عون وباسيل يعلنان مراسم دفن “اتفاق مار مخايل”

قد يبدو “حزب الله” غير مبالٍ ظاهريًا بخطوة “التيار الوطني الحر” غير المسبوقة في تاريخ علاقتهما، التي كان فيها “طلعات ونزلات”. ولكن في حقيقة الأمر أن “حارة حريك” مستاءة كثيرًا من توقيت تزامن موقفي كل من الرئيس السابق ميشال عون ورئيس “التيار” النائب جبران باسيل، اللذين أعلنا وفي شكل غير مباشر مراسم دفن “اتفاق مار مخايل”، وبالأخص البند العاشر منه، والذي ينص على الآتي: “إن حماية لبنان وصون استقلاله وسيادته هما مسؤولية وواجب وطني عام تكفلهما المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان لا سيما في مواجهة أي تهديدات أو أخطار يمكن أن تنال منهما من أي جهة أتت. من هنا، فإن حمل السلاح ليس هدفاً بذاته وإنما وسيلة شريفة مقدسة تمارسها أي جماعة تحتلّ أرضها تماماً، كما هي أساليب المقاومة السياسية.

وفي هذا السياق فإن سلاح حزب الله يجب أن يأتي من ضمن مقاربة شاملة تقع بين حدين: الحد الأول هو الاستناد الى المبررات التي تلقى الإجماع الوطني والتي تشكل مكامن القوة للبنان واللبنانيين في الإبقاء على السلاح، والحدّ الآخر هو تحديد الظروف الموضوعية التي تؤدي إلى انتفاء أسباب ومبررات حمله.
وبما أن “إسرائيل” تحتل مزارع شبعا وتأسر المقاومين اللبنانيين وتهدّد لبنان فإن على اللبنانيين تحمّل مسؤولياتهم وتقاسم أعباء حماية لبنان وصيانة كيانه وأمنه والحفاظ على استقلاله وسيادته من خلال:

1 – تحرير مزارع شبعا من الاحتلال الإسرائيلي.
2 – تحرير الأسرى اللبنانيين من السجون الإسرائيلية.
3 – حماية لبنان من الأخطار الإسرائيلية من خلال حوار وطني يؤدي إلى صياغة استراتيجية دفاع وطني يتوافق عليها اللبنانيون وينخرطون فيها عبر تحمّل أعبائها والإفادة من نتائجها.

وتعتبر “حارة حريك”، وكما سبق أن أعلن ذلك الأمين العام لـ “الحزب” السيد حسن نصرالله، أنها لن تسحب يديها من يد الآخر إلا إذا سحب هذا الآخر، أيًا يكن هذا الآخر، يده من يدها. وهكذا يكون كل ما بني قبل عشرين سنة حتى الآن بين “الحليفين الاستراتيجيين” مبنيًا على رمل، وكل بناء لا يكون مبنيًا على الصخر يكون مآله الانهيار، فكيف لو كانت هذه الرمال متحركة. والمقصود بـ “الرمال المتحركة” في علاقة “حزب الله” بـ “التيار الوطني الحر” أنها كانت قائمة على مصالح متبادلة ومشتركة، أي أن “التيار” يضمن عدم تعرّض خاصرة “المقاومة” لـ “الطعن المسيحي”، وهذا ما حصل في حرب تموز، مقابل أن يؤمن “الحزب” وصول “التيار” إلى السلطة، وهذا ما حصل في العام 2016 بوصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية.

ولأن هذه العلاقة بُنيت على رمال المصالح فإنها كانت عرضة للسقوط في كل مرّة كان كل من “الحزب” و”التيار” يمرّان في ظروف صعبة، إلاّ أن السيد نصرالله كان يأخذ الأمور بصدره، ويحاول في كل مرّة ترميم صورة هذه العلاقة بـ “التي هي أحسن”، ويحاول التمييز بين الرئيس عون والنائب باسيل، حيث كان يتفهمّ “شطحات” الأخير لأسباب لم تعد خافية، وهي بدأت تظهر إلى العلن بعد الافطار الرمضاني، الذي جمع باسيل برئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية إلى مائدته، وأفهمه صراحة أن حصّة الرئاسة هذه المرّة من نصيب ابن فرنجية، الذي تنازل عمّا يعتبره حقًّا له في المرّات السابقة لمصلحة كل من العمادين ميشال سليمان وميشال عون.

ويُسأل النائب باسيل من بيئة “حزب الله” بالذات فيما لو أن “الثنائي الشيعي”، وبالأخصّ “حزب الله”، قرّر أن يرشّحه بدلًا من فرنجية فهل كان لينقلب على “اتفاق مار مخايل” بهذا الشكل وفي هذا التوقيت بالذات، وهو يعرف أن موقفه هذا من شأنه أن يضعف خاصرة “المقاومة” داخليًا، وأنه بهذا الموقف غير المسبوق قد يعطي خصوم “الحزب” في الداخل والخارج حججًا لم تكن مقنعة كثيرًا قبل “الانعطافة العونية”. أمّا الآن فإن ما يمكن أن تتعرّض له “المقاومة” من سهام ستُرشق بها من كل حدب وصوب قد يصيبها في المعادلات السياسية الداخلية بشظايا مؤذية.

وفي رأي أوساط سياسية قريبة من “حارة حريك” فإن موقف كل من عون وباسيل لم يقتصرا على رفض “تحميل لبنان مسؤولية تحرير فلسطين، فهذه مسؤولية الفلسطينيين. ولسنا مع وحدة الساحات ومع ربط لبنان بجبهات أخرى، وتحديداً ربط وقف حرب الجنوب بوقف حرب غزّة”، بل زادا عليهما موقفا آخر، وهو ما كشفه رئيس “التيار” عن سعيه إلى حلقة تشاورية في الموضوع الرئاسي يكون مناهضًا لطرح “الثنائي الشيعي”، الأمر الذي نسف إمكانية ترميم الجسور، التي تنهار الواحد تلو الآخر، بين “حارة حريك” و”ميرنا الشالوحي”.

وفي رأي هذه الأوساط فإن خطوة كل من عون وباسيل في هذا التوقيت القاتل هو طعنة في الظهر لم تكن متوقعة، وعلى هذا الأساس سيكون التعامل معها، وقد ينسحب ذلك على ما يمكن أن تتركه من آثار على علاقات قواعد كل من الفريقين، التي بدأت تهتز بما يصدر عن الجيوش الالكترونية من تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي سيكون لها الأثر السيئ ، خصوصًا في مناطق التماس.

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى