشريعي والمجتمعي لتأمين مستقبل أكثر مساواة وشمولًا.