جرائم سرقة في شهر رمضان… تناقض بين الروحانية و الواقع

يشهد لبنان حالة من الفوضى الأمنية تتجلى في ارتفاع معدلات الجرائم، بما في ذلك عمليات السرقة. وتعتبر عمليات السرقة من القضايا البارزة، وخاصة في مدينة طرابلس، اذ تعتبر واحدة من أكثر المدن اللبنانية تأثراً بالتفلّت الأمني حيث شهدت في السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في عمليات السرقة والجرائم، وفق التقارير، وخاصة خلال الأعياد والمناسبات.
على مر السنين، شهد لبنان فترات من التقلّبات على مستوى الاستقرار والأمن، ولكن المشكلة بدأت تتفاقم منذ عام 2019 حين دخل لبنان في أزمة سياسية واقتصادية خانقة نتيجة تفشّي الفساد وانهيار النظام المالي في ظلّ غياب الاستقرار السياسي، ما أدّى إلى تدهور الظروف المعيشية للكثير من اللبنانيين اضافة الى ارتفاع معدلات البطالة والفقر.
هذه الظروف الصعبة دفعت ببعض الأفراد الى اتخاذ قرارات يائسة كالّلجوء إلى الجريمة كوسيلة للبقاء وتوفير احتياجاتهم الأساسية، إذ تراوحت جرائم السرقة ما بين السرقات البسيطة والسرقات المسلحة، وذلك بحسب البلاغات التي وردت للأجهزة المعنية والتي تضمّنت اقتحام المنازل والمحلات التجارية، الأمر الذي بدأ يعكس حالة من انعدام الأمان لدى المواطنين الذين وجدوا أنفسهم مضطرين للبحث عن سبل للحماية الشخصية تجنباً للوقوع ضحية للسرقة.
ولعلّ هذه الظاهرة تتفاقم يوماً بعد يوم بسبب الغياب الفعلي للسلطات الأمنية، حيث أن غياب الدوريات اليومية يعزز من نشاط العصابات ويتيح لها حرية الحركة، اضافةً الى غياب المحاسبة؛ إذ لا توجد آليات فعالة لملاحقة السارقين ومحاسبتهم للحدّ من جرائمهم، ما يعكس تراجع قدرة الدولة على حماية مواطنيها.
ظاهرة السرقات المتفشّية تتطلّب استجابة فورية وشاملة من المجتمع والسلطات وذلك من خلال تعزيز الأمن، وتوعية المواطنين، واستخدام التكنولوجيا، ما يمكن أن يمهّد لتقليل انتشارها وخلق بيئة أكثر أمانًا للجميع، وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق الا من خلال طرح عدّة حلول تتصدّى لهذه الجرائم وتشكّل بوابة للخروج من الأزمة.
- زيادة عديد الأجهزة الأمنية في المناطق التي تشهد ارتفاعًا في السرقات، ما يمكن أن يساهم في ردع المجرمين، اضافة الى تواجد دوريات أمنية تساعد في خلق شعورٍ بالأمان بين المواطنين.
- تنظيم حملات توعية تهدف إلى تثقيف المواطنين حول كيفية حماية ممتلكاتهم، مثل عدم ترك الأبواب مفتوحة أو ترك الأشياء الثمينة في الأماكن الظاهرة. ويمكن أن تشمل هذه الحملات ورش عمل وندوات في المراكز الاجتماعية.
- تعزيز التعاون بين المجتمع والأجهزة الأمنية وتشجيع المواطنين على الإبلاغ عن أي نشاط مشبوه أو سلوك غير عادي وتفعيل الخطوط الساخنة للإبلاغ عن الجرائم لزيادة فعالية مكافحة الجريمة.
- استخدام التكنولوجيا، فتطبيقات الهواتف الذكية التي تسمح للمواطنين بالإبلاغ عن السرقات أو الأنشطة المشبوهة يمكن أن تكون أداة فعالة. كما يمكن استخدام كاميرات المراقبة في الأحياء لتعزيز الأمان.
- تقديم برامج دعم للأسر المحتاجة يمكن أن يقلل من الدوافع الاقتصادية للسرقة وذلك من خلال توفير المساعدات الغذائية والمالية لتقليل الضغوط الاقتصادية التي قد تدفع البعض إلى ارتكاب الجرائم.
إن شهر رمضان هو شهر العبادة والتقرب إلى الله، حيث يُفترض أن يكون وقتًا للتوبة والتسامح. ومع ذلك، فإن تفشّي الجريمة في بعض المناطق يظهر صورة مغايرة تمامًا ويجسّد التناقض بين الروحانية والواقع، وهذا التناقض يثير تساؤلات حول تراجع القيم الأخلاقية والاجتماعية في المجتمع ما يشكّل تحدياً كبيراً يتطلب جهدًا مشتركًا من المجتمع والقيادات الدينية والسياسية تجنّباً لخطر الانقسام الاجتماعي وتفشّي الجريمة والسلوكيات المنحرفة وذلك لبناء الثقة بالمؤسسات واستعادة الأمان.