روبوت يجري عمليات طبية في لبنان.. هل دخلنا عصر “الجراحة الروبوتية”؟

في زمنٍ تتراجع فيه الخدمات العامة وتتآكل البنية الصحية في لبنان، يبرز خبر إجراء أول عملية استئصال للقولون بمساعدة روبوت في مستشفى “أوتيل ديو دو فرانس” كحدثٍ لافت، لا فقط من حيث الإنجاز الطبي، بل لأنه يكشف مفارقة صارخة: كيف يمكن لنظام صحي مأزوم أن يحتضن واحدة من أكثر تقنيات الطب تطورًا في العالم؟

العملية التي أجراها الدكتور مايكل العسيس والفريق الطبي باستخدام نظام الجراحة الروبوتية Versius، لا تمثّل حدثًا تقنيًا فحسب، بل تشكل مؤشرًا نادرًا على بقاء جذوة الابتكار حية في قلب الانهيار.

لبنان كان، لعقود، رائدًا إقليميًا في الطب والاستشفاء. مستشفياته الكبرى كانت قبلةً للمرضى من دول الجوار، وكلياته الطبية خرّجت أسماء لامعة. لكن منذ أواخر العام 2019، دخل القطاع الصحي نفقًا مظلمًا: انهيار قيمة الليرة، هجرة الأطباء والممرضين، نقص في الأدوية والمستلزمات، عجز المستشفيات الحكومية، وتراجع التغطية التأمينية.

وسط هذا الواقع، يُصبح إدخال تقنية روبوتية متطوّرة تحديًا هائلًا، بل عملًا أشبه بالمقاومة العلمية. فأنظمة كهذه تتطلب حسب مصدر طبي تواصل معه “لبنان24″، التالي:
منظومة تأمين صحي تواكب الكلفة التكنولوجية.

-بنية تحتية كهربائية مستقرة (وهي شبه غائبة).
-فرق طبية مدرّبة على مستوى عالٍ.
-تمويل مستدام لشراء الصيانة والمعدّات.
-منظومة تأمين صحي تواكب الكلفة التكنولوجية.

وبالرغم من ذلك، نجح “أوتيل ديو” في تأمين هذه المعادلة ، وإن بشكل محدود ، ليؤكّد أن التطور ممكن، لكنه محكوم بجغرافيا الامتيازات، لا بحق المرضى كافة.

لا يمكن الحديث عن الجراحة الروبوتية بمعزل عن واقع الوصول الصحي في لبنان. فبينما تُنجز هذه العمليات المتطورة في بعض المستشفيات الخاصة، تعاني المستشفيات الحكومية، ويُترك مئات المرضى يوميًا ينتظرون على أبواب الطوارئ أو يموتون قبل أن يحصلوا على موعد.

الأصعب أن التقنيات الحديثة، رغم فوائدها العلمية الكبرى، تبقى كلفتها خارج متناول الغالبية العظمى من اللبنانيين، لا سيما بعد تراجع قيمة التغطيات من الضمان والتأمين والمؤسسات الضامنة، ما يجعل الوصول إليها حكرًا على القادرين فقط.
رغم محدودية القدرة الاستيعابية، تُظهر خطوة مستشفى “أوتيل ديو” أنّ الإرادة الطبية والتعليمية لا تزال حاضرة في لبنان، وأنّ بعض المؤسسات، رغم الصعوبات، تسعى لأن تكون جسرًا نحو المستقبل، لا مرآةً للانهيار.

لكنّ التحدي الحقيقي ليس في “إدخال التكنولوجيا”، بل في “تعميم فائدتها” وضمان استمراريتها. إذ من دون، خطة وطنية للصحة الرقمية والتقنيات الذكية، ودعم حكومي واضح للبحث والتطوير في الطب، وشراكات استراتيجية مع الجامعات ومراكز التدريب، ستبقى هذه الإنجازات مقطوعة عن الواقع العام، ولا تؤثّر إلا في محيط ضيّق من المرضى المحظوظين.

ما حدث يؤكد أن لبنان لا يزال يملك كفاءات بشرية وعلمية قادرة على اقتحام المستقبل. لكن في الوقت ذاته، يكشف حجم الهوة في القطاع الصحي الرسمي والخاص، وحتى اللبناني والعربي والعالم، بين من يملك القدرة على جلب أحدث التكنولوجيا، ومن لا يملك حتى القدرة على شراء كمامة أو توفير كهرباء لغرفة عمليات.
التكنولوجيا وحدها لا تصنع طبًا عادلًا. والابتكار، مهما كان لامعًا، لا يُترجم إلى عدالة صحية ما لم يُصاحب بإرادة وطنية، تُخرج الصحة من منطق “الامتيازات”، وتُعيدها إلى أساسها الأول: حقٌ للناس كافة… لا ترفٌ للمقتدرين فقط.

المصدر: خاص لبنان ٢٤

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى