القاضي الذي طَرَد غادة عون مدّعٍ عامّ للتمييز بغطاء سياسي كامل
لم يعد هناك أيّ التباس مرتبط بهويّة القاضي الذي سيخلف مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات. ليل 22-23 شباط الجاري يشغر موقع النائب العامّ التمييزي ليصدر بعدها الرئيس الأوّل لمحكمة التمييز الجزائية القاضي سهيل عبود بالتوافق مع وزير العدل هنري خوري قرار تكليف رئيس محكمة التمييز القاضي جمال الحجّار على رأس الموقع القضائي الشاغر بغطاء سياسي كامل.
بعد أشهر من الأخذ والردّ والجدل الذي اتّخذ طابعاً طائفياً اتُّخذ القرار الحاسم بتكليف القاضي جمال الحجّار (65 عاماً) مكان القاضي عويدات. الحكومة التي جرؤت على إصدار قرار بتعيين رئيس أركانٍ من دون اقتراح ولا توقيع وزير الدفاع على المرسوم ليست بوارد تعيين مدّعٍ عامٍ أصيل.
رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي الحجار، خال معاون مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي هاني حلمي الحجار، معروف بكونه من القضاة الـ low profile. والدليل أنّ مناسبات محدودة جداً جَمَعته برئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي، ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري لا يعرفه شخصياً. لكنّ الرجلين أعطيا الضوء الأخضر لكي يكون “خليفة” غسان عويدات.
علاقة القاضي الحجار تكاد تكون نادرة مع السياسيين، وهو من “قضاة الحُكم” المتمرّسين بقانون أصول المحاكمات الجزائية، وخبرته الطويلة و”النظيفة” وحياديّته في المجال القضائي لا غبار عليها.
قد يكون هذا “البروفايل” من الأسباب التي جعلت وزير العدل، المحسوب على الفريق العوني، يوافق على قرار تكليف القاضي الحجار على رأس النيابة العامّة التمييزية، وهو الذي سبق أن أصدر قراراً من موقعه كرئيس مجلس تأديبي في أيار العام الماضي بفصل النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون من الخدمة بناءً على دعاوى قُدّمت ضدّها أمام التفتيش القضائي، مع العلم أنّ القاضية عون “استأنفت” قرار الطرد.
كان يفترض أن يترافق تكليف القاضي الحجار بمهامّ مدّعي عامّ التمييز مع سلّة انتدابات تطال بعض المواقع الشاغرة، لكنّ السلّة سقطت بعد تمسّك رئيس مجلس النواب نبيه برّي ببقاء القاضي فادي عقيقي مفوّضاً للحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة.
يقول مصدر قضائي موثوق لـ “أساس”: “خلال مسار التفاوض حول هويّة القاضي الذي سيخلف عويدات لم نلمس إصراراً أو تغطيةً من الرئيس برّي لتكليف المحامية العامّة التمييزية القاضية ندى دكروب، ابنة شقيقته وبوصفها القاضية الأعلى درجة بين قضاة التمييز، بمهامّ النائب العامّ التمييزي. في الواقع اشترط برّي فقط بقاء عقيقي، زوج القاضية دكروب، في مكانه. وهذا ما حصل وأدّى إلى تطيير سلّة الانتدابات برمّتها”.
لكن كيف تمّ تثبيت قرار تكليف القاضي الحجار بمهامّ مدّعي عام التمييز؟
وفق معلومات “أساس” قَصَد وفد من بعض النواب السنّة قبل نحو ثلاثة أسابيع السراي الحكومي للقاء الرئيس ميقاتي، ومعظمهم من الذين ضغطوا للتمديد للمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان.
حصلت الزيارة بعدما برز شدّ حبال له طابع طائفي حين اعتبرت القاضية دكروب نفسها صاحبة الأحقّية والأفضلية في تسلّم موقع النيابة العامّة التمييزية في مقابل حراك سنّيّ مضادّ رفض “إخراج” ثاني أرفع موقع قضائي من الحاضنة السنّيّة.
سمع هؤلاء من ميقاتي جواباً حاسماً: “بالعدلية متفقين”، قاصداً وزير العدل والقاضي عبود، و”القرار السياسي متّخذ ببقاء موقع مدّعي عامّ التمييز بعهدة قاضٍ سنّي ولا مجال لأيّ احتمال آخر”.
في لقاءاته كرّر ميقاتي اسم جمال الحجار “الأوفر حظّاً لأنّه من قضاة النيابة العامّة التمييزية وتكليفه هو الأسهل، وهو أحد أعلى القضاة السُّنّة درجة”.
يُذكر أنّ القاضي أيمن عويدات (سنّيّ) الذي طرح اسمه لانتدابه إلى النيابة العامّة التمييزية هو أعلى درجة من القاضي الحجار، لكنّه لم يعمل سابقاً في مجال “الجزاء”.
موقف برّي
تؤكّد معلومات “أساس”، وعلى الرغم من كلّ ما أُشيع في الآونة الماضية، أنّ الرئيس بري أفصح أمام زوّاره عن مدى حساسية الملفّ، خصوصاً في ظلّ انتقال موقع حاكمية مصرف لبنان (موقع ماروني) إلى نائبه الأوّل (موقع شيعي) وسيم منصوري وانتداب قاضي شيعي لمنصب قاضي التحقيق الأوّل في بيروت وهو منصب سني كان يشغله غسان عويدات قبل تعيينه مدعياً عاماً للتمييز. فكان قرار عين التينة: “لا تكرار لسيناريو حاكمية مصرف لبنان، ولا وقوف عند الاعتبار العائلي”، فيما اكتفى بري فقط بطلب تثبيت القاضي عقيقي في موقعه.
أمّا الحديث الذي تكرّر في الفترة الماضية عن احتمال تولّي المدّعي العامّ المالي القاضي علي إبراهيم (موقع شيعي) مهامّ النيابة العامّة التمييزية فبقي أسير تمنّيات البعض أو ضمن إطار “الزكزكة” السياسية ربطاً بـ “الدور” السياسي للنيابة العامّة المالية الذي طالما رُبِط بمرجعية عين التينة (الرئيس برّي)، ولأنّ النيابة العامّة المالية تبعاً للقانون هي وحدة خاصة تنشأ من النيابة العامة التمييزية، وفق قانون أصول المحاكمات الجزائية، وليست من ضمن هيكليّتها.
إخراج أم ماذا؟
في سياق الجدل حول اسم القاضية دكروب كان لافتاً ما سرّبته قناة “الجديد” قبل أيام عن عزم الرئيس بري الاجتماع بالقاضية دكروب لاستمزاج رأيها في تولّي مهامّ النيابة العامّة التمييزية بالوكالة.
فعليّاً، بدا الأمر للبعض بمنزلة “إخراج” يعكس التركيز على كون دكروب هي “الأَولى” بالمنصب، وهو ما استدعي حدوث “تسريبة” عن رغبة بري بمعرفة رأي القاضية، الذي يعرفه أصلاً، لكن فعلياً سينتهي الأمر بإعلان دكروب بأنّها “زاحت” من درب تكليف قاضٍ سنّي لهذا الموقع.
يقول نائب سنّي لـ “أساس”: “الرئيس بري كان حريصاً جداً على أن يشغل هذا الموقع قاضٍ سنّي، وهو موقف وطني نقدّره. وما طبّق على حاكمية مصرف لبنان لم يكن ممكناً أن يُطبّق على النيابة العامّة التمييزية لكثير من الأسباب”.
المصدر – أساس