لبنان أمام لحظة الحسم… فهل اقتربت المواجهة؟!

تعود الأنظار مجدداً إلى بيروت، حيث يتقاطع المسار الدبلوماسي مع شبكة التوترات اللبنانية الداخلية، في لحظة مشحونة بالتوازنات الدقيقة والرهانات الكبرى. ومع إنجاز الردّ الرسمي اللبناني على الورقة الأميركية، تتكثف التساؤلات حول المضمون الفعلي لهذا الرد، في ضوء تسريبات أشارت إلى أن مسؤولين في “حزب الله” وصفوه بـ”الاستسلامي”، معتبرين أنه ينطوي على تنازلات تمسّ جوهر معادلة المقاومة.

بحسب مصادر مطلعة، فقد تولّت لجنة سياسية – أمنية برئاسة الرؤساء الثلاثة إعداد الرد، الذي صيغ بعبارات متأنّية تستبعد المواجهة المباشرة مع واشنطن، وتعتمد بدلاً منها مقاربة “تقنية تفكيكية” تطرح استفهامات وشروطاً واضحة تتصل بالضمانات لجهة الانسحاب الإسرائيلي، وتوازي المسارات الأمنية مع ملفات الإعمار والنازحين. غير أن مضمون الرد، وفقاً لما تسرّب لبعض الأوساط الإعلامية، لم يلقَ ترحيباً من جانب “حزب الله”، الذي اعتبر أنه يتجاهل جوهر معادلة الردع، ويُقدّم الورقة الأميركية على أنها أرضية تفاوض قابلة للتنازل، لا ورقة شروط مسبقة.

في هذا السياق، توضح مصادر سياسية مطّلعة أن رئيس الجمهورية جوزاف عون يتعامل مع المبادرة الأميركية بمنطق واقعي، إذ يوازن بين ضرورات الحفاظ على الاستقرار الداخلي وبين الضغوط الخارجية المتصاعدة. هذا التوازن ينعكس في الدور المحوري الذي يتولاه رئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي يعمل كضامن للتواصل المفتوح بين الدولة و”الحزب”، ويسعى إلى منع الانزلاق نحو قطيعة تُفقد المعادلة الداخلية تماسكها.

في المقابل، تتعامل واشنطن مع الرد اللبناني المرتقب كاختبار للنوايا. فالمبعوث الأميركي توماس براك، لن يكتفي بتسلّم الوثيقة، بل سيتولى تقييم المناخ السياسي العام ومدى قابلية الفرقاء اللبنانيين للسير في خارطة الطريق التي تقترحها واشنطن، والتي تشمل نزعاً تدريجياً للسلاح في مقابل انسحاب إسرائيلي ودعم اقتصادي وإقليمي.

لكن خلف هذه الدينامية الدبلوماسية، برز ما وصفته مصادر شديدة الاطّلاع  بأنه إحدى أوراق “التهويل السياسي” المستخدمة أميركياً في الكواليس، ويتمثل في التلويح بإحالة ملف سلاح “حزب الله” على مجلس الأمن الدولي، ووضعه تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛ وهو بند يتيح للمجتمع الدولي التدخل عبر إجراءات ضاغطة قد تصل إلى الطابع العسكري، في حال اعتُبر أن سلاح “الحزب” يشكّل تهديداً للأمن والسلم الدوليين.

وتشير المعلومات المتوافرة إلى أن هذا الخيار، وإن لم يُطرح علناً حتى الآن، يُناقَش كواحد من المسارات المفتوحة في حال استمر تمسّك “الحزب” بسلاحه خارج إطار الدولة. وتضيف المصادر أن رئيس الجمهورية جوزاف عون لا يمتلك الكثير من الخيارات العملية، سوى الضغط السلمي المنظّم لدفع “الحزب” نحو تسوية. إلا أن الرهان على الوقت، الذي يفضّله الرئيس حتى اللحظة، قد لا يستمر طويلاً، وفق المصادر، وذلك في ظلّ تصاعد الضغوط الداخلية والإقليمية والدولية.

وبحسب المعطيات، فإن الرئاسة أمام ثلاث  خيارات: إما الوصول إلى تفاهم يؤدي إلى تسليم السلاح ضمن جدول زمني، أو اللجوء إلى الأمم المتحدة بطلب رسمي، أو اتخاذ خيارات داخلية تُفهم كتحرّك احتجاجي عالي السقف. وفي حال لم يُحسم الاتجاه، تخشى المصادر أن يتحوّل الملف من مسألة داخلية إلى بند دولي يُفرض على الدولة اللبنانية نفسها، بصيغ تُفقدها القدرة على التحكم بالمصير السياسي والمؤسساتي.

في هذا الإطار، جاء موقف “الحزب” واضحاً عبر خطاب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، الذي شدّد على أن سلاح المقاومة “ليس مطروحًا للنقاش” طالما بقي الاحتلال واستمرّت الاعتداءات الإسرائيلية، رافضاً أي مسعى للفصل بين المسارات الأمنية والسيادية. ومع ذلك، تتحدث بعض الأوساط عن أن “الحزب” بدأ مراجعة داخلية لتقييم التحديات المقبلة، من دون أن يعني ذلك وجود نية للتنازل، بل إعادة تموضع تواكب الضغوط والتطورات.

أما المشهد الميداني، فيبقى عامل ضغط إضافي. إذ إنّ العدوان الإسرائيلي لم يتوقف منذ اتفاق وقف النار. ولعلّ هذا الواقع يعزّز خطاب “الحزب” الذي يعتبر أن الحديث عن نزع السلاح في ظل استمرار العدوان هو طرح لا واقعية فيه، بل محاولة لتجريد لبنان من أوراق قوته قبل ضمان شروط الحماية والسيادة.

ووسط هذا السياق، تتداخل الاعتبارات السياسية بالإقليمية، فيما يبقى الدور السعودي حاضراً من خلال زيارة يزيد بن فرحان، المبعوث السعودي الخاص لشؤون لبنان، والتي، بحسب المعلومات، جرت بتنسيق مباشر مع واشنطن، وركّزت على إيصال رسالة مفادها أن أي دعم عربي سيكون مشروطاً بتجاوب فعلي مع مسار التسوية.

وما بين الضغوط الأميركية والتحفظات الداخلية واحتمالات التصعيد الدولي، يبدو أن لبنان بات أمام مرحلة شديدة التعقيد. فالأزمة تجاوزت النقاش حول ملف السلاح لتطال جوهر التوازن الوطني، وسط واقع إقليمي متقلّب وتراجعات اقتصادية وأمنية متزايدة. ومع اقتراب لحظة اللقاء بين براك والرؤساء الثلاثة، يبقى السؤال مفتوحاً: هل ينجح لبنان في صياغة معادلة تحفظ سيادته وتُرضي المجتمع الدولي، أم أن الطاولة ستنقلب على رؤوس الجميع.

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى