الحرب تملأ الوقت الضائع… بانتظار تدخُّل أو مفاجأة
كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:
من الآن الى موعد تسلّم الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب سلطاته في 20 كانون الثاني المقبل، وحدها لغة الحرب تلبث بين اسرائيل وحزب الله. كلاهما قالا أخيراً تباعاً انهما يحتكمان اليها فحسب: بقولها انها في صدد توسيع هجماتها العسكرية، وبتعهد قطعه امينه العام الشيخ نعيم قاسم ان الميدان وحده يوقفها.
كلاهما ثابتتان في الحرب الدائرة في الجنوب والممتدة الى الداخل اللبناني، مع ان الواقع الفعلي ان ايران – وليس حزب الله ـ تكاد تكون الثابتة المقابلة، وهو ما اعاد مرشد الجمهورية الاسلامية علي الخامئني تأكيد مرجعيته بقوله ان الحزب قوي لم يضعف وسيستمر في مقاومة اسرائيل وينتصر داعياً ـ او آمراً عند البعض المناوىء للحزب ـ بمواصلة حرب الجبهات والساحات. المتغيّر الوحيد من حولهما هو الزمن والانتقال من ادارة ديموقراطية راحلة الى ادارة جمهورية لم تأت. رغم احتفاظ الاولى بصلاحياتها وسلطاتها كاملة حتى 20 كانون الثاني، الا انها اقرب الى تصريف اعمال في الملف الاقليمي الاكثر تعقيداً وسخونة. لم تعد تملك ان تعطي، ولا احد يُصغي اليها، وليس في وسعها حتماً فرض ارادتها. اما الثانية فلن تفصح عن سلم اولوياتها في المدى القريب قبل موعد اداء اليمين.
مؤدى ذلك في المرحلة القريبة انتظار ما ستفضي اليه الوقائع العسكرية. هو الرهان الذي يتسابق عليه كل من اسرائيل وحزب الله بغية الوصول الى خاتمة الحرب بمنتصر ومهزوم: لا يسع اسرائيل ابصار الانتصار الذي تريده سوى بتدمير حزب الله كآلة عسكرية والغاء ترسانته وبناه القيادية والقاعدية التي تتحدث عن تفكيكها يوماً بعد آخر، دونما ان تكون معنية بمستقبل حزب الله كتنظيم سياسي يصبح عندئذ ـ كما هو الآن ـ جزءاً من السجال والاشتباك الداخلي سواء انتفخ حجمه او ضمر. بدوره حزب الله لا يبصر انتصاره ـ وهو اقصى ما يملك ان يفعل كما في حرب تموز 2006 ـ سوى بمنع العدو من تحقيق اهدافه بالغزو والالغاء. بذلك تمسي معادلة الانتصار والهزيمة نسبية لدى كل منهما: ليس ثمة انتصار كامل ولا هزيمة كاملة.
الى موعد الوصول الى 20 كانون الثاني على الاقل، وحدها الحرب ـ عند الحدود وفي الداخلين اللبناني والاسرائيلي ـ ستملأ الوقت الضائع ما لم تحدث صدمة تفضي الى وقف مفاجىء للنار يُعوّل عليه المسؤولون اللبنانيون، وفي الوقت نفسه يطاردونه كخيط دخان:
1 ـ من دون تدخّل اميركي مباشر يسعه ان يفرضه، لا وقف للنار لن تستعجله اسرائيل في اي وقت قريب. ومن دون الاميركيين لا قرار به من مجلس الامن كان اعتاد الاصطدام بالفيتو. على ان اتخاذه يظل غير كاف دونما اقترانه بارادة الفرض وقدرته. في 25 ايلول الفائت اتفق الاميركيون والفرنسيون على بيان بوقف للنار يفتح باب حل ديبلوماسي انضمت اليه ثماني دول اوروبية وعربية ووافق عليه لبنان للفور مرتين على التوالي من بيروت ومن نيويورك، فيما تعهدت اسرائيل الموافقة عليه على ان تعلنها من منبر الامم المتحدة. اذا ردُّ رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو من هناك باصدار امر باغتيال الامين العام السابق لحزب الله السيد حسن نصرالله في 27 ايلول.
2 ـ ما لم يقترن وقف النار ان لم يتكامل مع حل ديبلوماسي سيتحوّل هدنة موقتة هشة مرشحة الى الانهيار في اي لحظة، ومحاولة امرار وقت لالتقاط الانفاس. التوصل الى اتفاق سياسي هو الضامن الفعلي لوقف النار كبند اول فيه تبعاً لترتيبات امنية متدرجة يرعاها، توصلاً الى الاستقرار في مناطق الحروب ووقف النزاعات. جرّب لبنان مرتين تزامناً وتكاملاً بين وقف النار والاتفاق السياسي في حروبه مع اسرائيل عبر مجلس الامن على انه وحده المرجعية الضامنة: وقف النار المتضمَّن في القرار 425 في آذار 1978 ووقف النار ـ في مرحلة لاحقة لوقف الاعمال العدائية ـ المتضمَّن في القرار 1701 في آب 2006. على هامشهما، بغطاء اممي، اقترن وقف النار باتفاق سياسي هو تفاهم نيسان عام 1996 من خلال لجنة خماسية كرّست التسوية تلك.
لبنان عالقٌ بين ادارة ديموقراطية راحلة وادارة جمهورية لم تصل
3 ـ تتقاطع اسرائيل وحزب الله على القرار 1701، وكلاهما طبّقاه – وان بخروق متفاوتة لا تحصى – طوال 18 عاماً، دونما ان يجهرا في الوقت الحاضر بالدعوة الى اعادة تطبيقه: تتحدّث اسرائيل عن اصرارها على تراجع حزب الله الى شمال نهر الليطاني واخلاء جنوبه من اي بنى ووجود عسكري له، مع اضافةٍ مهمة تتعمّد اجتهادها تقضي بمنحها ما لم يعطها اياه القرار، هو التحقق من ان حزب الله لا يعيد بناء ترسانته وآلته العسكرية وقياداته وقواعده، على ان تلاحقه لمنعه منها في اي مكان في لبنان اياً تكن وسائلها جواً وبراً عسكرياً وامنياً. بدوره حزب الله يحاذر الكلام المباشر عن القرار 1701 هو الذي طبّقه بين عاميْ 2006 و2023، قاصراً موقفه المعلن على وقف فوري وشامل للنار يفترض فتح باب جديد للتفاوض يؤدي في نهاية المطاف الى العودة الى تطبيق القرار 1701. قبل اندلاع الحرب الاخيرة منذ 23 ايلول، لم يكن حزب الله يتردد في القول ان قرار مجلس الامن هو الحد الادنى الذي يقبل به، مُقرّاً بالعودة الى احكامه على ان تطبّقه اسرائيل كذلك. ما بات يعنيه اليوم بالذات، قبل الخوض في قرار مجلس الامن والموافقة على العودة الى تنفيذه، منع التهديد الوجودي والكياني الذي يتعرض اه الحزب كمقاومة في الحرب المفتوحة والمدمرة بينه والدولة العبرية.
تقاطُع الفريقيْن المتقاتلين على القرار 1701 تقابله السلطات اللبنانية باعلان استعدادها تنفيذه كاملاً وفوراً على نحو صدوره عن مجلس الامن.
بذلك اضحى القرار امام تفسيرات ثلاثة غير متطابقة بالضرورة، الا انها تؤول الى الهدف نفسه:
ـ تريده اسرائيل مُطعَّماً بامتيازات تعطى اليها كي تفرض تطبيقه تبعاً لتفسيرها له كي يرمي الى تأكيد الغاء حزب الله كتنظيم مسلح نهائياً، سواء في جنوب نهر الليطاني او في شماله.
ـ يريده حزب الله ـ وهو يوافق على تراجعه الى الشمال ـ على انه يكرّس استمراره مقاومة بعيداً من بقعة عمليات القوة الدولية رغم استناد القرار 1701 الى قرار اسبق له هو 1559 ينهي عملياً وظيفته كتنظيم وميليشيا مسلحة.
ـ ثالث الفريقين، أضعفهما، هو السلطات اللبنانية اذ تريده مثالياً منزّهاً من الانتهاكات والخروقات التي يتبادلها الطرفان بالتناوب، دونما ان تملك قوة فرض تطبيقه.