ما هي الضمانات التي يطالب بها “حزب الله” لتسليم سلاحه؟

إذا عاد المرء إلى الوراء قليلًا، وقبل تاريخ عملية “طوفان الأقصى” وبعدها حرب “الاسناد والمشاغلة” وقبل الحرب المدّمرة التي شنتّها إسرائيل على لبنان وبالأخص على البيئة الحاضنة لـ “حزب الله” في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت لا بدّ له أن يسجّل أن مطلب تسليم “الحزب” لسلاحه إلى الدولة اللبنانية قديم جدًّا، وليس وليد البارحة، ويعود تاريخه إلى اتفاق الطائف، الذي نصّ تحت بند ” بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية”: بما انه تم الاتفاق بين الأطراف اللبنانية على قيام الدولة القوية القادرة المبنية على أساس الوفاق الوطني، تقوم حكومة الوفاق الوطني بوضع خطة أمنية مفصلة مدتها سنة، هدفها بسط سلطة الدولة اللبنانية تدريجيا ، على كامل الأراضي اللبنانية بواسطة قواتها الذاتية وتتسم خطوطها العريضة بالآتي: الإعلان عن حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية خلال ستة اشهر تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني وإقرار الاصلاحات السياسية بصورة دستورية.
إلاّ أن الظروف القاهرة دفعت الحكومات المتعاقبة إلى تبنيّ معادلة “شعب وجيش ومقاومة” أو ما يشبهها ولو بصيغة مختلفة، الأمر الذي انتفت عن “حزب الله” صفة “الميليشيا”، التي تحدّث عنها تفاق الطائف، ومن بعده القرارات الدولية وبالأخص القرار 1701، الذي تضمن أيضًا القرارات ذات الصلة، وبالأخص القرار 1559.
ومن بعده جاءت “الورقة” الكويتية – الخليجية – الدولية، وما فيها من بنود، تباينت آراء اللبنانيين حولها. فمنهم من اعتبرها “سيادية” بامتياز، ومنهم من رأى فيها نوعًا من “الإملاءات” الجديدة، التي تتناقض مع السيادة اللبنانية، تمامًا كما هي الحال اليوم، ولكن مع فارق أساسي، وهو أن “حزب الله” قد أصبح اليوم أكثر تقبلًا لفكرة تسليم سلاحه إلى الدولة أكثر من أي وقت مضى. إلاّ أن هذا الواقع لا يعني بالضرورة أنه سيسّلمه في أقرب وقت، لأنه لا يريد أن يتخّلى عن أهم ورقة في يده من دون أن يحصل على ضمانات، أقّله بالنسبة إلى انسحاب إسرائيل من كل شبر من الأراضي اللبنانية، التي لا تزال تحتلها بذريعة أن ” المقاومة الإسلامية” لا تزال تملك ما يكفي من قوة قادرة على تهديد أمن أمنها الشمالي. وهذا ما يفسّر عدم عودة المستوطنين اليهود إلى المستوطنات الشمالية.
ويُسأل “حزب الله”، الذي يطالب المجتمعين الدولي والعربي بضمانات وجودية كما سئل غيره قبل ما يقارب الثلاثين سنة ونيف: وما هي ضماناتكم بوجود السلاح، خصوصًا أن ثمة قناعة لدى شريحة واسعة من اللبنانيين أن سلاح “الحزب” لم يستطع أن يحمي بيئته ولبنان، بل كان السبب المباشر لتدمير شامل طاول ما يقارب التسعين بلدة وقرية جنوبية، وكذلك لم يستطع أن يحمي ناسهم، وفي مقدمهم أميناه العامان السيدان حسن نصرالله وهاشم صفي الدين.
وحيال هذا التناقض في المواقف، وهو أمر ليس بجديد، خصوصًا أن ما ورد في “الورقة” العربية – الخليجية”، شكّل ولا يزال مادّة خلافية مزمنة بين اللبنانيين المنقسمين عمودّيًا وأفقيًا حول بعض التفسيرات والمصطلحات التي هي محلّ خلاف عميق وجذري، الأمر الذي يجعل من الصعب التوافق على قواسم مشتركة بينهم، ولكن هذا الأمر لن يصعّب على الجانب اللبناني اتخاذ موقف حاسم من كل ما ورد في هذه “الورقة”، كما يحلو للبعض تصويره، وفي غيرها من الأوراق والقرارات، خصوصًا إذا اقتنع اللبنانيون المختلفون على أدّق التفاصيل بأنه قد حان الوقت لكي يجلسوا معًا إلى طاولة مصارحة شفافة برعاية رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، الذي بدأ بهذه المصارحة من خلال المواقف، التي يعلنها كل يوم، وكذلك من خلال حواره الثنائي المباشر مع جميع الكتل النيابية والأحزاب، وذلك توصّلًا إلى قواسم مشتركة من القناعات الوطنية، والتي من دونها سيبقى الوضع على حاله السيئة.
فالمتبصرّون، والذين ينظرون إلى الأمور من زوايا مختلفة، ومن ضمن رؤية شاملة غير محصورة بوجهة نظر معينة، يرون أن لا بدّ من استلهام ما ورد في خطاب القسم وفي البيان الوزاري لحكومة “الإصلاح والإنقاذ”، والذي هو مكمّل لما ورد في بيان حكومة “معًا للإنقاذ”، التي اتخذت خطوات مهمة في أكثر من مجال، وبالأخصّ أن الحكومة الحالية تستنسخ ما بدأت بالقيام به حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، التي حاولت بكل ما أوتيت من قوة أن تعاكس الظروف غير الطبيعية ، التي واجهتها حتى قبل حرب الاسناد والحرب العاصفة، التي قامت بها إسرائيل، ومن بينها أمور حياتية كإعادة تأهيل طريق المطار على سبيل المثال لا الحصر.
المصدر: لبنان٢٤