الجيش السوري يعلن إعادة انتشاره في درعا والسويداء
أعلن الجيش السوري، اليوم السبت، عن بدء تنفيذ عملية إعادة انتشار لقواته في محافظتي درعا والسويداء في الجنوب السوري، وذلك في خطوة تأتي في إطار الرد على التصعيد الميداني الذي شهدته المناطق الجنوبية خلال الأيام الأخيرة.
وقال الجيش في بيان رسمي إن هذا التحرك يأتي في ظل “محاولات لإشغال قواتنا عن العمليات القتالية في حماة وحمص”، مشيرًا إلى أن “الهجمات التي نفذتها العناصر الإرهابية على حواجز الجيش تهدف إلى صرف انتباه قواتنا عن معركة استعادة الأراضي في وسط البلاد”.
وذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن القيادة العامة للجيش السوري أكدت أن القوات العاملة في درعا والسويداء “قامت بتنفيذ إعادة تموضع شامل وتأسيس طوق دفاعي وأمني قوي، يهدف إلى تعزيز الثبات الأمني في المنطقة”.
وأضاف البيان أن هذه الإجراءات تأتي في إطار استراتيجية لمواجهة تهديدات الفصائل المسلحة التي تحاول زعزعة الاستقرار في المناطق الجنوبية، كما أكدت القيادة العامة على أنها “ستواصل مواجهة الإرهاب بكل حزم وقوة”.
في تطور ميداني لافت، أعلنت فصائل سورية مسلحة، فجر السبت، سيطرتها على مدينة درعا بالكامل، بعد سلسلة من الهجمات المفاجئة على نقاط الجيش السوري المنتشرة في المدينة ومحيطها. وقد تمكّن المسلحون من التقدم في عدة مناطق من بينها بلدة بصر الحرير، ومدينة نوى، ومدينة إنخل، وبلدة محجة، بعد انسحاب قوات الجيش من العديد من الحواجز والمقرات العسكرية هناك.
وأفادت مصادر ميدانية بأن الفصائل المسلحة استولت على العديد من النقاط الاستراتيجية في المدينة، ما أدى إلى انهيار الدفاعات السورية في بعض المواقع الحيوية. ودعت الفصائل في بيان لها عناصر الجيش السوري وأجهزته الأمنية في محافظة درعا إلى “الانشقاق الفوري”، معتبرة أن الوضع الراهن يشكل فرصة تاريخية للتخلص من “النظام الاستبدادي” كما وصفته.
في سياق متصل، تمكنت تنظيمات مسلحة محلية من السيطرة على عدد من المواقع الاستراتيجية في مدينة السويداء، يوم الجمعة. وكان من أبرز الإنجازات السيطرة على مبنى قيادة الشرطة في المدينة، بالإضافة إلى السيطرة على السجن المركزي حيث تم إطلاق سراح جميع السجناء المحتجزين. وأشار مراسل “سكاي نيوز عربية” إلى أن هذه السيطرة قد تزيد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة، حيث تعتبر السويداء منطقة حساسة ذات أهمية كبيرة في الصراع المستمر.
وتكتسب هذه التطورات أهمية خاصة في ضوء التطورات الميدانية في الجنوب، حيث يُنظر إلى سيطرة الفصائل على درعا والسويداء على أنها خطوة كبيرة نحو تفعيل استراتيجية استهداف العاصمة دمشق. وهو ما أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحات سابقة حول “اقتراب الفصائل من دمشق” وتهديدها المباشر للعاصمة.
وكان الجيش السوري قد أعلن، الخميس 6 كانون الاول، عن انسحابه من مدينة حماة بعد دخول الفصائل المسلحة إليها. وأكدت وزارة الدفاع السورية في بيان رسمي أن “وحدات الجيش قامت بإعادة الانتشار والتموضع خارج المدينة”، مشيرة إلى أن القوات السورية ستواصل جهودها لاستعادة المناطق التي دخلتها الفصائل المسلحة. وأضاف البيان أن القوات السورية ستظل ملتزمة بأداء واجبها الوطني في مواجهة “التنظيمات الإرهابية” التي تهدد استقرار البلاد.
كما أشار بيان الجيش إلى أن عمليات إعادة الانتشار تهدف إلى تعزيز الحضور العسكري في المناطق التي تشهد عمليات معقدة ضد الجماعات المسلحة في شمال وغرب سوريا، وخاصة في مناطق حمص وحماة. ورغم الانسحاب، أكدت وزارة الدفاع أن الجيش السوري سيواصل قتال الإرهابيين في المنطقة، مضيفة أن العمليات العسكرية ستستمر بهدف القضاء على آخر بؤر التنظيمات المسلحة في وسط سوريا.
إن التصعيد الأخير في درعا والسويداء يأتي في وقت حساس من الحرب السورية المستمرة، حيث يضع الجيش السوري تحت ضغط متزايد في مناطق الجنوب، التي تشكل نقطة استراتيجية هامة في الصراع. السيطرة على هذه المناطق، لا سيما درعا، قد تمنح الفصائل المسلحة فرصة مهمة لإضعاف النظام السوري في قلب سوريا، بما يفتح الطريق نحو دمشق التي تعد الهدف الرئيس للفصائل المعارضة.
ويرى المحللون أن هذا التصعيد العسكري في الجنوب السوري يعكس تحولًا في مجريات الصراع، خاصة في ظل تحركات الفصائل المسلحة التي باتت تقترب من أهم المناطق الحكومية في دمشق. كما تطرح هذه الأحداث تساؤلات حول مدى قدرة الجيش السوري على الحفاظ على قبضته على الجنوب في ظل دعم مستمر من حلفائه الإيرانيين و”حزب الله” اللبناني، الذي يتواجد في مناطق عدة من الجنوب السوري.
في المقابل، يعكس الانسحاب العسكري من حماة وحمص توجيه الجيش السوري مزيدًا من التركيز على المناطق الجنوبية في محاولة لتأمين المناطق الحدودية والحفاظ على خطوط الاتصال الحيوية مع الأردن وفلسطين المحتلة.
منذ بداية النزاع في سوريا عام 2011، سيطر الجيش السوري على معظم المناطق الرئيسية في البلاد، لكن الحرب ما زالت تشهد فصولاً من التصعيد العسكري والاشتباكات بين مختلف الأطراف، بما في ذلك القوات السورية، الفصائل المسلحة، والتنظيمات الإرهابية. ورغم الدعم الدولي الذي يتلقاه النظام السوري من روسيا وإيران، إلا أن المناطق الجنوبية والشرقية لا تزال تشهد مقاومة شرسة من قبل الفصائل المسلحة، ما يعكس تعقيدات الحرب السورية المستمرة.
إن تصاعد العمليات العسكرية في درعا والسويداء يعكس التحولات الميدانية التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على مجريات الحرب في سوريا، بينما تظل العاصمة دمشق في مرمى الهجمات العسكرية المحتملة.