خليل يسحب اقتراح “حماية الودائع”… خشية دمجه واقتراحي إدارة أصول الدولة
حضرت أمس في جلسة اللجان النيابية المشتركة ثلاثة اقتراحات قوانين مقدمة من جهات نيابية ثلاث على طاولة البحث: الاقتراح الأوّل قدّمه نوّاب “كتلة لبنان القوي” بتاريخ 21/3/2024 تحت عنوان “الصندوق الائتماني لحفظ أصول الدولة وإدارتها. أما الاقتراح الثاني فقدمه نوّاب “كتلة الجمهوريّة القويّة” وهو يرمي إلى إنشاء مؤسّسة مستقلة لإدارة أصول الدولة. في حين أن الاقتراح الثالث قدّمه نوّاب من “كتلة التنمية والتحرير” وهو يرمي إلى حماية الودائع المصرفيّة المشروعة وإعادتها إلى أصحابها وهو اقتراح قانون أعدّه رئيس مجلس شورى الدولة فادي إلياس وبُنيَ على الأسباب نفسها التي بني عليها القرار الشهير الصادر في تاريخ 6 شباط 2024 عن الغرفة التي يرأسها.
ويعتبر” لبنان القوي” أن الحاجة ضرورية إلى إنشاء صندوق إئتماني تحول إليه أصول الدولة بعد تشركتها وتعهد إليه إدارة هذه الأصول من دون الخضوع لأي شكل من أشكال الوصاية وذلك بهدف تحسين أدائها وتفعيل إنتاجيتها وتأمين جودة الخدمة للمواطنين وزيادة عنصر الربحية لهذه الشركات عن طريق إشراك القطاع الخاص بإدارة وإستثمار هذه الشركات، مع تحفيز المنتشرين اللبنانيين على المشاركة في هذا المشروع الوطني لتعزيز روابطهم مع الوطن الأم. كذلك تشكل عائدات هذا الصندوق عنصر دعم أساسي للموازنة العامة كما يخصص جزء منها لتعويض المودعين عن الخسارة التي لحقت بهم من جراء مسؤولية الدولة عبر السياسات المعتمدة منذ عقود في الخسارة التي لحقت بهم. كما يشكل جزء منها عنصر دعم للمناطق الجغرافية الإدارية المنشأة بموجب تنفيذ اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والقوانين المتعلقة بها.
أما اقتراح إنشاء مؤسسة مستقلة لإدارة أصول الدولة، فمرده وفق “الجمهورية القوية” أن الحاجة أصبحت ملحة لإدارة أكثر فاعلية للشركات والمؤسسات التابعة للدولة وتحسين عائداتها وتعزيز قيمتها كتدبير خلاق ضمن عدة تدابير، يمكن للدولة استخدامه للمساهمة في حل مسألة تعويض جزء كبير من الخسائر التي اشترك في ترتيبها بدقة المودع وعبر السياسات والممارسات كلّ من القطاع المصرفي والمصرف المركزي والسلطات الدستورية المتعاقبة منذ أكثر من ثلاثة عقود، بمعزل عن نسب المسؤولية بحق كل من المشتركين المذكورين. ويهدف اقتراح القانون إلى تقديم حل عملي لإدارة الأصول ذات الطابع التجاري بشكل شفاف وفعال لتغذية خزينة الدولة،كما الصندوق المختص بإعادة تكوين الودائع، من خلال وضع شركات ومؤسسات وإدارات مملوكة من الدولة كليا أو جزئيا، أو تشكل جزءاً من إداراتها.
أما على خط اقتراح “كتلة التحرير والتنمية”، فيمكن القول بحسب ما ورد في الأسباب الموجبة أنه رغم وجوب الحفاظ على الودائع وإعادتها إلى أصحابها، فإنه يقتضي بالمقابل الحفاظ على وضع مصرفي سليم ومعافى، لما لهذا الأمر من أهمية كبيرة كونه يرتد بآثاره على الوضعين المالي والاقتصادي في البلاد، وعلى سمعة لبنان في محيطه العربي وفي العالم، لا سيما وأن الودائع في المصارف لا تعود فقط للبنانيين بل هناك قسم منها يعود لمودعين غير لبنانيين ولا سيما لمواطنين من الدول العربية، بحيث أن عدم تمكين أصحاب هذه الودائع من استردادها سوف يخلق وضعاً كارثياً بالنسبة لدور لبنان في محيطه العربي وفي العالم أجمع، إذ أنه من المعلوم أن الاقتصاد اللبناني كان يرتكز على القطاعات الخدماتية وفي مقدمتها الخدمات المصرفية، ولذلك فإن أي إخلال بالثقة في الوضع المصرفي سوف يقضي على هذا القطاع نهائياً وعلى أي إمكانية لاستعادة دوره في المستقبل مع ما لهذا الأمر من انعكاسات سلبية على الأوضاع في لبنان على مختلف الصعد. ويفترض بالدولة إعادة النظر بأوضاع المصارف وتصحيحها من خلال تشجيعها على الاندماج وإعادة الرسملة وتفعيل إشراف السلطات المالية عليها ومراقبة أعمالها لإعادة الثقة بها.
خلال الجلسة، جرت محاولة من قبل نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب لتشكيل لجنة تدرس الاقتراحات الثلاثة، وكان تم الاتفاق مبدئياً على مجموعة من الأسماء تمثل الكتل النيابية، الا أن ما حصل هو أن النائب علي حسن خليل أعلن سحب”كتلة التحرير والتنمية” لاقتراح القانون الذي يختص بالودائع والذي يتقاطع في جزء منه مع موضوع إدارة أصول الدولة، إلا أن بوصعب حاول بإصرار إبقاء الاقتراحات الثلاثة على جدول أعمال اللجنة الفرعية التي سيجري تشكيلها، إلا أن إصراره قوبل بإصرار من النائب خليل والذي لم يكن أصلاً من الموقعين على اقتراح القانون الأمر الذي دفع زملاءه الذين وردت أسماؤهم في الاقتراح إلى تأكيد النية في سحب الاقتراح رسمياً، ليفتح نقاش بين من يعتبر أن لا مانع من مناقشة اقتراحي القانون حول أصول الدولة بشكل مستقل، وبين من يعتبر أن هذا الأمر غير منطقي لأنه لا يصح مناقشة أدوات المعالجة قبل إقرار خطة التعافي، وأعقب ذلك، إعلان النائب علي فياض انسحابه من اللجنة الفرعية إذا كان الأمر يقتصر فقط على مناقشة إدارة أصول الدولة، وللأسباب نفسها تلاه النائب الان عون بإعلان الانسحاب من اللجنة، وانتهى النقاش بتشكيل لجنة فرعية برئاسة رئيس لجنة المال والموازنة بجدول أعمال محصور باقتراحي القانون حول إدارة اصول الدولة المقدمين من”لبنان القوي” و”الجمهورية القوية”.
ويبدو أن الخلفية التي انطلق منها خليل لسحب اقتراح حماية الودائع المصرفيّة المشروعة مردها اعتراضه الجذري على ما يتضمنه الاقتراحان المقدمان من “التيار الوطني الحر” و”حزب القوات اللبنانية”، وخشيته من أن يفضي النقاش في اللجنة الفرعية إلى دمج هذه الاقتراحات ببعضها البعض أمام الرأي العام، علماً أن رئيس لجنة الإدارة النائب جورج عدوان أعلن أن من صلاحية اللجنة الفرعية أن تتوسع في نقاشها باتجاه موضوع الودائع حتى لو جرى سحب اقتراح “كتلة التنمية والتحرير”.
لقد بدت واضحة وجلية الاختلافات العديدة بين الاقتراحات الثلاثة، ولكن الأكثر وضوحاً هو أن مقدّميها يتّفقون بشكل عامّ على فكرة تحميل الدولة جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن ضياع الودائع وتخصيص أصولها (الدولة) من أجل تسديدها. لا بل يمكن القول، بحسب الخبير المالي والاقتصادي بلال علامة أنّ الاقتراحات الثلاثة بدتْ مسكونة إلى حدّ كبير بمصالح بعض المصارف وهواجسها، ليس فقط في مقاربتها للمسؤولية عن ضياع الودائع في الماضي، ولكن أيضًا في مقاربتها للمصالح الملحّة التي يجدر منحها الأولوية في سياسات الدولة مستقبلًا، بما يتماهى بدرجة أو بأخرى مع الخطّة البديلة التي كانت كشفت عنها جمعيّة المصارف في 2020 ردًّا على خطة شركة لازار للإصلاح المالي والاقتصادي والتي تمّ إجهاضها آنذاك في عهد حكومة الرئيس حسان دياب.تتعارض الاقتراحات الثلاثة مع توجيهات صندوق النقد الدولي التي تشدّد على مسؤوليّة المصارف بالدرجة الأولى عن الخسائر وعلى أنّ مسؤولية الدولة مجرّد مسؤولية استلحاقيّة. وتقوم هذه الاتجاهات عمومًا على أنّ تحميل الأجيال الحاضرة كما المستقبليّة مسؤوليّة تسديد الودائع المهدورة إنّما هو توجّه خطير يجافي مبادئ العدالة عدا عن أنّه يقوّض إمكانية النهوض الاقتصادي والمرافق العامّة وقد يتسبب بعدم إنتظام مالية الدولة لسنوات طويلة في المستقبل.
وعليه، فإنّ الأسئلة التي تستولدها الصيغة التي أنتجتها اللجان المشتركة لا تقتصر، بحسب علامة، على مسألة المسؤولية في تحمّل الودائع أو بصورة أدقّ مسألة التوزيع العادل للخسائر وحسب، إنّما يشمل أيضًا مدى ملاءمة تغليب مسؤولية الدولة في تحمّل الودائع على مجمل مسؤوليّاتها ووظائفها الأخرى يُضاف إلى ذلك كثير من التشكيك حول مدى واقعيّة التعويل على أصول الدولة وعائداتها في سبيل ردّ الودائع الضّائعة وبخاصّة في ظلّ الفجوة الكبيرة فيها.