بعد وفاة بريغوجين.. هل ستصبح “فاغنر” تحت سيطرة موسكو؟
أدت وفاة زعيم مجموعة “فاغنر” الروسية يفغيني بريغوجين إلى بث الأمل في العديد من العواصم الغربية من أن وحش “فرانكنشتاين” الذي كافحت هذه الدول لمنافسته في أفريقيا والشرق الأوسط سيتفكك.
وبحسب موقع “Middle East Eye” البريطاني، “في الوقت الذي بدأت فيه جهود الدولة الروسية لكبح جماح المجموعة، فإن دمج الأخيرة ضمن صفوف الجيش الروسي المتعثر في الداخل سيكون له نتائج عكسية على استعراض القوة الروسية في الجنوب العالمي. ولم يقتصر الأمر على الاستهانة بالشبكة التي تضم حوالي 400 شركة ضمن المجموعة، لا بل كثيراً ما تم تكوين فكرة عنها من خلال العدسة التحليلية الضيقة لفن الحكم الغربي، والتي تعتمد على معايير التسلسل الهرمي، والانقسامات بين القطاع العام والخاص، والمفاهيم العسكرية الغربية للسيطرة الفعالة”.وتابع الموقع، “يجب أولاً وقبل كل شيء أن تستوعب الدول الغربية أن فاغنر في أفريقيا والشرق الأوسط هي عبارة عن بنية هرمية لكيانات مختلفة مرتبطة في شبكة واحدة، ومنسوجة معًا عبر روابط ثابتة أحيانًا. في حين ظهر بريغوجين، عبر كياناته العديدة المختلفة، كمحور مركزي في الشبكة، فإن الأخيرة بعيدة كل البعد عن كونها كيانًا هرميًا. على عكس مؤسسات الدولة الروسية، بما في ذلك الجيش، تعمل فاغنر بناء على هيكل تنظيمي مسطح إلى حد ما، حيث تمنح درجة من الاستقلالية لكل فرع من فروعها والتي تبدو وكأنها تتعارض مع نظام الحكم في روسيا”.
وأضاف الموقع، “كان إنشاء فاغنر كشبكة فضفاضة من الكيانات المرتبطة بالكرملين عبر مقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مثل بريغوجين، متعمدا. لقد سعى الكرملين إلى إيجاد وسيلة لإدارة شؤون الدولة في أفريقيا والشرق الأوسط من دون التورط مباشرة خوفاً من مواجهة الجمهور العالمي والروسي الذي شعر بالرعب عندما تم إرسال أكياس جثث الجنود الروس إلى وطنهم من الخطوط الأمامية في سوريا في عام 2018”.الخطوط الحمراء وبحسب الموقع، “في بداية انتشار المجموعة في أوكرانيا وسوريا، شكل التمويل الحكومي العمود الفقري لعمليات فاغنر. لكن تجربة استخدام شركة استخراج مملوكة لشركة فاغنر كوسيط لبيع الخدمات الأمنية والعسكرية لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد عبر امتيازات النفط، ساهمت في تغيير نموذج العمل، مما مكّن الشبكة من الاعتماد على نفسها.
باختصار، طالما لم يتم تجاوز الخطوط الحمراء، كان بإمكان فاغنر تطوير الفرص بالشكل الذي تراه مناسبًا”.وتابع الموقع، “يبدو أن رغبة الشبكة في تحقيق الأرباح تتماشى بالصدفة مع المصالح الاستراتيجية لروسيا في الجنوب العالمي، والتي تشمل تحقيق العمق الاستراتيجي على الرغم من البنية التحتية المتهالكة للدولة غير القادرة على توفير الحكم الفعال في الداخل، كما وتحقيق مكانة القوة العظمى في عالم تنافسي متعدد الأقطاب في مواجهة الغرب، وتنظيم الشبكات التجارية لاستخراج الموارد وأسواق مبيعات الأسلحة الروسية.
إن المكاسب الاستراتيجية التي حققتها فاغنر للكرملين في السنوات الأخيرة لم يكن من الممكن تحقيقها من خلال التسلسلات الهرمية الغارقة في مستنقع حرب الاستنزاف البطيئة في أوكرانيا”.وأضاف الموقع، “لقد أثبتت بنية الشبكة أنها أكثر مرونة بكثير من الهياكل الهرمية في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي والتي لا تزال تصيب بيروقراطية الدولة الروسية بالشلل.
ونتيجة لذلك، نمت مجموعة فاغنر في أفريقيا والشرق الأوسط من “كيان مدعوم من الدولة إلى كيان يشبه الدولة”، بعد أن بقيت تحت رقابة شبكات الاستخبارات العسكرية في الداخل فقط. وقد أظهرت الشبكة قدرتها على التحول إلى الأداة المطلوبة للاتصال بالشبكات المحلية في كل مكان من ليبيا إلى السودان إلى مالي إلى جمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد”.
جوهرة التاجوبحسب الموقع، “إن مرونة الاتصال عبر مراكز إقليمية أخرى، مثل الإمارات العربية المتحدة، بالشبكات المالية واللوجستية العالمية وشبكات استخراج الأسلحة والموارد، سمحت لمجموعة فاغنر بالنمو بشكل متزايد لتصبح شبكة ذاتية التمويل.
هذا ما أوصل بريغوجين وشبكته إلى مفترق طرق مع الكرملين. فقد شكل التمرد الذي قامت به قوات فاغنر في حزيران الماضي تحديا بالنسبة لبوتين.
من نواحٍ عديدة، أصبحت فاغنر جوهرة التاج في فن الحكم الروسي المتمركز حول الشبكة في الجنوب العالمي”.
وتابع الموقع، “منذ وفاة بريغوجين في آب، أكد المسؤولون الروس الذين لهم صلات بالاستخبارات العسكرية في أفريقيا لشركائهم بأن لا شيء سيتغير. إن التحول الذي طرأ على موقع وزارة الدفاع الروسية من عميلٍ للشبكة إلى صاحب أسهم فيها يعني أن بوتين يتحمل في نهاية المطاف المخاطرة الجيوسياسية المترتبة على أي ظهور لفاغنر في المستقبل في الجنوب العالمي.
في نهاية المطاف، يعتمد ضعف شبكة فاغنر التي تسيطر عليها الدولة بشكل أكبر على الصدقية التي يقرر من خلالها المنافسون الغربيون الانخراط في الشرق الأوسط وإفريقيا”.