استهدافات إسرائيل ترعب طلاب جنوب لبنان

كتبت حنان حمدان في “الشرق الأوسط”:
«أشعر بالخوف كثيراً، في كل مرة يحصل فيها اعتداء إسرائيلي، وأكون فيها على مسافة بعيدة عن أمي وأبي وشقيقي، كل منا في مكان»، تقول نيرمين (15 سنة) الطالبة في إحدى مدارس بلدة كفرا الحدودية بجنوب لبنان.

وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «أفكر أنني قد أموت وأنا وحيدة، أو أن مكروهاً قد يصيبهم… بات الخوف يلازمني كخيالي».

فمنذ بدء العام الدراسي منتصف أيلول الماضي، يعيش أهالي غالبية القرى الجنوبية قلقاً إضافياً على أطفالهم الذين يخرجون يومياً إلى مدارسهم لتحصيل علمهم، رغم كل الظروف الأمنية الصعبة للغاية في البلاد، خصوصاً أن إسرائيل لا تزال تنفذ استهدافات شبه يومية في العمق اللبناني، رغم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ منذ فترة طويلة. يفتقد هؤلاء لـ«أمان» كانوا يشعرون به قبل عامين، وحولت الحرب المتواصلة المناطق الجنوبية، إلى مساحة قلق تمتد من الأطفال إلى جميع السكان.

تقول نيرمين: «زاد شعوري بالخوف أكثر بعد الاستهداف الذي طال قريتي كفرا قبل أيام قليلة، بتّ أفكر أنني قد أكون الضحية في المرة المقبلة، إذ إن إسرائيل لن تتوانى عن ضرب من تريده حتى لو كان موجوداً في مكان مكتظ، وهذا ما حصل بالفعل».

ففي اليوم الأول من شهر تشرين الأول، استهدفت مسيّرة إسرائيلية، سيارة في بلدة كفرا (قضاء بنت جبيل)، في الشارع العام للبلدة حيث المحال التجارية منتشرة على جانبي الطريق، ما تسبب بإصابة 5 أشخاص وسقوط قتيل، وفق وزارة الصحة اللبنانية.

تعلق نيرمين: «تثبت إسرائيل أنها لا تكترث لحياة المدنيين؛ كان يمكنها تفادي كل هذه الإصابات، لو أرادت ذلك حقاً»، مشيرة إلى أنها تعيش هاجس «أن أتشوه بشظايا استهداف قريب، أو أن أفقد بصري أو أطرافي، أو أن أصبح غير قادرة على المشي؛ هذا أكثر ما يشغل بالي».

مخاوف الأهالي
ومثل نيرمين أطفال كثر، يعيشون الخوف بكل تفاصيله وأشكاله وتأثيراته، ويمارسون طقوسه بصمت، لا سيما في أوقات تنقلهم إلى المدرسة ومنها، حيث يتلقون دروسهم. أمّا الأهالي فإنهم ليسوا في حال أفضل بكثير. فالقلق والخوف على أبنائهم من خطر القصف الإسرائيلي يزدادان مع الوقت.

«هو خوف مضاعف ولا يمكن وصفه بكلمات»، تقول لِيا فواز لـ«الشرق الأوسط». وتضيف: «نقف عاجزين أمام كل ما يجري لنا. لا يمكنني ترك أطفالي بلا مدرسة، وفي الوقت نفسه، لا يمكن لي أن أحميهم من مخاطر القصف الإسرائيلي الذي يطول المنطقة يومياً هنا». ورغم ذلك ترسل لِيا أطفالها يومياً إلى «المدرسة والمجهول معاً».

نعيش حرباً مفتوحة
لِيا، هي أم لطفلين ماريا (8 سنوات) وحيدر (5 سنوات)، تمتهن التمريض منذ سنوات طويلة، عاشت تجربة استهداف مستشفى تبنين الحكومي الذي تعمل فيه، مرات كثيرة، وكان آخرها قبل أيام قليلة على مدخل المستشفى.

تقول: «هذه التجربة جعلتني أشعر بالخوف أكثر، وأجد أن خطر الاستهدافات قريب مني ومن أطفالي للغاية، وكذلك من أي شخص نعرفه؛ قد يطولنا الضرر جميعاً، نحن نعيش حرباً مفتوحة على كل الاحتمالات».

ولا يختلف حال منى التي تسكن بلدة كفررمان في النبطية كثيراً، تروي لـ«الشرق الأوسط» كيف تودع أطفالها يومياً قبل الخروج إلى المدرسة، وتقول: «لا نعلم إن كانوا سيتمكنون من العودة إلينا أم أن مكروهاً قد يصيبهم، وإن عادوا، ربما سنكون نحن مَن أصابنا الضرر… حالتنا صعبة للغاية». وتضيف: «لا يمكننا وصف حجم القلق الذي نعيشه نحن وأطفالنا؛ الخوف بات يأكلنا».

ومنى أمّ لثلاثة أطفال، تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عاماً. تذكر كيف استفاق ابنها الصغير عند ساعات الفجر الأولى ليقول لها إنه يشعر بالخوف، بعدما دوّت سلسلة غارات جوية استهدفت منطقة النبطية فجراً، وكانت قريبة من منزله.

«كائنات متجمدة»
تنزح منى منذ نحو عامين بعدما دمر الجيش الإسرائيلي منزلها في حولا، ويمنعها راهناً من العودة إلى أرضها، وتقول: «هذا الرعب شبه اليومي حوّلنا إلى كائنات متجمدة بلا ابتسامة ولا فرح، والأسوأ أننا متروكون لمصيرنا ومهمشون. حُرمنا من منازلنا وأرضنا وخسرنا أحباباً لنا».

وتعلق: «لم نعد نقوى على تحمل أي أمر سيئ. نحن في حالة انتظار دائم» وتختم: «كنا أمام خيارين؛ إما ترك أطفالي في المنزل خوفاً من أن يصيبهم مكروه وإما إرسالهم إلى المدرسة كي لا يخسروا عامهم الدراسي».

حالة قلق عامة
ومثلها، تعيش هلا من بلدة ميفدون (النبطية) وعائلتها حالة القلق على طفلين خلال فترة تنقلهما في حافلة المدرسة. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما تكون الاستهدافات في منطقة النبطية من الأعنف على الإطلاق، ورغم ذلك نغامر بإرسال الطفلين إلى المدرسة، لأن هناك برنامجاً مدرسياً وعلينا الالتزام به»، ولكن تبقى هناك استثناءات، إذ «لم نرسلهما قبل أيام إلى المدرسة خوفاً من تصعيد محتمل بعد تنفيذ سلسلة ضربات».

ولا تبعد مدرسة أشقاء هلا كثيراً عن المنزل، مسافة 10 دقائق فقط، حسبما تقول، وتعلق: «رغم ذلك، فهما يخافان. لا يريدان الابتعاد عنا، أو البقاء وحدهما في غرفة». هذا الخوف تراكمي، بدأ يظهر بشكل واضح عليهما بسبب أصوات القصف والطائرات الحربية، لا سيما عندما تحدث الاستهدافات ليلاً.

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى