أعظم أزمة سكنيّة في لبنان: نفاذ الشقق المعروضة للإيجار وهواجس أمنيّة

لم يواجه لبنان على مدى تاريخه الحافل بالويلات أزمةً سكنيّة بحجم تلك التي تجتاح قراه ومدنه راهنًا. بعد مرور شهر على العدوان الإسرائيلي بتصعيده المدمّر منذ 19 أيلول الماضي، تصاعدت موجات النزوح بشكل غير مسبوق، ولم تعد الأزمة تقتصر على إيجارات باهضة، بل تخطّتها إلى نفاذ الشقق المعروضة للإيجار، مقابل طلب يتصاعد يومًا بعد يوم، بظل ازدياد عدد الهاربين من الهمجيّة الإسرائيليّة. ومع مشهدية النزوح المليوني، تتعاظم المشكلة وتتشعّب، فيختلط البعد الإنساني بأبعاد أمنيّة واجتماعيّة واقتصاديّة وثقافيّة متشابكة ومعقّدة.

حاجة النازحين للمأوى وهواجس المالكين
يعمل العدو الإسرئيلي على تفريغ الجنوب من أهله، فيدمّر قرى بأكملها هناك، ويسوّي مجمّعات سكنيّة بالأرض في ضاحية بيروت الجنوبيّة، وكذلك يفعل في البقاع وبعلبك، تهرب العائلات من بطشه، ولكن إلى أين؟
“مراكز الإيواء غير كافية لاستيعاب العدد الهائل من النازحين، والشقق التي كانت معروضة للإيجار تمّ تأجير معظمها” وفق ما أكّد نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين وليد موسى في اتصال مع “لبنان 24″، أمّا القلّة المتبقيّة من الشقق فبدلاتها باهضة، ويطلب مالكوها تسديد الإيجار مسبقًا لمدّة عام، من منطلق خوفهم من عدم قدرة المستأجر على تسديد دفعات الأشهر المقبلة، بظل حرب طويلة، يلفت موسى “كما يتوجّس المالكون من تكرار تجربة الإيجارات القديمة شبه المجانيّة، التي لم يُتخذ قرار إلى يومنا بإخلائها رغم مرور عشرات الأعوام على إشغالها، من هنا يتخوّف المالكون من الحيلولة دون إمكانيّة ترك النازحين للشقق بعد انتهاء الحرب، لاسيّما أنّ منازلهم دمّرها العدوان الإسرائيلي، الأمر الذي سيخلق نزاعًا بينهم وبين المستأجرين، قد لا تتمكّن أيّ جهة من حسمه، بما فيها المحاكم في ظل الوضع الراهن”.

هاجس تدمير الشقق المؤجّرة
هناك فئة من المالكين تحجم عن عرض الشقق المتاحة لديها، نتيجة خوف أمني بدأ يتعاظم مع استهدافات طالت نازحين في مختلف المناطق، من قبل عدو لا يقيم وزنًا لأيّ اعتبار في تعقّبه لبنك أهدافه، حيث يطاردهم في المنازل التي لجأووا إليها وفي تنقّلاتهم، كما حصل في سلسلة غارات أسفرت عن خسائر في الأرواح والممتلكات، يقول موسى”الفئتان لديهما أسبابهما المحقّة، المالك الخائف على ملكه، والمستأجرالذي وجد نفسه في ليلة وضحاها بلا مأوى، مغلوبًا على أمره ومتروكًا لمصيره، في حرب لم يقررها، بينما قضيته الأساسيّة تأمين سقف يأوي أسرته قبل بدء تساقط الأمطار”.

لا قدرة على استيعاب العدد المليوني
لم يكن أحد مهيّأ للتعامل مع أزمة النزوح يلفت موسى “تفاجأنا بعدد النازحين الهائل الذي بات يلامس المليون وخمسمئة ألف نازح، لم تكن الدولة قادرة على استيعاب هذا العدد الكبير، كما تبيّن أنّ القائمين على هذه الحرب لم تكن لديهم خطّة لإيواء الناس خلافًا لما أُشيع، واتضح أنّ الكلام السياسي يجافي الواقع. وبالمحصّلة أضحت الناس مشرّدة بلا مأوى، ومن وجد شقة تأويه دفع ما يملك من مال، ولكنه ليس قادرًا على الإستمرار في دفع بدلات الإيجار المرتفعة، خصوصًا أنّ أعماله تعطّلت بفعل الحرب”.
الصيغة القانونية الأضمن
تفاديًا لنشوء نزاع لاحق بين المالكين والمستأجرين الذين نزحوا من جغرافية العدوان، نصح موسى بتوقيع عقد إيجار بين الفريقين، يستند إلى الاستثناء الذي تتيحه الفقرة الثانية من المادة 543 من قانون الموجبات والعقود، والمتعلّق بعقود الإيجارات الموسميّة العائدة لإماكن الاصطياف والإشتاء، حيث أنّ الإيجارات خارج هذا الاستثناء تكون لمدّة ثلاث سنوات، ويمكن للمالك أنّ يتسلّح في هذه الفقرة عند تأجير الشقق المفروشة، كي لا تكون المدّة المنصوص عنها في القانون ملزمة.

إيجارات باهضة: استغلال أم معادلة العرض والطلب؟
ارتفعت بدلات الإيجار بشكل جنوني، فالشقة التي كانت تُؤجّر قبل الأزمة بـ 400 دولار باتت اليوم بـ 1000 دولار إن وُجدت، ما دفع البعض إلى اتهام المالكين بالجشع واستغلال الأزمة. لكن من الناحية الاقتصادية، تُقرأ الأمور بمنظار مختلف، إذ يحدّد السوق أسعار الإيجارات، والشقق كغيرها من السلع خاضعة لمعادلة العرض والطلب، وفق خبراء اقتصاديين ، بالتالي ازدياد الطلب على استئجار الشقق في ظل انخفاض العرض أدّى إلى ارتفاع الأسعار، وهو أمر مبرر في علم الاقتصاد. بالتوازي يرى موسى أنّه وفقًا للقوانين التي ترعى الملكية، لا يحقّ لأحد أن يفرض على المالك أن يؤجّر عقاره أو أن يضع سقفًا للسعر، خصوصًا أنّ العدد الكبير من النازحين في الشقّة الواحدة، سيفرض تبعات وأكلافًا تنشأ عن إشغال الشقق، سيتكبّدها المالك وحده بعد إخلاء الشقق.

اقتحام أملاك بالقوة
الشائعات التي انتشرت حول اقتحام نازحين لأملاك خاصة، لاسيّما في بيروت، فعلت فعلها السيء وأضرت النازحين. في السياق يشدّد موسى على وجوب احترام حق الملكيّة المصان في مقدّمة الدستور “يمنع القانون اقتحام أيّ عقار بالقوة، وفي حال التعدي على حقّ الملكية يتوجب على القوى الأمنية إخلاء المُلك، وإذا تعذر ذلك، يتيح قانون العقوبات في المادتين 737 738 منه اللجوء إلى النيابة العامة الجزائيّة لطلب إخلائها فورًا ومعاقبة المعتدي وفق نص المدة 783 “من استولى دون مسوغ شرغي على عقار او قسم من عقار، بقصد السكن أو الاشغال او الاستثمار او الاستعمال لأي غاية أخرى، يعاقب بالحبس من شهر الى سنة وبالغرامة”.

رغم ما يحصل من تجاوزات، عكس المشهد العام تضامنًا اجتماعيًّا كبيرًا من قبل المجتمع اللبناني بكل أطيافه مع النازحين، مقدّمًا المنطلق الإنساني على ما عداه، حيث بادر العديد من المواطنين إلى فتح منازلهم لاستقبال النازحين من دون مقابل، لكن على رغم إيجابيّة هذه المشهديّة تتصدّر أزمة السكن قائمة الأزمات التي ألقت بثقلها على جغرافية لبنان بفعل الحرب الإسرائيلية، ومع اقتراب فصل الشتاء تزداد المخاوف من عدم إيجاد منازل تأوي العائلات المشرّدة.

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى