إسرائيل تستغل قيود “حزب الله” وتطبّق حرباً أمنية وحزاماً عازلاً

كتب نذير رضا في “الشرق الأوسط”:
تمضي إسرائيل في حرب أمنية ضد حزب الله، حدَّدت فيها حزاماً أمنياً جديداً تفرضه بالنار، وتنفذ الاغتيالات في جنوب الليطاني وشماله، وفي البقاع، في وقت جمّد حزب الله العمليات العسكرية ضد القوات الإسرائيلية، ويبدو «مكبلاً بالتغيرات الأخيرة»، ويترك مسؤولية معالجة ما تقوم به إسرائيل، للدولة اللبنانية.
ولا يخلو يوم من «انتهاكات» إسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار الذي كان يُفترض أن يبدأ تطبيقه بالكامل في 18 شباط الماضي، ولاحقت طائراتها المسيرة، السبت، سيارة في بلدة برج الملوك التي تبعد نحو 4 كيلومترات عن الشريط الحدودية، واستهدفتها بصواريخ، ما أدى إلى استشهاد شخص، وفق ما أفادت به وزارة الصحة العامة، وتبين لاحقاً أنه يتحدر من بلدة كفركلا. كما أدى القصف إلى إصابة شخص آخر بإصابة خطيرة، وفق وسائل إعلام لبنانية.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر أمني أن الهجوم في جنوب لبنان استهدف عناصر من حزب الله. وقال الجيش الإسرائيلي: «هاجمنا عنصراً في حزب الله كان يشارك في نشاط إرهابي في كفركلا جنوب لبنان».
حرب أمنية
أظهرت الملاحقات والاغتيالات التي تكثَّفت في الأسبوع الماضي أن إسرائيل «تطبّق الآن حرباً أمنية على حزب الله»، بعد الحرب العسكرية التي وضعت أوزارها في 26 تشرين الثاني الماضي، إثر اتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة وفرنسا، ورَعَته واشنطن، لوقف إطلاق النار. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن إسرائيل «فرضت منطقة عازلة بالنار في المنطقة الحدودية بجنوب لبنان تخلو إلى حد كبير أيضاً من المدنيين في هذا الوقت، بالنظر إلى حجم الدمار، وتتسع هذه المنطقة شيئاً فشيئاً إلى خطوط القرى الثانية عبر ملاحقات أمنية إسرائيلية لأشخاص يُشتبه في كونهم أعضاء أو عناصر أو حتى مناصرين لحزب الله، ويتحدرون أصلاً من تلك القرى في الجنوب».
ويسري اعتقاد لدى المقربين من حزب الله وخصومه بأن إسرائيل «تستغل الاندفاعة الدولية التي منحتها غطاء كبيراً في سوريا وغزة وجنوب لبنان»، لتنفيذ اغتيالات في لبنان، وارتكاب خروقات لاتفاقية وقف إطلاق النار والقرار الدولي «1701». كما «تستغل القيود التي تكبّل أيدي حزب الله عن الرد»، وهي قيود «سياسية داخلية متصلة بوضعية الحزب الجديدة، وأخرى دولية، وأخرى متصلة ببيئته».
تموضع الحزب
أنجز «حزب الله» بعد انتهاء الحرب في 26 تشرين الثاني الماضي، تموضعاً جديداً باتجاه العمل السياسي، وتجميد العمل العسكري، من دون التنازل عنه، وذلك بضغط سياسي لبناني، وبضغط دولي على الدولة اللبنانية، وبضغط الاندفاعة الإسرائيلية لتنفيذ ضربات في أي موقع في لبنان، ومن ضمنها في قلب بيروت.
وأكد أمينه العام، نعيم قاسم، قبل أيام في مقابلة تلفزيونية: «إننا التزمنا كحزب في اتفاق وقف إطلاق النار، ولا نعطي ذرائع لإسرائيل لانتهاك الاتفاق، وقد خرجنا من جنوب نهر الليطاني، وتسلم الجيش اللبناني مواقعنا»، مضيفاً: «إسرائيل ليست بحاجة لذريعة».
وإذ أكد أن «العمل المقاوم من الثوابت ولا يمكن أن ينعدم»، قال إن «الإسرائيليين يعرفون اليوم جيداً أنهم إذا لم يخرجوا من الأرض، فسوف يُواجهون مقاومة، ليس الآن، بل لاحقاً»، مضيفاً: «نحن صابرون، لأنّ الدولة الآن مسؤولة، ولكن هذا لا يعني أنّ الأمور ستظل على هذا النحو دائماً، يجب أن يدركوا ذلك».
القيود على الحزب
بينما لا يخفي الحزب أن المعادلات العسكرية السابقة التي كانت قائمة قبل الحرب لم تعد موجودة الآن، يقول خصومه إنه تعرض لنكسات عسكرية وضربات في الحرب، مما قوَّض قدراته العسكرية. وإضافة إلى ذلك: «يبدو الحزب اليوم مقيداً أولاً بالضغوط السياسية اللبنانية في ظل عهد جديد، وحكومة جديدة، إذ يتجنب الحزب مواجهة هذا العهد أو إحراجه»، وفق ما تقول مصادر لبنانية معارضة لـ«حزب الله» لـ«الشرق الأوسط»، لذلك «يضع أوراقه لدى الدولة».
وفي حال لم تنجح الدولة في وقف الاعتداءات، فإنه سيقول إن الدولة عجزت بالدبلوماسية، وعليه، فإنه على الدولة أن تمضي في مناقشة استراتيجية دفاعية يكون الحزب في عدادها، علماً بأن مناقشة الاستراتيجية الأمنية أو الخطة الدفاعية، مؤجلة، رغم تعهد الرئاسة اللبنانية بإنجازها.
أما القيود الثانية على الحزب، فهي قيود تمويل إعادة الأعمار التي وضعها أيضاً الحزب بعهدة الدولة. وتقول المصادر: «إذا اخترق الحزب الاتفاق، فسيعطي ذلك ذريعة دولية لاعتبار المنطقة غير آمنة، وأن الحزب لا يلتزم باتفاق إطلاق النار، مما يؤجل تمويل إعادة الإعمار التي تبدو مشروطة بانسحاب الحزب وفق القرار (1701)، وتثبيت الاستقرار الأمني في المنطقة الحدودية».
وتتوسع القيود إلى بيئته؛ إذ بدا خلال الحرب أن إسرائيل وضعت خطة عنيفة في التعامل مع مقدرات الطائفة الشيعية خلال حربها مع «حزب الله»، وطبَّقتها بقصف هائل في الجنوب والضاحية والبقاع وفي قلب بيروت، وهذا يعني أن «أي تجدد للمعركة، سيدفع مليون نازح مرة أخرى إلى أنحاء البلاد، وسيهدد المؤسسات الإنتاجية والحيوية والأبنية السكنية، مما يرفع فاتورة إعادة الإعمار المتأخرة أصلاً الآن»، حيث اهتم «حزب الله» بدفع بدلات إيواء وإصلاح للأضرار، لكنه لم يدفع لإعادة الإعمار، وترك الأمر للدولة.
وبالتالي، فإن «الضغوط الشعبية ستكون كبيرة، وهو ما يدفعه لتجنبها ويترك أمور التفاوض للدولة والدبلوماسية».