موازنة 2025: تفاؤل حكومي بإيرادات مرتفعة… هل تصمد أمام التطورات الأمنية؟

من المرجح ألا تتطابق توقعات الحكومة بشأن إيرادات موازنة 2025 (المقدرة بنحو 4 مليارات و800 مليون دولار) مع التطورات الأمنية والسياسية الحاصلة في لبنان والمنطقة، والتي ستؤثر سلبًا على هذه الإيرادات. ناهيك عن أن 62.2% من هذه الإيرادات ستأتي عبر ضرائب استهلاكية، مثل الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية، بينما 9.7% من الإيرادات ستأتي من ضرائب الدخل والأرباح، والباقي إيرادات غير ضريبية (بحسب أرقام وزارة المال). وهذا سيؤثر سلبًا على وتيرة الاستهلاك لدى محدودي الدخل، خصوصًا بعد التداعيات الاقتصادية للعدوان الإسرائيلي على لبنان.

في تحليل لهذه المعطيات، يجزم الخبراء والمطلعون بأن توزيع الضرائب في الموازنة غير عادل، لأن الأسر منخفضة الدخل تنفق الحصة الأكبر من دخلها على الاستهلاك، بينما الأسر مرتفعة الدخل لديها فائض من المال يكفي لتخصيص قسم منه للادخار أو الاستثمار. وهذا يعني أن ضرائب الاستهلاك هي ضرائب تنازلية، أي أن عبأها يصبح أقسى كلما تدنى دخل الأسرة، في تعارض مع أشكال أخرى من الضرائب، مثل الضرائب التصاعدية على الدخل، التي تصبح أكثر ثقلًا على الأسرة كلما كانت من الشرائح الأعلى دخلًا في المجتمع.
تبدو هذه المقاربة صحيحة، فمنذ اندلاع الأزمة المالية لم تقدم الحكومات المتعاقبة موازنة إصلاحية، كما أن موازنة العام 2025 لم تقارب التطورات العميقة والشاملة التي شهدتها الساحة الداخلية، والتي ستؤثر على الإيرادات والنفقات المالية العامة لهذا العام. علمًا أن مجلس الوزراء كلّف وزير المال ياسين جابر إعادة النظر في الرسوم الواردة في الموازنة، لتجنب أي انعكاسات سلبية لهذه الأرقام من الناحية الاقتصادية والاجتماعية على المواطنين.

بلغة الأرقام، لم تتضمن موازنة 2025 أي ضرائب جديدة ولا زيادة على الضرائب، إنما تضمّنت تعديلات على عدد كبير من الرسوم بعد تغيّر سعر صرف الدولار، حيث تمت مضاعفة بعض الرسوم بعدد من المرات بما يتناسب مع سعر صرف الدولار الحالي عند 89,500 ليرة. كما أن موازنة 2025 توازي بين النفقات والإيرادات، أي 445 ألفًا و214 مليار ليرة للنفقات، والقيمة ذاتها للإيرادات. وقد بنت وزارة المال هذه التوقعات على نسبة نمو حقيقي 1.2%، ونسبة تضخم 4.5%، وحجم اقتصاد يبلغ 27 مليارًا و800 مليون دولار. كما أن الموازنة اعتمدت سعر صرف 89,500 ليرة مقابل الدولار، باعتبار أنه سيستقر على هذا الرقم طوال العام 2025.

البواب: الإيرادات لن تكون كما تتوقع الحكومة
يصف الخبير الاقتصادي الدكتور باسم البواب موازنة 2025 بأنها “متفائلة”، لافتًا لموقع “ليبانون ديبايت” إلى أنها “أرسلت إلى مجلس النواب في أيلول 2024 وقبيل بدء العدوان الإسرائيلي الشامل على لبنان، وتم رفع التوقعات حول إيرادات الخزينة من 3 مليارات ونصف دولار إلى 4 مليارات و800 مليون دولار، مرتكزين على الفائض الذي تحقق في العام 2024 (500 مليون دولار)، وبالتالي يمكن رفع الموازنة بنحو مليار دولار”.

ويشير إلى أن “هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق بعد العدوان الإسرائيلي، بالإضافة إلى التطورات الأمنية الحاصلة على الحدود الشرقية مع سوريا وأحداث غزة، وكلها ستؤثر سلبًا على لبنان. كما أن هناك تطورًا آخر يتمثل في أن الحكومة السورية خفّضت الرسوم الجمركية على البضائع لمدة عام كامل لدعم الشعب السوري”، مرجحًا أن “يؤثر هذا الإجراء سلبًا على حركة الاستيراد إلى لبنان، والتي كان يتم جزء منها لصالح السوق الاستهلاكي السوري. ناهيك عن أن حركة الاستيراد عادت إلى طبيعتها في سوريا (مطار دمشق وحلب)، وهذا ما سيخفض الإيرادات اللبنانية، ما يعني أن توقعات الحكومة اللبنانية المتعلقة بالإيرادات لن تكون نفسها”.

ويضيف: “هناك عوامل إيجابية يمكن أن تحصل لصالح الموازنة، وهي رفع الحظر عن الصادرات اللبنانية إلى دول الخليج، وهذا الأمر مرتبط بالزيارة التي سيقوم بها الرئيسان جوزاف عون ونواف سلام إلى السعودية. إذا حصل هذا الانفراج، يمكن أن نتفاءل بزيادة إيرادات الخزينة، لكن كل الأمور لا تزال ضبابية نتيجة التطورات السياسية والعسكرية التي ستحصل في المنطقة”، موضحًا أنه “بعد مرور الفصل الأول من العام الحالي، يمكن القول إن أرقام الإيرادات لن تكون بحسب توقعات الحكومة، وقد تحصل تعديلات للموازنة خلال العام”.
يوافق البواب على أن “الموازنة تطال الشريحة من محدودي الدخل، لأنها تستند إلى الضرائب والرسوم المتأتية من الجمارك والضرائب على القيمة المضافة (TVA). وفعليًا، هذه الموازنة لا تتضمن مشاريع جديدة للبنى التحتية، وهي أقرب لموازنة العام 2023، حيث لم يتم خلالها فرض ضرائب جديدة، ولكن التوقع بزيادة الإيرادات جاء بناءً على توقعات بزيادة النمو في الاقتصاد اللبناني، وهذا أمر غير محسوم بسبب التطورات السياسية والأمنية”.

مارديني: ضبط الإنفاق هو الحل
من جهته، يقارب الخبير الاقتصادي باتريك مارديني موازنة 2025 والإيرادات المتوقعة منها من زاوية أخرى، فيشرح لموقع “ليبانون ديبايت” أن “الجزء الأكبر من إيرادات هذه الموازنة يتأتى من الضرائب على الاستهلاك (56%)، أي على السلع والخدمات، علمًا أن هذا النوع من الضرائب يؤثر سلبًا على القطاع السياحي، الذي يحاول النهوض بعد عدة تحديات مرّ بها، أبرزها الأزمة الاقتصادية، وجائحة كورونا، وانفجار المرفأ، وحرب الإسناد، والعدوان الإسرائيلي. وهذا سيساهم في إضعاف المؤسسات السياحية التي تدخل العملة الصعبة إلى لبنان، الذي يعتبر بلدًا غير تنافسي على الصعيد السياحي مقارنة بدول المنطقة”.

ويضيف: “زيادة رسوم بقيمة 5% على السيارات المستعملة تعني تحميل عبء أكبر للمستهلكين العاديين في ظل غياب النقل المشترك في لبنان، وكان من الأجدى بالحكومة أن تعالج زيادة إيراداتها من خلال ضبط الإنفاق”، معتبرًا أنه “من غير المقبول أن يكون هناك زيادة في الإنفاق بنسبة 30% بين العامين 2024 و2025، فالحكومة لديها فائض في الموظفين وبطالة مقنّعة يجب معالجتها، وهناك مجالس وصناديق يجب إقفالها، وليس عبر زيادة الضرائب على الشعب اللبناني لتغطية نفقات مؤسسات غير منتجة”.
ويختم: “نتفهم أن الحكومة الجديدة لم تتمكن من وضع موازنة إصلاحية، لكن نأمل أن تتم معالجة الزيادات الضريبية بالتوازي مع معالجة زيادة النفقات، التي يجب أن تتقلص للوصول إلى موازنة متوازنة. وهذا أمر لا يمكن أن يحصل إلا عبر ضبط الإنفاق، على أمل أن تراعي موازنة 2026 هذه الثغرات”.

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى