الحرب تدخل عامها الثالث… والجرح مفتوح!

كتبت راشيل علوان في “نداء الوطن”:
أكبر أزمة إنسانية، أكبر أزمة نزوح، أكبر أزمة جوع، هي الحرب السودانية التي حطّمت ولا تزال كلّ أنواع الأرقام القياسية الخاطئة. هذه الحرب التي دخلت عامها الثالث، تصنّف الأسوأ عالمياً بكلّ المقاييس، فحرب الصواريخ والمدافع والمسيّرات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع قتلت وجرحت عشرات الآلاف من السودانيين، إذ إنها لم تعد حرباً بين جيشين متنازعين، بل أضحت حرباً ضدّ شعب بأكمله، إنها حربٌ على المواطن السوداني بجدارة، كما تقول الأمم المتحدة ومنظماتها، فيما الحلول لإنهاء هذه المأساة لا تزال غائبة.
خلال عامين من القتال، تخطى عدد القتلى والجرحى الـ 150 ألف شخص بحسب بعض التقديرات (هناك تقديرات أخرى تفيد بأرقام مرعبة أكثر) التي تتجاوز عدد الضحايا الرسمي المسجّل، ومن لم تقتله «البندقية» يموت كلّ يوم من الجوع وفقدان الحاجات الأساسية. فوفق بيانات الأمم المتحدة، أكثر من نصف سكان السودان، أي ما يزيد على 30.4 مليون شخص، بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية، ومنهم 20 مليون شخص يهدّدهم الجوع. أمّا ثلث سكان السودان فهم نازحون ولاجئون، بينهم أكثر من 11 مليون شخص اضطرّوا للنزوح داخلياً، و 4 ملايين لجأوا إلى دول الجوار. أرقام هائلة تشي بكبر المأساة الإنسانية التي تتفاقم يوماً بعد يوم وتزيد المشهد قتامة.
دمّرت الحرب أيضاً البنى الاقتصادية والتحتية للسودان، فالجسور ومحطات الكهرباء والمياه تعرّضت للتخريب، كما تضرّرت مصافي النفط والمطارات، وسط انهيار شبه كامل للنظام الصحّي. فنحو 70 في المئة من المستشفيات والمراكز الصحية في العاصمة الخرطوم ودارفور ومناطق أخرى خرجت من الخدمة بفعل القصف المتكرّر لها، وبعضها تحوّل إلى ثكنات عسكرية، إضافة إلى تدمير المراكز الطبية المتخصّصة. وبالتالي، تُقدّر خسائر القطاع الطبي وحده بأكثر من 11 مليار دولار، بينما تسبّب هذا الدمار الذي لحق بالقطاع الصحي في تفشي الأمراض والأوبئة، ولا كوادر طبية كافية لعلاج المرضى والمصابين.
ولأن أيّ حرب شعواء يدفع المواطن ثمنها من لحمه الحي ومن حقوقه وآماله وأحلامه، ها إن هذه الحرب البشعة شرّدت أطفال السودان الأبرياء وجوّعتهم. هؤلاء الأطفال اليوم على وجه الخصوص يواجهون أوضاعاً مأسوية تفوق قدرتهم على التحمّل أو المواجهة، إذ يتهدّد أكثر من 3 ملايين منهم خطر الموت نتيجة الأمراض وسوء التغذية، فيما خرج ملايين الأطفال من مقاعد الدراسة، في واحدة من كبرى أزمات التعليم في العالم. كارثة عظمى ضربت بنية التعليم في البلاد، إذ تشير التقديرات غير الرسمية إلى أن 20 ألف مدرسة تأثرت بالحرب كلّياً أو جزئياً، وبين 6 و 7 ملايين تلميذ من أصل 12 مليوناً قبل الحرب، أصبحوا خارج المدارس، ومن استطاعوا مواصلة التعليم لا يزيد عددهم على 3 أو 4 ملايين تلميذ. وما يزيد المشهد حزناً أن بعض المدارس ومؤسّسات التعليم حوّلت إلى ثكنات عسكرية، أو استهدفت بالقصف، أو تحوّلت لدور إيواء، حتى أنّ بعضها استُخدم مقابر لدفن القتلى.
ورغم التحوّل الميداني اللافت باستعادة الجيش السوداني السيطرة على الخرطوم وتراجع قوات الدعم السريع، المعارك لن تنتهي. هذه التطوّرات غير كافية لوضع حدٍ نهائي لهذه الحرب المدمّرة التي حوّلت السودان إلى أكبر أزمة إنسانية في العالم اليوم، يدفع ثمنها رجال ونساء وأطفال البلاد. أجيال بكاملها في خطر ومستقبل وطن مهدّد بالضياع، ما لم تتوقف هذه الحرب ويَصحُ ضمير المجتمع الدولي.