لماذا يثير خطاب باسيل امتعاض جمهور “حزب الله”؟!
لم يتلقّف جمهور “حزب الله” بإيجابية خطاب رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، خصوصًا المقابلة التلفزيونية التي أجراها مع قناة “العربية”، وعبّر فيها عن مواقف قرأ فيها كثيرون “تنصّلاً” من الحزب، سواء لجهة إعلانه حالة “اللا-تحالف” معه، أو لجهة حديثه عن “خطأ استراتيجي” ارتكبه الحزب باتباعه سياسة “وحدة الساحات”، ملمّحًا إلى أنّه اعتمد بذلك “أجندات ومصالح غير لبنانية”، وفق تعبيره.
وعلى الرغم من أنّ مواقف باسيل لا تبدو مستجدّة، فهو اصطفّ ضدّ “حرب الإسناد” التي أعلنها “حزب الله” منذ اليوم الأول، متناغمًا بذلك مع موقف الأحزاب المسيحية الأساسية، إلا أنّها هذه المرّة قوبلت بنفور من جانب البيئة الحاضنة للحزب، عبّرت عنه صراحة على مواقع التواصل، حتى إنّ بعض هذا الجمهور لم يتردّد في وضع باسيل بمصاف الخصوم التاريخيين، كرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، وكأنّه حسم “هزيمة” الحزب في المعركة.
ثمّة من يقول إنّ السبب في هذا الانطباع، أنّ مواقف باسيل هذه جاءت في خضمّ الحرب العدوانية والهمجية، وفي خضمّ المساعي الدولية لمحاصرة “حزب الله”، وأنه كان الأوْلى بباسيل أن يضع الخلافات السياسية جانبًا، على الرئاسة والإسناد وغيرهما، وبالحدّ الأدنى يؤجّل إعلان “الطلاق” مع الحزب لما بعد وقف إطلاق النار، فهل هذا السبب الفعليّ لامتعاض جمهور “حزب الله”، وكيف يعلّق “الباسيليون” على مقاربة جمهور الحزب هذه؟!
قد لا يكون تفصيلاً أن يصبح باسيل في عيون بعض جمهور “حزب الله”، “مثله مثل” رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، ولو في لحظة “غضب” قد تكون عابرة، فالفارق بين الإثنين في وجدان هذا الجمهور كبير، في ظلّ المكانة التي تمتّع بها باسيل، وقبله العماد ميشال عون الذي وصل إلى رئاسة الجمهورية بدعم “حزب الله”، وتحديدًا أمينه العام الشهيد السيد حسن نصر الله، الذي بقي متمسّكًا بالوعد الذي قطعه له، حتى على حساب حليفه سليمان فرنجية.
إلا أنّ الواقع أنّ هذا الجمهور بات ينظر إلى باسيل من منظار آخر، فهو برأيه لم يكن “وفيًا” للسيد الشهيد حسن نصر الله، ولم يصمد أيامًا بعد استشهاده قبل أن يعلن ما يشبه “الانقلاب” عليه، حتى في الموقف الاستراتيجي الذي كان يقول إنّه “الجامع” بين الفريقين، رغم كل الخلافات السياسية، علمًا أنّ هذا الجمهور يبدو واثقًا بأنّ السبب الفعلي للخلاف ليس سوى دعم الحزب لترشيح سليمان فرنجية للرئاسة، بمعزل عن موقف باسيل السلبي منه.
وحتى لو صحّ أنّ مواقف باسيل ليست جديدة، وأنّه ليس من مؤيدي فتح “جبهة الإسناد”، وأنّه ربما كان مقتنعًا بأنّ هذه الحرب لن تكون في صالح الحزب، وستكون قاسية عليه، فإنّ جمهور الحزب يعتبر أنّ التركيز على هذا الخطاب في هذا التوقيت “غير موفّق”، لأنه يتلاقى سواء عن قصد أو غير قصد، مع أولئك الذين يريدون استثمار هذه الحرب سياسيًا، في محاولة لإضعاف الحزب، ويرفضون انتظار انتهائها، باعتبار أنّ النتيجة عُرفت، وأنّ الحزب هُزِم.
باسيل “لم يطعن” الحزب
قد يكون امتعاض جمهور “حزب الله” مفهومًا، في ظلّ الأجواء المشحونة في البلد، والانقسام العمودي غير المتناسب مع زمن الحرب، الذي يتطلب تحصينًا للساحة عبر الحدّ الأدنى من الوحدة الوطنية، وقد يكون أيضًا هذا الامتعاض مشروعًا، باعتبار أنّ هذا الجمهور كان ينتظر من الحزب “ردًا للجميل” الذي قدّمه السيد حسن نصر الله لـ”التيار”، يقتضي بالحدّ الأدنى تأجيل التركيز على الخلافات، إلى حين وقف إطلاق النار.
إلا أنّ المحسوبين على “التيار الوطني الحر” يرفضون هذه المقاربة في الشكل والمضمون، بل يعتبرونها ظالمة إلى أبعد الحدود، فما قاله باسيل في حديثه إلى قناة “العربية” لم يكن “طعنة في ظهر” المقاومة بأيّ شكل من الأشكال، بل إنّ المواقف التي عبّر عنها يطلقها منذ اليوم الأول، ومنذ ما قبل استشهاد السيد حسن نصر الله، وقد ناقشها مع قيادة الحزب في أكثر من مناسبة، وكان هناك تفهّم لخلفيات تفكيره وموقفه، بمعزل عن الاختلاف في الرأي.
الأهمّ من كلّ ذلك، وفق المحسوبين على “التيار”، أنّ جمهور الحزب يجب أن يقرأ الأمور بعقلانية، فباسيل دافع عن المقاومة وأهميتها في حديثه لـ”العربية”، ولم يلتحق أبدًا بالخصوم الذين يريد بعضهم أن يسلّم الحزب سلاحه قبل وقف إطلاق النار، في حين أنّ باسيل أكد مشروعية المقاومة في مواجهة الحرب القائمة، ورفض الحديث عن نزع السلاح في هذا الوقت، وجزم أنه مع أي لبنان، بما في ذلك “حزب الله”، يحارب العدو الإسرائيلي.
لا شكّ أنّ الطلاق واقع بين “حزب الله” وباسيل منذ ما قبل الحرب الإسرائيلية، وتحديدًا منذ لحظة أعلن الحزب دعم ترشيح سليمان لرئاسة الجمهورية. لكن ما يحزّ في قلب جمهور الحزب، هو أن يختار باسيل لحظة الحرب لتزكية الخلاف، بدل أن تكون فرصة لإعادة ما انقطع، بصورة أو بأخرى، فهل يعني ذلك انتهاء العلاقة بين الجانبين بشكل نهائي، وأيّ تبعات لذلك على مختلف الاستحقاقات، بعدما تتبلور النتيجة الحقيقية للحرب؟!