فلسطين تبحث عن ترجمة عملية للاعترافات الدولية

كتبت أورور كرم في “نداء الوطن”: لا يمكن لأحد أن يغفل أن استبسال الشعب الفلسطيني في سبيل انتزاع حقه الطبيعي بدولة ترعى شؤونه وشجونه، يشكّل ملحمة نضالية متواصلة تُكتب فصولها منذ أكثر من 75 عامًا. فمنذ نكبة 1948 وحتى اليوم، لم يتوقف الفلسطينيون عن تقديم التضحيات جيلًا بعد جيل، ما أبقى قضيّتهم حيّة وحاضرة على أجندة العالم رغم محاولات الطمس والتهميش. وهذا ما يفسّر حجم الفرح الشعبي الذي رافق الموجة الأخيرة من الاعترافات بالدولة الفلسطينية، والتي انخرطت فيها دول بارزة خلال الأيام الماضية، أبرزها بريطانيا وفرنسا.

لكن لهذه الاعترافات دلالات تاريخية أبعد من كونها مجرّد مواقف سياسية. فالفلسطينيون يدركون أن قيام دولة إسرائيل لم يكن ممكنًا لولا الدور المحوري الذي لعبته بريطانيا وفرنسا في بدايات القرن العشرين، بدءًا من وعد بلفور، الذي منح الحركة الصهيونية شرعية سياسية، وصولًا إلى اتفاقية “سايكس بيكو”، التي رسمت حدود المنطقة وفق مصالح الدول الاستعمارية الكبرى.

إلّا أن بريطانيا اليوم لم تعد بريطانيا الأمس، وفرنسا الراهنة ليست فرنسا التي كانت تمسك بخيوط التوازنات الإقليمية. كذلك، فإن ميزان القوى الدولي تغيّر جذريًا مع صعود الولايات المتحدة إلى موقع القوة السياسية والاقتصادية الأولى في العالم، ما جعلها اللاعب الأكثر تأثيرًا في مسار القضية الفلسطينية.

وعليه، فإن الاعترافات الأخيرة، على أهميّتها الرمزية والمعنوية، تبقى متأخرة إلى حدّ كبير وغالبًا مشروطة بشروط صعبة التحقيق: من إنهاء دور حركة “حماس” في غزة، ووقف الحرب الدائرة هناك، إلى الإفراج عن الأسرى، والعودة إلى مسار تفاوضي شامل. هذه الشروط، التي تردّدت منذ 7 تشرين الأوّل 2023، لم تجد حتى الآن أي خطة عملية واقعية لتحقيقها. وحتى الخطط التي طُرحت في الأوساط الدبلوماسية لما بعد الحرب، بقيت أقرب إلى التصوّرات النظرية منها إلى البرامج التنفيذية القابلة للتطبيق.

من هنا، يبدو واضحًا أن الدولة الفلسطينية لن ترى النور فعليًا إلّا من خلال حلّ عملي وشامل، يستند إلى اتفاق بين الأطراف المتصارعة. فإسرائيل التي يقودها اليوم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بخطابه الرافض لأي دولة فلسطينية، تواجه على الطرف الآخر “حماس” ومعها راعيتها الإقليمية، أي إيران، وهو ما يجعل أي اتفاق مستقبلي مستحيلًا من دون رعاية إقليمية وازنة كالمملكة العربية السعودية، وضمانة دولية أساسها الولايات المتحدة. إلّا أن العقبة الجوهرية تكمن في أن “حماس” وإيران لا تعترفان بحق إسرائيل في الوجود، وهو ما يدفع حكومة نتنياهو إلى مزيد من التشدّد والتصعيد، تحت شعار إنهاء الحركة وإضعاف طهران من خلال الساحة الفلسطينية.

والمفارقة أن الأنظار، على الرغم من تهافت الدول لإعلان اعترافها بفلسطين من على منبر الأمم المتحدة في نيويورك، كانت شاخصة نحو الاجتماع الذي ترأسه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة، بمشاركة قادة ومسؤولين من دول عربية وإسلامية. وجوهر هذا الاجتماع، الذي وصفه ترامب بأنه “الأهمّ”، بدا أقرب إلى البحث عن حلول عملية وأكثر جدّية من الاعترافات الكلامية التي تفتقد إلى آليات تنفيذ واضحة.

في الخلاصة، لا ينقص فلسطين اعترافات جديدة لتصبح قائمة، فهي قائمة فعليًا بنضال شعبها وصمود أبنائها. لكن ما ينقصها اليوم هو الحلول العملية والشاملة التي تكفل قيام الدولة على أسس صلبة وتؤمّن للفلسطينيين مستقبلهم وأمنهم واستقرارهم. لعلّ ما جرى في أروقة الأمم المتحدة، وما دار في اللقاءات الجانبية على هامشها، يشكّل فرصة أولى لتأسيس مسار جدّي نحو الحلّ المنشود، شرط أن تُترجم الأقوال إلى أفعال، وأن تتلاقى الإرادات الدولية والإقليمية على رؤية واقعية تُنهي الصراع المستمرّ وتفتح الطريق أمام الدولة الفلسطينية.

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى