التفاوض بالإغتيالات… 3 أيام من التصعيد الشامل
سلّم “حزب الله” مساء أمس الأحد ملاحظاته على “مسودة وقف إطلاق النار” التي سبق أن سلّمتها السفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري. ويتوقع أن الملاحظات جاءت إيجابية، وأن الرئيس بري قام بمراجعتها، وسيقوم بإبلاغ السفارة الأميركية بأن المسودة باتت جاهزة، في موعد أقصاه اليوم الإثنين طبقاً للمهلة التي وضعها بنفسه، من ثم تقوم السفارة الأميركية بإبلاغ إدارتها بالمستجدات. على هذا الأساس، من المفترض أن يمنح المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين المتواجد في العاصمة الفرنسية باريس، إشعاراً بالتحرّك فوراً صوب بيروت، حيث من المتوقع أن يصل العاصمة اللبنانية مساء اليوم (أو غداً الثلاثاء على أبعد تقدير)، ويتسلم المسودة من الرئيس بري.
وبعدما يطلع عليها يتوجّه بها، في موعد أقصاه نهار الأربعاء المقبل، إلى تل أبيب لإطلاع الحكومة الإسرائيلية على ما لديه، وبموجب الرد الإسرائيلي سوف تبنى التطورات. فإما يبقى هوكشتاين في المنطقة لمزيد من المشاورات، أو يتوجّه إلى باريس بانتظار انتهاء موجة أخرى من الضغوطات العسكرية والتدخل الأميركي لدفع السلطة السياسية اللبنانية إلى تقديم مزيد من التنازلات.
غير أن ما حدث، خالف كل الأجواء، وكان على شكل اتخاذ دولة الإحتلال قراراً باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب الحاج محمد عفيف في غارة استهدفت مكان تواجده في عمق العاصمة بيروت، علماً أن الرجل ليس ناشطاً في الهيكلية العسكرية للحزب إنما السياسية، ويعتبر صحافياً إلى جانب كونه مسؤولاً إعلامياً عنه. لكن ما جرى أن قام العدو باستهدافه في سيناريو لا يختلف كثيراً عن تصرّفات بنيامين نتنياهو التقليدية، ساعة يجد أن المفاوضات تتقدّم دون أن تمنحه ما يرغب به، أو أنه يسعى إلى المزيد من التنازلات. فيقدم على تنفيذ اغتيالات تطال شخصيات مؤثرة، كما فعل مع رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الشهيد اسماعيل هنية في طهران، وعندما اختار اغتيال الأمين العام للحزب الشهيد السيد حسن نصرالله في أثناء بلوغ مفاوضات وقف إطلاق النار والبدء بتنفيذ 1701 مرحلة حساسة نتج عنها موافقة مبدئية قدمها نصرالله.
عملياً، ولو أن الأمور الحالية توحي بأن المسار التفاوضي ما زال مستمراً ولم يتأثر سلباً بفعل اغتيال عفيف تبعاً لأن الجانب اللبناني لا يريد إرتكاب أي “هفوة” من شأن إسرائيل أن تقوم باستغلالها، لكن مسار التصعيد الإسرائيلي بات واقعياً جداً، ومن الواضح أنه سوف يمتد طيلة أيام التفاوض بأشكال مختلفة، حيث أن العدو يريد إلزام المقاومة والمفاوض اللبناني في آنٍ معاً، القبول بالورقة الإسرائيلية كما كتبها الفريق الأمني الإسرائيلي وسلّمها إلى الأميركيين ومن دون إعطاء اللبنانيين فرصة إدخال تعديلات عليها.
وفي مقابل احتمال إدخال تعديلات لبنانية، سيختار العدو الذهاب إلى موجة تصعيد أكبر وأشمل من الجارية الآن، تطال مناطق لبنانية لم تكن مشمولة بعمليات القصف والإعتداء، ولا بد أن تستتبع بموجة تصدي تتولاها المقاومة التي ما برحت تشن، لا سيما بالأمس، الإطلاقات وتوجيه الضربات نحو عمق الكيان. وقد أعطى العدو نموذجاً عن نواياه الحقيقية أمس، حين استهدف منطقة تقع جغرافياً عند مشارف عين الرمانة، ثم بعد ذلك استهدف مبنى يقع ضمن الحيز الإداري لبلدة الحدت، ومساءً عندما ضم قلب مدينة بيروت لموجة الإستهدافات.
اللجنة الدولية مرفوضة!
لا معلومات واضحة حول التعديلات اللبنانية على المسودة الأميركية، حيث يحيط المفاوض اللبناني الورقة بكثير من السرية. لكن ما هو مؤكد أن التعديلات اللبنانية لن تطال جوهر الفكرة المتصلة بلجنة مراقبة وقف إطلاق النار حيث يتمثل موضع الإلتباس الراهن، أو من شأنها أن تؤدي إلى الإضرار بمسار التفاوض.
أحد أبرز النقاط ما يرتبط في طبيعة اللجنة الدولية المقترح انشاؤها للمراقبة والإشراف على حسن تنفيذ قرار وقف إطلاق النار. وفي ظل تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري خلوّ الورقة (أو البند) من أي ذكر أو تلميح لمسألة منح حريّة حركة عسكرية للعدو، يبدو أن اللجنة المقترحة لا تراعي المصلحة السيادية اللبنانية. إنما ذلك لا يعني تجاوزها إنما إجراء تعديلات عليها بما يتناسب ومتطلبات السيادة اللبنانية.
وعلى ما يتبيّن، فإن الأميركيين يطلبون تشكيل لجنة دولية تضمهم إلى جانب مندوبين عن فرنسا لبنان وإسرائيل ومندوب آخر عن قوات اليونيفيل وآخرين، تكون مهمتها مراقبة حسن تنفيذ الإتفاق مع ضمان استمرار وقف النار. لكن المشكلة العالقة أن من يطرح تأسيس اللجنة، يريدها موسّعة، ويريد منحها صلاحيات بما يتجاوز السيادة اللبنانية وينتقص منها، فيما الجانب اللبناني يفضّل توسيع اللجنة الرباعية في الناقورة دون المس بصلاحياتها، بما يجعلها أقرب إلى صيغة تطبيق “تفاهم نيسان” التي اقرّت برعاية فرنسية إثر عدوان نيسان 1996.
فمثلاً، سوف تشكل اللجنة مرجعاً طبيعياً ووحيداً للشكاوى المقدمة سواء الإسرائيلية منها أو اللبنانية حيال مسألة الخروقات المتبادلة، بحيث لا تعود المرجعية مجلس الأمن الدولي، ما يساهم في تفريغ القرار 1701 من مضمونه، واستبداله بصيغة أخرى، تقوم على مرجعية اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين لبنان و”إسرائيل” بشكل غير مباشر وبرعاية أميركية!
ثمة نقطة أخرى تتصل بالخلاف حول ترجمة دور قوات اليونيفيل كما دور الجيش. وكما فُهم، يراد أن تكون “اليونيفيل” هي القوة العسكرية الأساس ضمن منطقة العمليات جنوبي الليطاني ويتحول الجيش إلى مؤازر لها، بما يخالف نص القرار 1701، الذي منح الجيش الأولوية وجعل اليونيفيل المؤازر له.
ثمة مسألة أخرى تتصل بعدم وضوح آليات عمل اللجنة، وأهدافها ومضمونها وهيكليتها وآليات إصدار القرارات فيها.
في هذا الشق يتخوّف المفاوض اللبناني من أن تصبح اللجنة، تبعاً للصلاحيات التي تطلبها، هي المكان الطبيعي لمنظومة الإمرة على الجيش اللبناني وليس الحكومة اللبنانية، بحيث تصبح مخوّلة الطلب إلى الجيش إستكمال “تدمير” البنية التحتية للمقاومة جنوب الليطاني (أو شماله)، أو الإيعاز إليه التحرّك فوراً تجاه “تهديد عسكري وشيك” تبعاً لشكوى إسرائيلية معينة. فيصبح لزاماً على الجيش التحرّك، بما يجعله أداة في يد اللجنة أولاً، وفي يد العدو الإسرائيلي ثانياً، إذ يستبدل العدو طلبه التدخل المباشر لضرب أي تهديد وشيك ضدّه والذي ورد في الصيغ السابقة التي قدمت إلى لبنان، بجعل الجيش اللبناني هو المعني بإزالة أي تهديد، مع ما قد يترتب عن ذلك من مخاطر أمنية.