إسرائيل تجهض فرص الاستقرار المستدام مع لبنان

كتب داود رمال في “الأنباء” الكويتية:
منذ توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية في 27 تشرين الثاني 2024، بدا للبنانيين أن صفحة جديدة قد تفتح في الجنوب، تعيد تثبيت معادلة الاستقرار التي اهتزت على وقع التصعيد المستمر منذ عام كامل.
الاتفاق الذي وضع برعاية أميركية وفرنسية، أريد له أن يشكل مدخلا لترتيب الوضع الحدودي وتثبيت وقف إطلاق النار بما يضمن أمن المدنيين على جانبي الخط الأزرق، ويمنع انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة. لكن الواقع الميداني يظهر أن الالتزام اللبناني الصارم بهذا الاتفاق لم يقابل من الجانب الإسرائيلي بالجدية ذاتها، ما يجعل الجنوب ومعه كل لبنان اليوم على فوهة انفجار جديد.
وقال مصدر وزاري لـ “الأنباء” الكويتية: “لبنان التزم بكامل بنود اتفاق وقف الأعمال العدائية، وعمل الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية على تنفيذ التعهدات المترتبة عليه، ولاسيما ضبط الجبهة ومنع أي خرق يمكن أن يستغل لتوتير الأوضاع. غير أن هذا الالتزام لم يجد ما يوازيه لدى الجانب الإسرائيلي، الذي واصل اعتداءاته اليومية على الأراضي اللبنانية جوا وبرا، متجاوزا كل الخطوط التي نص عليها الاتفاق، ومكرسا سياسة فرض الأمر الواقع بقوة النار”.
وأوضح المصدر أن “الاتفاق ينص بوضوح على انسحاب القوات الإسرائيلية كليا من الجنوب بعد مرور ستين يوما على بدء سريانه، غير أن إسرائيل لاتزال تحتل خمس تلال داخل الأراضي اللبنانية، لا بل تتوسع أكثر عبر استحداث مواقع جديدة، في خرق فاضح لجوهر الاتفاق وروحه، ما يجعل أي حديث عن تهدئة فعلية مجرد وهم. فهذه التلال التي ترفض الانسحاب منها تمثل نقاطا استراتيجية تمنحها قدرة برية على المراقبة والسيطرة، وتبقي الجنوب رهينة لتوازن خطير جدا يمكن أن ينهار في أي لحظة”.
وأشار المصدر إلى أن “إسرائيل، بدلا من أن تبادر إلى تنفيذ التزاماتها، ذهبت نحو مضاعفة اعتداءاتها وتهديداتها اليومية ضد لبنان، متذرعة بحجج أمنية واهية. فخلف هذا السلوك يتبدى نهج ثابت يرمي إلى إبقاء الوضع متفجرا، وإلى استخدام التصعيد العسكري وسيلة للضغط السياسي في الملفات الإقليمية، ما يجعل لبنان ساحة مفتوحة لرسائل القوة الإسرائيلية. وفي المقابل، يصر لبنان على التعامل مع هذه الاعتداءات ضمن إطار القانون الدولي، متمسكا بحقه في الدفاع عن أرضه من دون الانجرار إلى حرب يريدها العدو لإعادة خلط الأوراق”.
واعتبر المصدر أن “التعنت الإسرائيلي في رفض تطبيق الاتفاق يهدد بنسف ما تبقى من فرص لاستعادة الاستقرار على الحدود، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته في كبح هذا المسار التصعيدي. فإسرائيل تحاول تكريس منطق الإفلات من العقاب، فيما يواصل لبنان الدفاع عن سيادته ضمن منطق الدولة والقانون. وفي ظل هذا التباين الجذري، تبدو الأيام المقبلة مفتوحة على كل الاحتمالات، ما لم يتدخل الراعيان الأميركي والفرنسي لفرض تنفيذ الاتفاق بحذافيره وضمان الانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة”.
لقد بات واضحا أن إسرائيل، بتصعيدها المستمر، لا تكتفي بانتهاك اتفاق وقف الأعمال العدائية، بل تسعى إلى اختبار صبر الدولة اللبنانية واستنزاف مؤسساتها الأمنية، في محاولة لإضعاف موقعها التفاوضي لاحقا. غير أن تمسك لبنان بسيادته وبحقه المشروع في الدفاع عن أرضه، يعكس نضوجا سياسيا ومسؤولية وطنية تدرك أن أي تفريط بالحدود هو تفريط بالكيان نفسه. ومن هنا، فإن حماية الجنوب وكل لبنان واجب وطني ثابت في مواجهة دولة لاتزال ترفض لغة السلام وتؤمن فقط بمنطق العدوان.
