ممثّلو أصحاب العمل و”العمالي” يتآمرون على العمال: لا تصحيح للأجور قريباً
وافق مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة على توصية لجنة المؤشّر القاضية برفع بدل النقل اليومي في مؤسّسات القطاع الخاص من 250 ألف ليرة إلى 450 ألفاً. وباقتصار قراراته على بدل النقل، بدا كأنّ المجلس موافق ضمناً على المؤامرة التي حيكت في لجنة المؤشّر بين ممثلي أصحاب العمل وممثلي الاتحاد العمالي العام، والرامية إلى تأجيل البحث في تصحيح الأجور إلى ما بعد انتهاء الحرب على غزّة! إذاً، لا زيادة على أجور العاملين في القطاع الخاص، رغم أنّ التصحيح تأخّر كثيراً بعدما ازدادت الأسعار بنسبة 5434%، أي زادت 55 مرّة مقارنة مع ما كانت عليه في نهاية 2018. وبين الفترتين، ارتفع الحدّ الأدنى للأجور من 675000 ليرة إلى 9 ملايين ليرة، أي زاد 13.3 مرّة فقط. وإذا احتسبنا الزيادة الفعلية في الدخل التي تتضمن الحدّ الأدنى مضافاً إليه بدل النقل الذي ازداد أخيراً إلى 450 ألف ليرة عن كل يوم عمل، فإن الزيادة بلغت 21 مرّة.
وفي الواقع، إن الأجور مع بدلات النقل تساوي اليوم نحو 18.5 مليون ليرة بينما يفترض أن تبلغ 50 مليون ليرة قياساً على نسبة التضخّم. وفي حساب القوّة الشرائية للأجور، فإن الحدّ الأدنى كما هو عليه اليوم، مضافاً إليه بدل النقل، أصبح يشتري سلعاً وخدمات بنسبة 37.2% مما كان يشتريه في مطلع عام 2018.
كما أن الخسارة التي لحقت بمداخيل العاملين في القطاع الخاص، لا تقتصر على الأجور النقدية، إنما خسروا أيضاً تقديمات الصحّة والتعليم التي تمثّل جزءاً لا يتجزأ من الأجر الإجمالي للعمّال. فقد زادت أسعار التعليم، بحسب مؤشّر الإحصاء المركزي، بنسبة 3036% مقارنة مع نهاية 2018، والاتصالات بنسبة 2333%، والمحروقات 3498%.
رغم ذلك، كل ما اتُّفق عليه في لجنة المؤشّر منذ انفجار الأزمة لغاية اليوم، هو زيادة الحدّ الأدنى للأجور إلى 9 ملايين ليرة مقارنة مع 675 ألف ليرة في نهاية 2018، وزيادة بدل النقل من 8 آلاف ليرة إلى 450 ألف ليرة. ففي جلسة لجنة المؤشر الأخيرة، تذرّعت الهيئات الاقتصادية بتراجع الحركة التجارية، والخوف من تطوّر الحرب للامتناع عن البحث في رفع الحدّ الأدنى للأجور، بل وعدت بحسب مصادر اللجنة، بـ«إيجاد مخرجات جديدة في وقتها، على أن تكون الاجتماعات أكثر فاعلية عندما تتوقف الحرب العدوانية على غزة».
لا تغفل لجنة المؤشّر في بياناتها التذكير بمصالح أصحاب العمل، علماً أن مهمة اللجنة بحسب مرسوم تشكيلها 4206، الصادر عام 1981، هي: درس سياسة الأجور، وتقديم المقترحات والتوصيات الآيلة إلى مكافحة الغلاء، والحد من ارتفاع الأسعار. لكن ما يحصل مخالف لهذه المهمّة، إذ بدلاً من درس خطّة تعيد للعمال بعضاً من قوتهم الشرائية على مدار 19 جلسة خلال السنتين الماضيتين، جرى تسليف أصحاب العمل مهلة للنظر في تصحيح الأجور، بحسب تصريح لوزير العمل مصطفى بيرم يقول فيه إن عمل اللجنة اتّسم بـ«المرونة التي أدّت إلى تعديل بدل النقل، وسلّفت أصحاب العمل مهلةً لإعادة النظر في الحدّ الأدنى للأجور». عملياً، بدل النقل بدأ يصبح موازياً أو أكبر من أساس الراتب. ويقول بيرم لـ«الأخبار» إن «مهلة تعديل الأجور ليست مفتوحة»، مشيراً إلى أنه «في حال عدم الوصول إلى نقطة التقاء في المفاوضات مع أصحاب العمل، فالبدائل متاحة، لناحية تعديل المنح المدرسية».
بهذا النهج، يستمر التآمر على حقوق العمال من قبل من يدّعي تمثيلهم في النقابات العمالية. فقد امتنع رئيس الاتحاد العمالي العام عن الإجابة على أسئلة «الأخبار» بخصوص هذا «التسليف» من كيسهم لحساب أصحاب العمل من خلال «اتفاق ضمني مع الهيئات الاقتصادية على عدم إعطاء زيادة على الأجور الآن» وفق تصريحات عدد من أعضاء الهيئات الاقتصادية. في المقابل حضر أصحاب العمل في لجنة المؤشّر بقوّة، ووصف ممثلها في اللجنة نقولا شماس، الزيادة على بدلات النقل بـ«الكبيرة»، مؤكّداً «وجود اتفاق مع الاتحاد العمالي العام عليها قبل جلسة المؤشر، والعمال متفهّمون خطوة عدم الإقدام على رفع الأجور». يعتقد شمّاس أن رفع الأجور هو خطوة مماثلة «للإعدام»، ولا سيما أنها ستأتي «مع موازنة عام 2024 التي فرضت ضرائب إضافية على المؤسّسات». في الواقع، يحاول شمّاس دائماً التهرّب من تفسير العلاقة بين تصحيح الأجور والاستهلاك. فما يعاني منه التجّار من تراجع في المبيعات سببه أن أجور العمال أصبحت أدنى، وهذه معادلة يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند مناقشة مسألة تصحيح الأجور. لكن يكتفي شمّاس بالإشارة إلى أوضاع القطاع الخاص السيئة، إذ إنه «بعد ازدهار نسبي خلال فصل الصيف، عادت الأمور للتراجع بسبب الحرب في غزة وجنوب لبنان». ويُقدّر حجم تراجع النشاط الاقتصادي بعد عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين بـ70%، كمعدّل وسطي. أما الدولرة الشاملة، وعودة الدورة الاقتصادية والأرباح إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، فهما «لم تؤدِّيا إلى زيادة في الأرباح، فالأعباء التشغيلية زادت كثيراً، ولا سيّما فاتورة الطاقة».
الحكومة تحاول كسر المتقاعدين
لم يقدّم مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة حلّاً للموظفين أو للمتقاعدين، بل أجّل درس ملف تصحيح أجورهم «لمزيد من الدرس». مصادر العسكريين المتقاعدين تقول إن المفاوضات مع الحكومة وصلت إلى حائط مسدود بسبب إصرار المسؤولين على زيادة 3 معاشات فقط للمتقاعدين بذريعة «سقف محدّد للإنفاق وضعه المصرف المركزي». لذا، يرى هؤلاء أن مناورات الحكومة لا تهدف فقط إلى «كسر» المتقاعدين ودفعهم إلى التراجع عن تحرّكاتهم، بل الهروب من أصل فكرة تصحيح الأجور، أي تعديل سلسلة الرتب والرواتب عبر محاباة فئة على غيرها. فمشروع مرسوم الزيادة على الرواتب والمعاشات يقسّم القطاعات من دون أن يستند إلى معايير واضحة؛ فمن جهة استثنى القضاة والأساتذة من الزيادة، ومن جهة ثانية رفع من سقف التقديمات لموظفي الإدارة فقط. بمعنى آخر، يدفع المشروع نحو عودة الإضرابات إلى المدارس الرسمية كون المساعدة الشهرية التي يتلقاها الأساتذة تتوقف في أشهر الصيف. وهو يعطي الموظف في الفئة الثالثة مثلاً، 3 رواتب إضافية، وثمن 16 صفيحة بنزين شهرياً (بسعر ثابت للصفيحة يساوي مليوناً ونصف مليون ليرة)، بينما لا يعطي العسكر في الخدمة إلا 3 رواتب فقط بلا أي صفائح محروقات، ويعطي المتقاعدين من كل الفئات 3 رواتب فقط لتصبح معاشاتهم تساوي 15% من راتب الموظف في الخدمة بالرتبة نفسها.
يطالب المنبر القانوني للدفاع عن حقوق العسكريين المتقاعدين بوقف كل العطاءات والتقديمات لجميع القطاعات على اختلاف تسمياتها، وإقرار نسبة زيادة موحّدة وعادلة من القيمة الفعلية للرواتب والمعاشات وفق ما كانت عليه قبل عام 2019». ويبدي العميد المتقاعد أندريه بومعشر إيجابية تتمثّل في موافقة المتقاعدين على الحلول المنصفة، شرط الاتفاق على تصحيح متدرّج للأجور. ويسأل عن «كيف يمكن تبرير منح العسكريين المتقاعدين، وأهالي الشهداء والمعوّقين 30 دولاراً كزيادة على معاشاتهم، لتصبح بعد الزيادة 150 دولاراً، في حين يبلغ متوسط قيمة السلّة الغذائية في القرية 250 دولاراً، من دون احتساب باقي الأكلاف من إيجار وتدفئة وغيرها. وختم بومعشر محذّراً بـ«أنّ المتقاعدين ليس لديهم ما يخسرونه، ولا يمكن السيطرة على غضب الشعب المقهور».
فؤاد بزي – الاخبار