من كنفاني إلى فردان.. عمليات دموية قام بها الموساد في لبنان بعضُها لا يصدّق
يصادف 13 كانون الأول، ذكرى تأسيس واحد من أهم المؤسسات الاستخباراتية الإسرائيلية لا بل العالمية، الموساد الإسرائيلي، أو ما يعرف بالمعهد المركزي للاستخبارات والعمليات الخاصة، وهو واحد من بين أهم وأكبر 3 أجهزة في إسرائيل، إذ يعمل إلى جانب جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، وجهاز الأمن الداخلي. منذ اننشاء هذه المؤسسة، والتي أتت كخليفة للذراع الاستخباراتية الهاجاناه (القوة العسكرية اليهودية في فلسطين خلال فترة الانتداب)، كان الهدف الأول والأخير للموساد القيام بجمع المعلومات الاستخباراتية الاجنبية وتحليلها، بالاضافة إلى تجهيز العمليات السرية والقيام بتنفيذها بدقة متناهية.
البدايات
لم تكن بدايات الموساد سهلة كما يعتقد الكثيرون، نظرًا إلى خطورة مهامه ونجاحه في تنفيذ معظم عملياته، إذ أعاقت الصراعات البيروقراطية تأسيس الوكالة في أيامها الأولى، حيث احتاج المسؤولون أكثر من عام لتجهيز هذا الجسم الأمني، وبعد سنوات قليلة من إنشائها، واجهت الوكالة إخفاقات ذريعة، أبرزها الكشف عن مجموعة تجسس إسرائيلية في بغداد عام 1951، حيث تم اعتقال الضباط الاستخباراتيين آنذاك، إلى أنّ بدأت الوكالة تثبّت أقدامها على الأرض عام 1952، حيث استلمها في ذلك العام “كان إيسر هاريل”، وهو كان قد شغل سابقا منصب رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، الذي يعتبر من أهم 3 أجهزة أمنية إسرائيلية، ومنذ ذلك الوقت تمكن هاريل من تطوير الوكالة إلى حين جعلها على مستوى عالٍ من الاحترافية، وظل على رأسها 11 عامًا، تمكنت خلالها الوكالة من تنفيذ العديد من العمليات خارج الحدود الإسرائيلية، ولعلّ أبرز عملية قامت بها الوكالة خلال عهد هاريل هي القبض على أحد كبار القادة النازيين السابق، وهو أدولف آيخمان، حيث تبعته وكالة الموساد إلى الأرجنتين بعد أن فرّ من العدالة الاميركية التي اتهمته بعمليات إبادة. ألقت المخابرات الاسرائيلية القبض عليه بالقرب من بوينس آيرس في 11 أيار 1960، وبعد 9 أيام، قاموا بتهريبه خارج الأرجنتين ونقلوه إلى إسرائيل، وتم ترتيب محاكمة خاصة له في إسرائيل كانت مكونة في 3 قضاة في القدس. وبعد جلسات وجلسات حُكم عليه بالإعدام، وهو الحكم الوحيد الذي أصدرته إسرائيل على الإطلاق، وقد أُعدم شنقًا في 31 أيار 1962.
منذ ذلك الوقت، أدرك الموساد أنّ تجنيد “عملاء” بات ضرورة، ولعل الاجتياحات التي طالت بيروت، والتي كان الهدف منها ملاحقة الحزبيين والسياسيين الفلسطينيين أكبر دليل على ذلك، إذ على الرغم من تطوّر هذا الجهاز إلا أنّ تنفيذ عمليات الاغتيال من دون الإستعانة بأحد على الأرض هو أمر صعب جدًا، ولعل العملاء الذين كشف عنهم حزب الله والدولة اللبنانية منذ عام 2006 خير دليل على ذلك.
كنفاني البداية
وللمفارقة، تجلّت أولى عمليات الموساد في لبنان باستهدافٍ طال الأديب الفلسطيني غسان كنفاني على طريق الحازمية، إذ بعد أن صعدت ابنة شقيقته بالسيارة وشغّل الأخير المحرك انفجرت بهما، ولم يعثر عليهم إلا أشلاء. وفي عام 2005، أي بعد مرور 33 عاما على تنفيذ الجريمة التي وقعت في 8 تموز 1972 صباحا، اعترفت إسرائيل بمسؤوليتها عن العملية ، وقالت أن عناصر من جهاز الموساد زرعوا عبوة ناسفة في سيارة كنفاني.
“عملية فردان”
أشهر معدودة استأنفت بعدها إسرائيل عبر جهاز الموساد العمليات في الداخل، إذ في 10 نيسان 1973 نفّذ الموساد تحت قيادة فريق استخباراتي يدعى “غيدرون” “عملية فردان”، إذ تمكن الفريق الاسرائيلي آنذاك من اغتيال 3 قادة من المقاومة الفلسطينية وهم: كمال عدوان، كمال ناصر، وأبو يوسف النجار، ومن بين العملاء كان إيهود باراك الذي توجّه معهم إلى بيروت متنكرين بزيّ مدني وقامت مجموعة مرافقة لهم بتفجير مقر الجبهة الديمقراطية في حي الفاكهاني، حيث انتقلوا بعدها إلى طرابلس للتخطيط لعملية مماثلة، وآنذاك أدّت هذه العملية إلى استقالة الحكومة اللبنانية التي كان يرأسها صائب سلام. ولم تكن حصيلة تلك العملية فقط 3 قادة فلسطينيين، إذ سقط إلى جانبهم لبنانيون وفلسطينيون وعناصر أمنية لبنانية بالاضافة إلى امرأة إيطالية مسنة.
الأمير الأحمر
علي حسن سلامة، الأمير الأحمر، كان أيضا ضحية الموساد الذي خطّط عناصره بدقة وصعوبة لاستهدافه. كان سلامة الثري والوسيم، والذي أوقع ملكة جمال الكون جورجينا رزق في شباكه، واحدًا من أهم المطلوبين لإسرائيل إذ وصفته رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير بالوحش، وأمرت باغتياله بعد أن أذاق إسرائيل الويلات، ولإتمام عملية الاغتيال، جنّد الموساد البريطانية ذات الأصول اليهودية إيريكا تشامبرز التي خضعت لعملية تجميل من أجل إخفاء مظهرها الحقيقي، والتي بدورها استطاعت التنكر والتقرب من سلامة ومعرفة تفاصيل تحركاته، لتقوم في 22 كانون الثاني 1979 بتفجير سيارة كانت مركونة بالقرب من طريق مرور سيارته في بيروت، الأمر الذي أدى إلى مقتله مع حراسه الأربعة، إلى جانب مقتل أربعة من المارة.
حسّان اللقيس: نوع جديد من الاستهداف
على الرغم من عدم الاعتراف الاسرائيلي، فإنّ قيادة حزب الله اتهمت وبشكل واضح الموساد الإسرائيلي باغتيال القيادي حسّان هولو اللقيس، والذي كان مقربا من الأمين العام السابق للحزب حسن نصرالله. ففي عام 2013 وأمام منزله الكائن في السان تيريز في منطقة الحدث، لقى اللقيس حتفه خلال عودته من عمله بعد أن أصابت رصاصات رأسه وعنقه تم إطلاقها من قبل عملاء للموساد من مسافة لا تتجاوز المترين. وشكّلت عملية الاغتيال هذه منعطفًا في عمليات الموساد داخل لبنان التي تحولت من التفجير إلى القتل بكاتم الصوت، بعد آخر عملية اغتيال تمت بإطلاق النار والتي راح ضحيتها إمام بلدة جبشيت الشيخ راغب حرب عام 1984. ولعلّ عملية اغتيال محمد سرور من أبرز العمليات الاخيرة خارج نطاق حرب حزب الله و إسرائيل الاخيرة، حيث استفاقت بلدة الماري على عملية اغتيال سرور، ورجحت المعلومات ان فرقة مؤلفة من 4 أشخاص بينهم امرأة هي التي قامت بعملية التصفية.
الهجرة السرية لليهود المغاربة
بعد استقلال المغرب عام 1956، مُنح اليهود الجنسية الكاملة، لكن الهجرة كانت محظورة حتى عام 1961. بعدها، نظّم الموساد “عملية الجدارية”، التي نُقل خلالها 530 طفلًا يهوديًا من المغرب إلى إسرائيل تحت ستار إنساني، قبل أن تُكشف العملية وتُوقف.
لاحقًا، أُطلقت “عملية ياكين” بين 1961 و1964، لتسهيل هجرة حوالي 100 ألف يهودي مغربي، مقابل تسوية مالية دفعتها إسرائيل للمغرب. استقر معظمهم في إسرائيل، بينما توجه البعض إلى فرنسا وكندا والولايات المتحدة.
عملية ديموقليس: حرب الموساد ضد العلماء النازيين في مصر
في تموز 1962، أثار إعلان جمال عبد الناصر عن نجاح تجارب صاروخية قادرة على ضرب إسرائيل قلقًا كبيرًا لدى القيادة الإسرائيلية، خاصة بعد اكتشاف أن العلماء الألمان الذين طوروا صواريخ V1 وV2 النازية كانوا وراء المشروع.
كلف رئيس الوزراء الإسرائيلي بن غوريون الموساد بوقف هذا البرنامج في عملية أطلق عليها “ديموقليس”. اعتمدت العملية على عدة أساليب، منها تهديد العلماء وترهيبهم، وإبلاغ ألمانيا الغربية بأسمائهم لإعادتهم، أو حتى استخدام العنف عند الضرورة.
شهدت العملية حوادث بارزة، مثل اغتيال هاينز كروج، الذي مول المشروع، على يد أوتو سكورزيني، أحد ضباط الأمن النازيين السابقين، الذي جنّده الموساد في صفقة مثيرة للجدل.
ورغم تعرض الموساد لانتكاسات، كاعتقال بعض عملائه، إلا أن العملية أفضت إلى تعطيل برنامج الصواريخ المصري واحتواء تهديده.
إيلي كوهين: الجاسوس الإسرائيلي الذي اخترق قلب النظام السوري
في ستينيات القرن العشرين، واجهت إسرائيل تهديدًا متزايدًا من سوريا، حيث كانت المدافع المتمركزة في مرتفعات الجولان تهدد مجتمعاتها الشمالية، إلى جانب تحالفات سوريا مع الدول العربية الأخرى. لمواجهة هذا الخطر، قرر الموساد تجنيد جاسوس يخترق الدوائر السورية العليا، فوجد ضالته في إيلي كوهين.
وُلد كوهين في مصر لعائلة يهودية سورية، وكان ناشطًا صهيونيًا قبل طرده إلى إسرائيل في 1957. رغم رفضه مرتين للانضمام إلى المخابرات الإسرائيلية، أُعيد النظر فيه في عام 1960، ليصبح أحد أهم جواسيس إسرائيل.
تحت هوية رجل الأعمال “كمال أمين ثابت”، انتقل كوهين إلى الأرجنتين حيث بنى شبكة علاقات مع المهاجرين السوريين والدبلوماسيين. ومع انتقاله إلى سوريا عام 1962، استطاع الوصول إلى أعلى مستويات المجتمع، ليصبح مقربًا من كبار المسؤولين، وحتى مرشحًا لمنصب نائب وزير الدفاع.
كان نشاط كوهين التجسسي نقطة تحول، حيث أمد إسرائيل بمعلومات حيوية عن التطورات العسكرية والسياسية السورية، مما أثر بشكل كبير على توازن القوى في المنطقة.
عملية الماس: سرقة الموساد لطائرة ميج-21 السوفييتية
في أوج الحرب الباردة، كانت طائرة ميج-21 السوفييتية المتطورة محط اهتمام كبير لإسرائيل والولايات المتحدة. حاول الموساد في البداية إقناع طيارين مصريين وعراقيين بتسليم الطائرة، لكن محاولاته باءت بالفشل.
في عام 1964، تلقى الموساد معلومة عن طيار ماروني في القوات الجوية العراقية يُدعى منير رضا، أبدى استياءً من ظروفه المهنية. بعد مفاوضات دقيقة، وافق رضا على الهروب بطائرته في مقابل ضمانات تشمل الجنسية الإسرائيلية، المال، ووظيفة دائمة له ولأسرته.
في 16 آب 1966، انطلق رضا بطائرته من العراق إلى إسرائيل، متجنبًا الرادارات. بالتوازي، هربت فرق الموساد عائلته إلى إيران ومنها إلى إسرائيل.
الطائرة، التي أطلق عليها الرقم “007” تكريمًا لجيمس بوند، أُرسلت لاحقًا إلى الولايات المتحدة لتحليل تقنيتها، لتصبح أحد أهم إنجازات الموساد في جمع المعلومات العسكرية خلال تلك الحقبة.