الموسم خسر 40 % من زخمه وحركة المغتربين والمهرجانات ملأت الفراغ

كتبت رماح هاشم في “نداء الوطن”:
تلقّى الموسم السياحي في لبنان مع بداياته ضربة موجعة من خلال الحرب التي نشبت بين إسرائيل وإيران، مما أدى إلى زعزعة الثقة بالوضع الأمني في لبنان والمخاوف من انخراط “حزب الله” في هذا الصراع، وبالتالي فإن إلغاء الكثير من الحجوزات أدّى إلى تراجع الآمال في موسم سياحي استثنائي كان المعنيّون بهذا القطاع يُعوّلون عليه. ولكن مع انحسار الحرب وتراجع المخاوف، بدأت الدعوات لتمديد الموسم السياحي وتعويض ما فات تتوالى، فهل لا تزال فرص التعويض متاحة، ام سبق السيفُ العزل؟
رغم الحركة السياحية الناشطة، سيّما في قطاع المطاعم، والتي يُشكّل المغتربون اللبنانيون أحد أبرز ركائزها، فإنّ ما كان يعوّل عليه في هذا الموسم من إيرادت جيدة للخزينة والاقتصاد قد تبدّد إلى حدّ ما.
رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري طوني الرامي قال لـ “نداء الوطن”، إنّه “يمكن اعتبار عيد الأضحى بمثابة “بروفا” لموسم الصيف. فقد تبيّن لنا خلال عطلة الأضحى أنّ الدورة السياحية كانت عمومًا ناشطة جدًا، من مكاتب السياحة والسفر ومكاتب تأجير السيارات حيث تمّ استئجار 8 آلاف سيارة، وكانت نسبة الإشغال على مدى خمسة أيام متتالية بين 70 و80 في المئة، ونسبة الحجوزات في الفنادق تجاوزت نسبة الـ 85 في المئة، وكانت الحركة ناشطة في بيوت الضيافة، وأكثر من ممتازة في قطاع المطاعم على مدى 5 أيام متتالية، وشهدنا حضورًا لافتًا للكويتيين والقطريين والإماراتيين بالإضافة الى سياح من الاردن والعراق، في حين كان عدد المغتربين أقل من العادة لأن المدارس لم تكن قد أقفلت أبوابها بعد في الخليج، إنما كانت “بروفا” إيجابية جدًا، وكذلك المؤشرات بأن الصيف سيكون واعدًا، كما أن الحجوزات في الفنادق كانت مدفوعة مسبقًا، وتفاوتت حينها نسبة الإشغال في الفنادق الـ 80 في المئة لشهر تموز”.
الاستقرار الأمني
يتابع الرامي: “للأسف اندلعت الحرب الإقليمية، واليوم لدينا من جهة الاستقرار الأمني والسياسي ومن جهة أخرى السياحة، وهما توأمان لا يفترقان، فمن دون استقرار سياسي وأمني لا يُمكننا جذب السائح أو المستثمر، لأن الاستقرار السياسي سيؤدي حكمًا إلى استقرار مالي واقتصادي، ومن هنا نرى أن المستثمر يتوجه إلى لبنان. كما أن المستثمر مهم جدًا وبنفس أهمية السائح، لأنه يستثمر في مرافق سياحية حيوية، وينقل صورة لبنان الجميلة، ويكون عامل جذب أساسي للسياح الذي يزورون لبنان، سواء في الفنادق أو المطاعم أو بيوت الضيافة.
للأسف عدنا وشهدنا تراجعًا في الحركة”، لافتًا إلى أنّ “لدينا أربعة أسواق في لبنان، الاغتراب من الخليج، والاغتراب من مسافات بعيدة، الإخوان العرب ويمكن أن نقسمهم إلى الخليج العربي أي الكويت وقطر والسعودية والإمارات من جهة، والعرب من جهة أخرى، أي الأردن والعراق ومصر، بالإضافة إلى الأسواق الأوروبية. اليوم للأسف نعمل على الاغتراب في الخليج لأنهم الأقرب الى لبنان ويعرفون الواقع، ويملكون منازلهم وسياراتهم وأهلهم. لكننا في المقابل خسرنا المغتربين من مسافات بعيدة والخليجيين والأوروبيين بسبب استمرار الحظر”.
موسم مقبول
يضيف: “يمكن القول إن موسم الصيف مقبول ونعيش أيامًا جميلة والحركة ناشطة في المطاعم في نهاية الأسبوع، والمهرجانات والحفلات والنشاطات بقيت قائمة. وهذا أمر مهم يُسهم في تنشيط السياحة الداخلية وبيوت الضيافة، فقد لاحظنا ان الحركة جيدة في بيوت الضيافة والفنادق في المناطق التي تنظم مهرجانات مثل غلبون وإهدن والأرز. لكن للأسف، لم يكن موسم الصيف كما كان متوقعًا، بسبب الوضع الأمني الإقليمي من جهة، والوضع الأمني والسياسي الداخلي. ونقرأ في الصحف أنه في حال لم تُفرَج سياسيًا ولم يتم تطبيق القرارات الدولية والورقة الأميركية – الإسرائيلية الجاهزة على الطاولة، عندها قد نشهد حربًا. ثمّة “نقزة” أمنية في الداخل والخارج، خصوصًا أننا لا نملك سوى مطار واحد أيضًا بسبب اضطراب حركة الطيران خلال الحرب الإقليمية”.
ترّقب يومي
وتمنى الرامي أن تمرّ هذه الفترة بسلام، ويقول: “نترقب الأوضاع يوميًا وقد أعلنا جهوزيتنا خلال الاحتفال في فندق “فينيسيا” كي يكون لدينا صيف واعد، وكان الاحتفال لافتًا حيث وقف أصحاب المطاعم على الدرج والتقطوا صورة أيقونية وأعلنوا جهوزية قطاعهم، لكن رغم الإيجابية هذا هو واقع الحال اليوم وهذه هي النسبة المتوفرة”.
أما عن الفرق بين هذا العام والعام المنصرم فيرى الرامي أنه “في العام الماضي كنا في حرب إسناد ولم نكن قد دخلنا بعد الحرب الشاملة. هذا العام يشبه الموسم الماضي. لم تظهر نتائجه بعد لكن يمكن القول إن الموسم تأخر لكن لم ينتهِ بعد، وقد نشهد انفراجًا سياسيًا بين يوم وآخر. لبنان بلد العجائب. وفي حال الإنفراج سيكون شهر آب مميزًا، وتُفرج عندها أمامنا بشكل مستدام. لن نتوقف أمام موسم ضاع، لأن أصحاب القطاعات السياحية يتميزون ببعد النظر، المطلوب سياحة مستدامة تليق بلبنان، لأنه بلد غني بتنوعه السياحي وشعبه محبّ الحياة، ومؤسساته تقدّم الجودة والنوعية والضيافة وحسن الاستقبال. اليوم توجّه الأنظار نحو الاستدامة وراحة البال في السياسة والأمن”.
عجيبة لبنانية
من جهته، يرى رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر أنّ “الأمور بدأت باستهداف الضاحية الجنوبية لبيروت وكانت ضربة قاسية طالت نحو 7 أبنية سكنية، في الوقت الذي صادف فيه عيد الأضحى والذي تأملنا فيه خيرًا، وكانت بيروت تعجّ بالناس. هؤلاء غادروا بيروت وأخبروا بما رأوه والوضع في لبنان. ومن ثم تلتها الحرب التي دامت 12 يومًا بين إيران وإسرائيل وأدّت إلى فوضى في الطيران وألغيت رحلات جوية وأقفلت أجواء، وبعض الشركات ألغت الحجوزات، فأصبح من يشتري تذكرة يدفع ثمنها مرتين أو حتى ثلاث مرات. كل هذه القضايا وكل الحروب التي شهدناها هي بمثابة حرب على السياحة، لأن السجالات الموجودة في البلد والتهديدات والقصف الإسرائيلي اليومي يؤخر أمنياتنا وأحلامنا والواقع الذي كنا نعيشه”.
ويعتبر الأشقر أنّه “عندما تفاءلنا خيرًا بموسم الصيف واعتبرنا أنه سيكون واعدًا، كانت الضربات الإسرائيلية خفيفة ومحدودة ومحصورة في مناطق معينة. اليوم انتشرت في كل لبنان. لهذا السبب يمكننا القول إن العجيبة اللبنانية ما زالت قائمة لكنها ليست على مستوى الآمال التي عقدناها، ولا على مستوى أمنياتنا وتقديراتنا أو على قدر الحجوزات التي كانت موجودة”.
وعن إلغاء الحجوزات يجيب الأشقر “نداء الوطن”: “في فترة زمنية معينة ألغيت كل الحجوزات قريبة المدى، لأن الطائرات لم تكن تتمكن من الوصول الى لبنان وهذا يعني ان كل شيء ألغي. أما الحجوزات بعيدة المدى، فلم يتم إلغاء الكثير منها”.
تدني التوقعات
وعن الحجوزات الحالية، يشير الأشقر إلى أنها “أدنى بنسبة 40 في المئة مما كنا نتوقع. فالفندق الذي كنا نتوقع أن يكون إشغاله مئة في المئة أصبح اليوم 60 في المئة، والذي كنا نتوقع له الـ 60 في المئة هو اليوم بنسبة 20 في المئة”.
ويؤكد الأشقر أنّ “كل الأمور مرتبطة بالأمن والسياسة والمفاوضات القائمة، وحتى مرتبطة بأي خبر يصدر عن صحيفة أو حدث يُبث عبر شاشات التلفزة، كلها عوامل قد تكون إيجابية أو سلبية”.
انطلاقة ضعيفة
من جهته، يشير الأمين العام لاتحادات النقابات السياحية جان بيروتي لـ “نداء الوطن” إلى أنّ “عيد الأضحى شكّل منطلقًا للموسم السياحي الذي اعتدنا عليه، ثم جاءت الحرب الأميركية – الإيرانية – الإسرائيلية وألغت العديد من الرحلات الجوية والحجوزات، وأثرت ليس فقط على بيروت بل على المنطقة ككل، لكن الحمدالله لم يكن للبنان أي دخل بها وانتهت بسرعة. كما أن المنطقة كلها تعيش على وقع تغيير كبير في الخريطة نعيشها اليوم وكل يوم، وهذا ما جعلنا نخسر نحو 40 في المئة من الموسم السياحي نتيجة إلغاء الرحلات الجوية والحظر من المجيء إلى لبنان وغيرها من الأمور”.
ويعتبر أنّ “الانطلاقة اليوم ضعيفة وليست على مستوى ما كنا نتمناه في البداية، ولم يتبق من الموسم أكثر من شهر ونصف، لأن الجميع بعد 15 آب يصبح لديه التزامات في الخارج ويضطر للسفر مجددًا”.
مطالب القطاع
ويرى بيروتي أنّ للقطاع مطالب عديدة في ما يتعلق بالموسم السياحي: “المدارس في لبنان تبدأ في تشرين الاول، نريد أن نسير على هذه الرزنامة وأن يكون الموسم السياحي 4 أشهر بدلًا من شهر ونصف. بانتظار انتهاء الامتحانات الرسمية وننطلق مجددًا في الموسم السياحي، تبدأ المدارس في نهاية أيلول. من لديه التزامات خارج لبنان ويريد تقديم البكالوريا الفرنسية، تبدأ الصفوف التي لديها التزامات وليس كل المراحل الدراسية تبدأ في مطلع أيلول، وتضرب الموسم السياحي، خاصة وأننا نتحدث عن قطاع يُشكل 20 في المئة من الدخل القومي ويُعتبر أكبر مشغل في البلد، وبالتالي من الضروري طرح هذا الموضوع إذ لا يجوز استمرار الوضع على ما هو عليه.
ويعتبر بيروتي أن “لا سياحة أيضًا في غياب الاستقرار المستدام. ولبنان يزوره عادة اللبنانيون الذين يعملون في الدول العربية لقضاء عطلة الصيف مع عائلاتهم، واللبنانيون الذين ما زال لبنان محفورًا في دمهم يحاولون المجيء كل عام، إلا أن كلفة تذاكر السفر المرتفعة والظروف تمنعهم من المجيء. كل هذه الأمور يجب أن تكون موضع بحث بغية وضع استراتيجية واضحة ومناقشتها مرة لكل المرات، وتبيان ما هو السيئ أو الجيد لهذه القطاعات. لا يجوز أن نستمر بهذه الطريقة ولا أحد يسأل أو يبالي بالاقتصاد”.
ماذا بقي من الموسم السياحي؟ يُجيب: “بقي نحو شهر، والحمدلله أن زيارة الموفد الأميركي توم برّاك مرّت على خير، وقد تمّ ترحيل الموضوع إلى ما بعد شهرين من الآن. لعله خير، ونتمنى أن تكون هناك ضغوطات”، مشيرًا إلى أن “رؤساء الجمهورية والحكومة والنواب لا يوفرون جهدًا لإيجاد ضمانات لإبعاد شبح الحرب والاعتداءات الإسرائيلية عن لبنان، لكن آن الآوان لمرة واحدة أن نبحث في موضوع استراتيجي عن مستقبل القطاع السياحي وكيفية مساعدة أنفسنا لدفع الناس للمجيء إلى لبنان”.