فوضى الدراجات النارية تفتك بالأمن وسلامة المرور
![](https://dailynewslb.com/wp-content/uploads/2025/02/159783-780x470.webp)
كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”: مع كل عراضة استقوائية تقوم بها “موتوسيكلات” الضاحية يتجلى بشكل لا لبس فيه الدور المحوري الذي تلعبه هذه الآليات الصغيرة في اليوميات اللبنانية. وتأتي الأزمات المتلاحقة المعيشية والأمنية والسياسية لتحرفها عن دورها الأساسي كوسيلة نقل وتجعلها في قلب التركيبة الاجتماعية للبنان. وفي حين يعاني القسم الأكبر من سكان المدن اللبنانية من الانتشار الفوضوي للدراجات النارية، تبدو عند القسم المتبقي وسيلة حيوية لكسب الرزق قانونياً أو خارج إطار القانون.
حتى العام 2022 بلغ عدد الدراجات المسجلة في مصلحة تسجيل السيارات والآليات 289,000 دراجة وفق الدولية للمعلومات ولكن هذا الرقم لا يمثل إلا حوالى 20 في المئة من عدد الدراجات النارية الموجودة على الأراضي اللبنانية كون معظمها غير مسجلة. وبالإطلاع على سجلات استيراد الدراجات النارية في العامين الماضيين بحسب قول محمد شمس الدين من الدولية للمعلومات “يتبيّن أن عدد الموتوسيكلات قد ازداد بشكلٍ واضح مع زيادة نسبة استيرادها إلى ما يقارب 50,000 دراجة سنوياً أو أكثر وبهذا يكون العدد التقريبي للدراجات نحو مليون ونصف دراجة”.
لسنا بحاجة إلى أرقام دقيقة لندرك فداحة الفوضى التي يشكلها وجود الموتوسيكلات على الطرقات بلا ضوابط فعلية. فهي تحتل الشوارع والأرصفة وتقارع السيارات والمارة وتنتهك كل قوانين السير والسلامة العامة، وفي لحظة تتحوّل إلى أسلحة لجرائم النشل والسرقة والتعدي والاستقواء والإخلال بالأمن مثلما يلاحَظ في الفترة الأخيرة. آخر حملة قامت بها القوى الأمنية لضبط الدراجات كانت في شهر أيار من العام 2024 حين تمت مصادرة مئات الدراجات وتسطير أكثر من 10,000 مخالفة بحقها وجوبهت الحملة وقتها بما عرف بـ “انتفاضة الموتوسيكلات” اعتراضاً على ما سمي بقطع الأرزاق خصوصاً لعمال الـ “ديليفري” وشركات توصيل البضائع، وتحجج المعترضون حينها بأن النافعة مقفلة وتسجيل الآليات غير ممكن.
النافعة “نافعة”
اليوم، النافعة تقوم بعملها لكن أصحاب الدراجات النارية لديهم أكثر من حجة للامتناع عن تسجيل آلياتهم أو حتى الاستحصال على رخصة قيادة كما يقتضي القانون. التسجيل كما يقول أحدهم يكلف للموتوسيكل الصغير حوالى 200 دولار ما بين الرسوم القانونية وعمولة السماسرة الذين يفرضون أتعابهم لقاء تأمين موعد على المنصة كما يقتضي وجود التأمين الإلزامي الذي يبدأ من 25 دولاراً. والسماسرة، كما اشتكى أكثر من صاحب دراجة، يلاحقون المنصة فجراً قبل أن تفتح بشكل رسمي ويحجزون مواعيد يعملون على بيعها لاحقاً. ويتم فتح المنصة لعشر دقائق خصيصاً لهم عند الفجر وإغلاقها في ما بعد.
متى صارت الدراجة شرعية ومسجلة على صاحبها أن يدفع الميكانيك سنوياً ويجدد التأمين الإلزامي وهذا ما تتفاداه الأغلبية الساحقة من أصحاب الموتوسيكلات لا سيما الصغيرة منها كمعظم التي نراها في الشوارع. وحدها المؤسسات والشركات التي تعتمد على عمال توصيل تبادر إلى تسجيل آلياتها وجعلها شرعية.
أما السوريون فلا يحق لهم وفق القانون اقتناء دراجة وتسجيلها في النافعة إلا إذا كانوا يملكون إقامة شرعية أو إذا كان عند أحدهم “حق المجاملة” أي أن تكون والدته لبنانية. لذا فإن معظم عمال الديليفري السوريين يقودون دراجات إما غير مسجلة أو مسجلة باسماء لبنانيين ويقودونها بناء على وكالة. كذلك لا يحق للقصّر تسجيل الدراجة باسمهم فيما تبلغ نسبة من يقتنون موتوسيكلات بين هؤلاء نحو 10 في المئة كما أشار لنا أكثر من مصدر.
سرقات وفوضى
من دون “جميلة” النافعة تنشط عمليات بيع الموتوسيكلات غير المسجلة وحتى المسروقة بين المواطنين شفهياً في معظم الأحيان وبلا وكالة بيع. وتستهدف عمليات البيع المباشر بشكل خاص فئة الشباب دون 18 سنة الذين لا يحق لهم بعد الحصول على رخصة سوق أو تسجيل دراجة باسمهم فيشترونها بأسعار محروقة ما بين 100 و200 دولار لاستخدامها داخل الأحياء، كما تستهدف فئات معينة تقتني الدراجات المسروقة لأغراض جرمية.
و… قبل أن ننهي، ها قد صدر عن السلطات المعنية قرار قضى بمنعِ سير الدراجات النارية ليلاً. فهل نصدق؟ هل نقتنع؟ نحاول أن نقتنع أن لبنان الجديد، القانوني، يولد اليوم. عساه خيراً. فماذا في التفاصيل؟
قرار جديد و… أمل
في جولة مسائية بين شارعي باستور والجميزة تلقينا أكثر من تحذير من قبل اشخاص متواجدين في المكان بوجوب التزامنا الحذر وحمل حقيبتنا على صدرنا والسير بعيداً عن حافة الرصيف لأن الشارع يشهد يومياً عمليات نشل تقوم بها دراجات نارية تفر بغنيمتها من دون أن يتمكن أحد من ردعها أو اللحاق بها.
والجميزة ليست حالة نادرة فالأشرفية بمعظم شوارعها تشهد انفلاتاً أمنياً وتزايداً في عمليات السلب والنشل والاعتداء على المواطنين، الأمر الذي دفع بمحافظ بيروت إلى إصدار قرار يمنع فيه الدراجات النارية من السير في شوارع بيروت من الساعة السابعة مساء حتى الخامسة صباحاً ويُستثنى من هذا القرار العاملون في القطاعات الصحافية والطبية والاستشفائية، إضافة إلى عناصر الشرطة البلدية، والقوى الأمنية، وفوج الإطفاء، والدفاع المدني وكافة الأجهزة العسكرية.
أما الأشخاص الذين يضطرون لاستخدام الدراجات النارية خلال ساعات الليل مثل عمال الديليفري، فعليهم تقديم إثبات أو إفادة رسمية للحصول على ترخيص خاص من المحافظة. وقد أعطى المحافظ مهلة 15 يوماً قبل بدء سريان القرار إتاحة لسائقي الدراجات لتنظيم أوضاعهم. ويبدو أن مدينة طرابلس متجهة للعمل بقرار مشابه.
ثغرة في الجمارك
ثغرة في قانون الجمارك استفاد منها مستوردو الدراجات النارية ليدخلوا الدراجات المستعملة المستوردة من الصين أو اليابان إلى لبنان. فقانون الجمارك كما شرحه لنا أحد أصحاب مكاتب تخليص البضائع ينص على منع استيراد الدراجات المستعملة إذا كان عمرها يزيد عن ثلاث سنوات أو يجب أن يكون “كيلومتراجها” صفراً أي لم توضع في السير بعد. لكن المستوردين يقومون بالتحايل على القانون والعمل على ” تصفير” الكيلومتراج في بلد المنشأ للسماح للدراجات المستعملة بدخول لبنان على أنها جديدة مهما كان عمرها وهم يسابقون الوقت قبل أن يتم تعديل القانون أو التنبه إلى ثغراته لا سيما أن سوق الدراجات المستعملة ناشط جداً ومطلوب.
لكن على الرغم من هذه الثغرة يبقى دور الجمارك محورياً لضبط أوضاع الدراجات النارية إذ لا يمكن استيراد الدراجات إلا من قبل مؤسسات تتعاطى تجارة الدراجات النارية وتملك سجلاً تجارياً.
ويفرض القانون عليها حوالى 20 في المئة ضرائب على كل دراجة مستوردة من أصل سعرها. حين يتم إخراج الدراجة من الجمارك يحصل التاجر على شهادة جمركية بكل مواصفات الدراجة لا سيما رقم الشاسي الذي لا يمكن تغييره. وبناء على هذه الشهادة وعلى بوليصة الشحن وفاتورة الجمارك يمكن تسجيل الدراجة في النافعة. لذا فإن أي دراجة تقوم بعمل مخل بالقانون يمكن تتبعها من خلال رقم الشاسي ومعرفة مصدرها والتاجر الذي استوردها وأين بيعت. ولدى الجمارك سجلات موثقة بكل الدراجات المستوردة وأرقام هياكلها منذ عشرين عاماً حتى اليوم. والجدير ذكره أن كبار مستوردي الدراجات هم إما من مدينة طرابلس أو من الضاحية الجنوبية.
بهلونيات على عينك يا دولة
” الموتوسيكل” رمز للرجولة في بعض المجتمعات فما إن يبلغ الصبي الرابعة عشرة من عمره أو يصل إلى صف البريفه حتى يسارع إلى اقتناء واحدة يتباهى بها بين الرفاق ويشارك في البهلوانيات التي تقام في الحي ليلاً. والأعمال البهلوانية لها، بحسب أحد الشبان “حلباتها المعروفة قرب الكوستا برافا في خلدة وعلى طريق الناعمة والرملة البيضا. أما ليلاً فيتحول أوتوستراد الأسد من السفارة الكويتية إلى المطار إلى حلبات سباق للدراجات الصغيرة والكبيرة مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر وضجيج وإقلاق راحة للسكان والعابرين”.
أما أوتوستراد الجنوب فبات جلجلة حقيقية لمن يسلكونه لا بسبب المسيّرات الإسرائيلية بل بسبب أرتال الموتوسيكلات التي تعبر عكس السير أو تقطع الأوتوستراد بالعرض أو تزاحم السيارات من كل جهة ويقوم سائقوها ببهلوانيات مخيفة واستعراضات خطرة وسط الطريق معرضين سلامتهم وسلامة المارين للخطر. وقد تفاقمت فوضى الموتوسيكلات وأعمالها المخلة بالأمن في الجنوب إلى حد طلبت فيه محافظة الجنوب بالإنابة هويدا الترك من قيادة الأمن الداخلي في الجنوب التشدد في تطبيق قوانين سير الدراجات النارية على خلفية الفوضى العارمة التي تسود في شوارع صيدا والتي أدت إلى دهس العميد السابق لكلية الإعلام في الجامعة اللبنانية محمد أسعد النادري وإصابته بجروح خطرة من قبل سائق دراجة أرعن.
سارقون بالاسم والصورة
بين الرابعة والسادسة فجراً، تنشط عمليات سرقة الموتوسيكلات من الأحياء السكنية لا سيما في المتن وبعبدا كما في بيروت. السارقون معروفون كما أكّد لنا أحد أصحاب محلات بيع الدراجات موثقاً كلامه بصور بعض السارقين وهم يعملون ضمن عصابات ناشطة جداً. يستهدفون الدراجات الكبيرة ويحملونها في بيك آب أو فان يرافقهم، فيما يعمدون إلى كسر قفل الدراجات الصغيرة وتشغيلها بربط الشرائط الكهربائية وقيادتها بعيداً إما نحو المخيمات الفلسطينية أو بعض المناطق “المقفلة” مثل فنار الزعيترية أو أحياء الليلكي في الضاحية. ويروي صاحب المحل أن رجال الدرك يعرفون ممتهني سرقة الدراجات بالأسماء والوجوه لكنهم غير قادرين على ملاحقتهم حيث هم . والأسوأ من ذلك أن من سرقت منه دراجة ويود استعادتها عليه أن يدفع للسارقين وقد يسرق منه المبلغ عند وصوله إلى المكان المحدد كما حدث مرات عدة.