بوتين يقلب الطاولة على الغرب بفضل زيلنسكي
يسجل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدرته على قلب الطاولة على اعدائه، المحليين والخارجيين، وقدرته على الخروج من مأزق واجه فيه غالبية دول العالم. وحين قرر بوتين استعمال السلاح ضد اوكرانيا، لم يكن يعتقد انه في 22 شباط من العام 2022 سيكون اليوم الذي ستدخل فيه روسيا في مواجهة طويلة الامد. وخسر الرئيس الروسي رهانه الاول بأن تشابه الحرب على اوكرانيا ما حصل معه في جورجيا، ولكن الرئيس الاوكراني فلوديمير زيلنسكي كان له رأي آخر، وفاجأ نطيره الروسي بقبوله التحدي والمواجهة على الرغم من كل الخسائر التي ستلحق بأوكرانيا. وجد بوتين نفسه اسير حرب سيطول امدها، وبدأ يعيش هاجس الرمال المتحركة التي علق بها الاتحاد السوفياتي السابق في افغانستان، ولكن كبرياءه منعه من التراجع، فأكمل حتى النهاية مع علمه بأنه سيتعرض لضغوط هائلة ميدانياً واقتصادياً ودبلوماسياً، وعلى الرغم من انه الحق الاذية بأوكرانيا، غير انه كان يتعرض بدوره لخسائر كبيرة.
اليوم، ومع نهاية نحو سنة ونصف السنة على اندلاع الحرب، انقلب الوضع، وما ان قرر الاوكرانيون تنفيذ هجوم مضاد كانوا يتوقعونه حاسماً لاستعادة بعض الاراضي والمناطق (من بينها ميلوتوبول والقرم نظراً الى اهمية الاولى كمركز اتصالات للروس، والثانية كمكسب معنوي مهم كونها الشرارة التي اطلقت الحرب)، وبالتالي تعزيز شروطهم في اي مفاوضات سلام قد تحصل لانهاء الحرب، حتى ظهرت قوة الروس على الارض. استند الاوكرانيون الى امرين اساسيين: الاول تزويد الغرب لهم بالطائرات القتالية لتعديل ميزان القوى مع الروس الذين عمدوا منذ اليوم الاول الى تحييد اي قدرة جوية للاوكرانيين (ما عدا الطائرات المسيّرة) وهذا بذاته اعطى افضلية كبيرة للقوات الروسية المسلحة، والثاني انحلال قوة “فاغنر” التي كانت العنصر الاساسي للاختراق الروسي للاراضي الاوكرانية، ناهيك عن الاسلحة المتطورة التي وعدهم بها. ولكن الواقع كذّب كل التوقعات، وبات عسكريون اميركيون يعترفون بأن الهجوم الاوكراني المضاد لم يقترب حتى من الوصول الى هدفه، وان صمود الروس يعد بمثابة انتصار لهم.
في الواقع، يتحمّل الرئيس الاوكراني جزءا ٍكبيراً من المسؤولية عما يحصل حالياً، فهو عديم الخبرة في الشؤون العسكريّة وحتى الدبلوماسيّة، ولكن التعاطي الدبلوماسي يمكن اكتسابه اما الخبرة والامور العسكريّة فلا يمكن اتقانها بين ليلة وضحاها. ومن المهم جداً ان يكون الرئيس، خصوصاً في حالات الحرب، محطّ ثقة ودعم للجنود، وهذا هو حال بوتين على عكس زيلنسكي. ولعل قدرة الرئيس الروسي على تخطي “الصفعة” التي تلقاها من “فاغنر” خير دليل على حجم ثقته واستعادته زمام المبادرة، لانّ خسارته لهذه القوة ولرئيسها ييفغيني بريغوجين لم ينعكس سلباً على الميدان.
باختصار، صحيح ان روسيا لم تحقق الاهداف التي اعلنت عنها قبل بدء الحرب، ولكنها تمكنت من الصمود ومنع الجيش الاوكراني من القيام بتقدم مهم على الجبهات، اي ان الجيشين باتا محصنين دفاعياً وضعيفين هجومياً، مع افضلية لروسيا لانها كسبت اراض لا يمكن لاوكرانيا استعادتها، والخسائر المادية والمعنوية لاوكرانيا اكبر بكثير، بعد ان تمكن بوتين من الوقوف نداً عنيداً للولايات المتحدة واوروبا على اكثر من صعيد وبالتحديد في الشأن الاقتصادي، حيث نسج علاقات متينة جداً مع الصين وافريقيا وبعض الدول العربية، عوّض من خلالها ايّ نقص مادي، فيما ضغط على اوروبا بمسألة النفط والغاز، وستعلو الصرخة الاوروبية مجدداً مع اقتراب فصل الشتاء.
احدث بوتين فرقاً في الحرب، وهو ما لم ينجح زيلنسكي في القيام به، ويمكن القول ان الاول استغل ضعف الثاني وقلّة خبرته في المجالات كافّة ليعزّز وضعه ويستعيد هيبة روسيا التي لن يسمح بكسرها مهما كلفه الامر.