جعجع: القرار ليس في عين التينة

كتب سامر زريق في “نداء الوطن”:
تظهر التطورات أن “حزب الله” أسير حالة من الجمود تتناقض مع حديثه حول مراجعاته العميقة، حيث لا يزال يرتكز على استهلاك الوقت والرهان على حصول متغيرات استراتيجية لمواجهة التحولات، والتي تخرج عن إطار “الصبر الاستراتيجي” لتصبح أكثر تماهياً مع قاعدة إسلامية “لعل الله يحدث أمراً”.

يؤخر “الحزب” رده على الورقة المشتركة للرئاسات الثلاث حتى الرمق الأخير يوم الإثنين، ويتعمد إرسال إشارات متضاربة عبر الإعلام لقياس ردود الفعل قبل اتخاذ قرار حول ماهية التنازلات التي يمكن تقديمها.

وبينما يبدي استعداده لتسليم ترسانته من الصواريخ والمسيّرات، عبر تسريب أوكل إلى “رويترز”، يرسل رسائل إلى مراكز القرار في الدولة عبر “الأخ الأكبر” حول تمسكه بانسحاب إسرائيل من المواقع التي احتلتها، والإفراج عن الأسرى، وبعدها يمكن البحث في مسألة السلاح، والتي قدم لها الرئيس نبيه بري تخريجة فضفاضة “اتخاذ الدولة إجراءات ملموسة”. وإن كانت نتيجتها معروفة سلفًا، فإنها تندرج ضمن إطار تمييع الوقت، وتعكس مدى تغييب الواقعية في قراءة الاختلال الفاضح في موازين القوى الفاضح راهنًا.

التطور الوحيد الذي يظهره “الحزب”، هو في تعزيز الرهان على الغيبيات بتوظيف أول “عاشوراء” بعد التحولات القاسية لإقفال أي مساحة بينه وبين الشيعة، ليصبح إذّاك الاقتراب من سلاحه بمثابة تهديد وجودي لطائفة بأكملها تتعرض لحصار “أموي” و”يهودي” مشترك.

أما على طاولة بعبدا، فتحضر الضغوط الأميركية والمقارنات الدائمة مع سوريا، ونظيرتها الخليجية التي تدفع بحسم نحو مشروع الدولة، في موازاة انتقادات مسيحية راحت تعلو في الآونة الأخيرة، واتهامات سنية بمحاباة “الثنائي” على حسابهم بالذات، قوضت موجة الدعم الجامعة التي رافقت انتخابه، ودفعت المفتي إلى زيارة دمشق، في رمزية تستحضر التاريخ لتعيدها مرجعية معنوية يمكنها إحداث التوازن.

تتعامل بعبدا مع هذه الضغوط بصبر محل انتقاد، فتعيد تصديرها إلى “حزب الله” لدفعه إلى تلقف يدها الممدودة “نحو الدولة” لحمايته وشيعته ولبنان من عاصفة “لا تبقي ولا تذر”. بيد أن الأخير يمعن في استثمار قرار تجنب المواجهات لإنجاح “العهد” و”مشروع الدولة” في آن، واللعب على حافة الهاوية حتى يوشك على الوقوع فيها، ساعياً إلى ضرب صورة “العهد” ووأد مشروع الدولة في مهده لأن في ذلك استدامة رعبه. وأكثر منه الرئيس بري بإصراره على صورة “سيد الدولة”، تارةً بـ “ثلاثية ياسين جابر” الذي لوح مؤخرًا بتعطيل توقيعه، وطورًا بـ “ثلاثية زاهر حمادة”، وما بينهما من تعمد سحب الأضواء من “بعبدا” و”السراي الحكومي” لتثبيت “عين التينة” كمركز قرار.

يتبنى “العهد” استراتيجية خطوة بخطوة إزاء كل القضايا، ورغم ما توصم به من بطء في النتائج، إلا أنه يراها الوسيلة الممكنة لإخراج مشروع الدولة من عنق الزجاجة بأخف الأضرار، مفسحًا المجال أمام الضغوط الخارجية والداخلية كي تأخذ مداها إزاء “الحزب”، معولًا على رضوخه في نهاية المطاف أمام التوازنات الناشئة في ظل انعدام خياراته.

مع اقتراب قدوم المبعوث الأميركي توم برّاك، أعدت بعبدا مقاربة شاملة لكل الملفات ومتوازية ومتزامنة، تؤمن كل الضمانات والتطمينات لتحقيق مصلحة لبنان من أجل تقديمها إلى براك، ترتكز على خطوات متزامنة لبنانية وإسرائيلية بضمانة أميركية. بدورها، تدعم رئاسة الحكومة هذه المقاربة وتسعى لإقرارها في مجلس الوزراء بدعم خليجي، وتعتبر أن مقاربة “الحزب” خارج الزمان والمكان.

تعضدهما معراب، فمن بين جبال الاتهامات وحملات التشكيك الدائم بموقفه من الدولة والطائف، يخرج “حارس الجمهورية” لتصويب اتجاه “الدولة الحائرة”، فيوظف ثقله السياسي من أجل حثها على استعادة احتكارها القرار الاستراتيجي، والتخلي عن دور الوسيط بين الدويلة والمجتمع الدولي. يضع جعجع فلسفة “الطائف” على الطاولة في وقت تناساه الكثير من حراسه، فيضغط لإقرار الورقة الموحدة لبرنامج حصرية السلاح في مجلس الوزراء، بعد مناقشتها أمام ممثلي “الثنائي الشيعي”. ذلك أن جوهر فلسفة الطائف ترتكز على مناقشة القرارات الاستراتيجية في مجلس الوزراء وليس في “عين التينة” أو أي مكان آخر.

ويكشف جعجع عن تهديد بري غير مرة بسحب ممثلي “الثنائي” من الحكومة للضغط على بعبدا والسراي الحكومي، ويلوح بالانسحاب من الحكومة في حال عجز الدولة عن تلقف الفرصة التاريخية المتاحة كي تعود دولة طبيعية. ويزيد من منسوب الضغط لإحداث التوازن مع ضغوطات “الثنائي” المضادة من خلال استخدام أداة دولتية أخرى، وهي التحضير لتقديم اقتراح قانون معجل مكرر إلى البرلمان لسحب سلاح “حزب الله”. بما يؤكد مضيه في معركة الدولة ضد السلاح حتى النهاية عبر كل الأدوات السياسية الممكنة.

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى