التهريب التجاري عبر الحدود مضبوط من الجانب اللبناني
كتبت باتريسيا جلاد في نداء الوطن : التهريب ثمّ التهريب، أصل “البلا” الأمني والاقتصادي في لبنان. ألحق خسائر مادية كبيرة بالدولة لناحية العائدات نتيجة سيطرة “حزب الله” على المعابر واعتماد وسائل غير شرعية لتهريب الأسلحة إلى الداخل اللبناني والبضائع والسلع والمحروقات والقمح إلى سوريا، خصوصاً خلال فترة دعم الحكومة للمنتجات من جيب المودع الفقير ومن حجم ودائعه العالقة في المصارف. اليوم بعد إضعاف إسرائيل “حزب الله” وسقوط نظام الأسد تغيّرت المشهدية وتسلّم الأمن العام والجيش زمام الأمور من دون لا تهديد ولا وعيد، ما يؤشّر إلى أن الحدود ضبطت إلى حدّ ما أقلّه تجارياً.
“ماذا سأشتغل في سوريا؟ لديّ طفلان وسأحضر عائلتي قريباً إلى لبنان. أعلى راتب في دوائر الدولة 50 دولاراً، وفي القطاع الخاص 150 دولاراً للسوري “الفحل”. قال العامل السوري لـ “نداء الوطن” الذي دخل إلى لبنان قبل انهيار النظام مثل مئات السوريين بطريقة غير شرعية. لذلك لن يعود إلى سوريا إلا إذا تحسّن الوضع الاقتصادي وارتفعت قيمة الرواتب في سوريا. فهو يتقاضى 300 دولار في محل الخضار الذي يعمل فيه في لبنان فيما شقيقه يتقاضى 400 دولار، أما أحد اقربائه فيحصل على 800 دولار شهرياً إذ يعمل شيف مطبخ في أحد المطاعم الصينية. وبذلك يكون الراتب الوسطي للسوري نحو 400 دولار شهرياً في لبنان ويعتبر بالراتب الجيّد جدّاً ويضاهي راتب اللبناني حامل الشهادات. أما بالنسبة إلى الليرة السورية التي انهارت فبدأت تتحسّن بعد انهيار النظام وأسعار السلع بدأت تنخفض إلى النصف.
يعتبر هذا العامل السوري واحداً من آلاف العمال السوريين الموجودين في لبنان، الذين “هربوا” إلى وطن الأرز طمعاً بالعمل. فالنازحون السوريون الذين اجتازوا سابقاً المعابر البريّة ينقسمون إلى نوعين : النازح الاقتصادي والنازح السياسي. بالنسبة إلى النازح الاقتصادي، فهو يأتي لكسب المال، لأن الدخل في سوريا متدنّ جداً نسبة إلى لبنان فيما كلفة المعيشة مرتفعة نسبة إلى الدخل. فراتب عنصر الجيش السوري يبلغ نحو 20 دولاراً شهرياً وهو رقم متدنّ جدّاً، أما سائر الوظائف فتكون بقيمة 30 أو 40 دولاراً شهرياً. من هنا، كيفما دارت الأمور، العمل في لبنان أفضل. أما النازح السياسي فيلجأ إلى بيروت هرباً من التجنيد على سبيل المثال وطمعاً بمساعدات مفوّضية الأمم المتّحدة لكل فرد فيستوطن في لبنان ويكوّن عائلة.
اليوم بعد سقوط “نظام الأسد الوحش”، النازح السياسي، كما أوضح العميد المتقاعد جورج نادر لـ “نداء الوطن”، سيعود حكماً لأن السبب الذي جعله يأتي إلى لبنان انتفى، على عكس النازح الاقتصادي الذي يترتّب تنظيم عملية دخوله إلى لبنان وضبطها لتتلاءم مع حاجة السوق اللبنانية للعمالة السورية، وذلك لعدم قطع الأرزاق على اللبنانيين، علماً أنه بات لدى السوريين مصالح وأشغال في لبنان، لذلك التعويل على وجود حكم “واعٍ” في سوريا. مشيراً إلى أن “نفوذ “حزب الله” لم يعد مفروضاً على الحدود من الجانب اللبناني، ونفوذ نظام الأسد لم يعد قائماً أيضاً من الجانب السوري”.
الحدود مضبوطة 80%
استناداً إلى العميد نادر “لا يمكن ضبط الحدود بنسبة 100%، حالياً تمّ ضبط المعابر الشرعية الموجودة على الحدود بين لبنان وسوريا من الجانب اللبناني بنسبة 80% تجارياً أو “سلعياً”. أما المعابر غير الشرعية فمن الصعب ضبطها حالياً، كونها غير محمية لا من الجانب اللبناني ولا من الجانب السوري. وفي المقابل لا توجد قوّة على تلك المعابر غير الشرعية تحمي المهرّبين أكان من جانب النظام السوري على الحدود السورية أو من جانب “حزب الله” على الحدود اللبنانية، ومن المرتقب أن يسجّل التهريب عبرها تراجعاً تتعدّى نسبته الـ 50 في المئة”.
بالنسبة إلى المحروقات والطحين التي يتمّ غالباً تصديرها إلى سوريا، فإن الشاحنات التي تحملها تعبر الحدود، إلا أن عددها تراجع بعد سقوط النظام ليلة السبت – الأحد الماضي ومن المفترض، استناداً إلى العميد نادر، أن تنتهي. فطالما أن راعي التهريب وهو “حزب الله” من الجانب اللبناني، لم يعد له وجود على الحدود والضبط متشدّد من قبل الجيش اللبناني والأمن العام، خصوصاً على المعابر الشرعية، فإن التهريب سيتقلّص.
أما بالنسبة إلى تهريب الأشخاص والدخول خلسة قال العميد نادر إنه “سيزيد أقلّه حالياً بسبب عدم وجود أي رادع من الجانب السوري، وليس هناك لا أمن ولا جيش، والفوضى ستزيد من جهة سوريا، علماً أن الجيش السوري لم يدخل في المعركة الأخيرة ولم يجابه الثوّار، والمفروض أن تتمّ المحافظة عليه وأن يقوم بدوره في مسك زمام الأمور. يبقى التعويل حالياً على التشدّد من الجانب اللبناني على الحدود”.
التهريب غير الشرعي 60% من الاقتصاد
وكان التهريب والتهرّب أي الاقتصاد غير الشرعي يشكّل نسبة 60% من الاقتصاد اللبناني قبل الحرب. بالنسبة إلى القطاع الصناعي يقول نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش لـ “نداء الوطن”، إنه لم يكن هناك تهريب في المنتجات المصنوعة في لبنان لسببين: أولاً، كلفة الصناعة الوطنية في سوريا هي أقلّ من كلفة الصناعة اللبنانية نظراً إلى كلفة العمالة المتدنية في سوريا. ثانياً، تدنّي قيمة العملة السورية هو أقلّ من تدنّي العملة اللبنانية. آملاً أن يتوقف التهريب على صعيد المعابر الشرعية وغير الشرعية .
ورأى بكداش أن “المطلوب من الدولة، تفعيل الرقابة وتشديدها على الحدود من خلال استحداث كاميرات على المعابر الشرعية. أما في المعابر غير الشرعية فيمكن زرع ألغام على حدودها كي لا يصار إلى تهريب البشر والسلع وتشغيل الكاميرات الموجودة .
لا بد من الإشارة إلى أنه يوجد في لبنان 6 معابر شرعية وهي: معبر المصنع بين بلدة جديدة يابوس بريف دمشق والمصنع في البقاع. معبر الدبوسية يربط بين قريتي العبودية اللبنانية والدبوسية السورية. معبر جوسية وهو بوابة بين البقاع الشمالي اللبناني وريف حمص. معبر تلكلخ ويفصل تلكلخ السورية عن وادي خالد في لبنان. معبر العريضة ويشهد حركة اقتصادية بين طرابلس اللبنانية وطرطوس السورية. والمعبر السادس مطربا بين منطقة القيصر بريف حمص والهرمل في لبنان. أما المعابر غير الشرعية فيبلغ عددها نحو 124 وحتى أكثر. فظاهرة التهريب تهدّد اقتصاد البلد وتساهم في عجز المالية العامة وتقليص الواردات. وباعتراف الجميع إن التهريب أبرز علامات تحلّل الدولة في القيام بواجبها، وهي كانت عاجزة سياسياً عن اتّخاذ “خطوات حقيقية” في اتجاه ضبطها.
تهريب البضائع السورية
برزت مساوئ التهريب التجاري والتهرّب التي نشطت مع اندلاع الحرب في سوريا في العام 2011، في كساد المنتج اللبناني بعد دخول السلع السورية المنافسة للإنتاج اللبناني إلى لبنان. فالحدود تمتدّ على مساحة بطول نحو 375 كيلومتراً فضلاً عن تداخلها في كثير من المواقع، لا سيما في البقاع. السلع السورية المنافسة كانت تغرق السوق اللبناني من الدجاج والبيض واللحوم والسكاكر والفواكه (كرز ومشمش وتفاح…) والخضروات (بطاطا، بصل قرنبيط بندورة…) والدخان والملبوسات .
فالتجار السوريون باتوا مع تفاقم الفقر والعوز وارتفاع سعر صرف الليرة السورية خلال سنوات الحرب قبل انهيار النظام السوري، يحتاجون إلى الدولار فيلجأون إلى تصريف إنتاجهم في لبنان بعدما أغلقت أسواق عربية ودولية عدة أبوابها أمام البضائع السورية بسبب الحرب، وذلك بالتوازي مع “ضعف” السلطات اللبنانية في ضبط الحدود البرية ومكافحة التهريب”.
ماذا عن وسائل تهريب السلع التي كانت تسرح خروجاً من لبنان “أيام الدعم”؟
… ومن لبنان إلى سوريا
لا توجد أرقام دقيقة عن كلفة التهريب من لبنان إلى سوريا التي قدّرت مع كلفة النزوح في لبنان بقيمة تتراوح بين 4 و6 مليارات دولار خصوصاً بعد اندلاع الأزمة المالية في لبنان واعتماد سياسة الدعم من الحكومة ومصرف لبنان، من أصل كلّ 100 دولار كانت تصرف على الدعم كان لبنان يخسر 40 دولاراً في التسرّب والتهريب.
فإذا عدنا بالذاكرة إلى السنوات الثلاث الماضية التي تلت انطلاق شرارة الأزمة المالية في لبنان سنة 2019 ، يتبيّن أن كلفة تهريب المحروقات وحدها من لبنان إلى سوريا، على سبيل المثال، قدّرتها “الدولية للمعلومات” بقيمة 235 مليون دولار سنوياً، لأن صفيحة البنزين المدعومة وقتها كانت بقيمة نحو 10 دولارات في لبنان في حين أنها كانت 40 دولاراً في سوريا.
قبل انهيار نظام الأسد، كان يتمّ تهريب البضائع التي ثمنها في لبنان “أرخص” مما هي عليه في سوريا، مثل البرغل والزيت والحطب، في المقابل كان يهرّب من سوريا إلى لبنان المازوت لأن سعره أقل من سعر المازوت اللبناني، ويستعمل للتدفئة لأنه أقل جودة.
ضبط المعابر يعزّز الإيرادات
انطلاقاً من كل تلك المعطيات، حان الوقت مع التغييرات التي تشهدها المنطقة وتحديداً في لبنان وسوريا والآمال المعلّقة على مستقبل أفضل، ضبط المعابر كافّة وخصوصاً البريّة، هكذا تزيد إيرادات الدولة في وقت هي بأمس الحاجة إليها في موازنة 2025 المرتقب أن تنخفض وارداتها إلى النصف بعيد حرب إسرائيلية شاملة على “حزب الله” دامت شهرين.
وبدلاً من إثقال كاهل المواطنين بالضرائب والرسوم لتعزيز واردات الدولة و”توسّل” مصرف لبنان إيجاد الطرق لمدّ الدولة بالدولارات وفتح باب التسليفات بشكل مخالف للقانون، هناك فرصة لضبط التهريب والتهرّب من الرسوم الجمركية على الحدود، فهل ستتم الإفادة منها، أم ستُهدر كسواها من عشرات الفرص المهدورة؟