يوم انتخابي طويل في جبل لبنان… و”الداخلية” في قلب المشهد

كتب ريشار حرفوش في “نداء الوطن”:
إنجاز يسجل لوزارة الداخلية والبلديات التي تحوّلت إلى خلية نحل تتابع لحظة بلحظة مجريات العملية الانتخابية في جبل لبنان، في مشهد عكس الجدية الكاملة في مقاربة هذا الاستحقاق الديمقراطي الحساس.
خلال التغطية الميدانية من داخل الوزارة، بدا واضحاً الجهد التنظيمي واللوجستي، وبرز الدور المحوري للمسؤولة الإعلامية في وزارة الداخلية فانيسا متى درغام، التي أشرفت بدقة على التنسيق وتسهيل مهام الإعلاميين. ومن ضمن التسهيلات، شاشة إلكترونية في الباحة الرئيسية لعرض نسب الاقتراع وعدد المقترعين تباعاً وعلى مدار الساعة، ما أتاح للصحافيين متابعة التفاصيل أولاً بأول. وقد قوبلت هذه الجهود بتحية شكر من الجسم الإعلامي، الذي لمس حسن الاستقبال والتنظيم
تم تقسيم الفريق الإعلامي إلى قسمين: أحدهما فضّل البقاء في الوزارة لتوثيق سير العمل داخل غرفة العمليات، فيما اختار القسم الآخر الصعود على متن الباص الذي خصصته الوزارة للتوجه إلى بلدة شحيم، حيث أدلى وزير الداخلية أحمد الحجار بصوته. أما أنا، ففضّلت تغطية الحدثين معاً، إلا أن الباص غادر من دون أن ينتظرني.
لكن، وفي لفتة استثنائية، سمحت لي الدوائر المعنية في وزارة الداخلية بالصعود ضمن الموكب الأمني الخاص للوزير الحجار، لأشارك بشكل مباشر في الجولة، وكانت تجربة نادرة لا تتكرر كثيراً في حياة المراسل، إذ تنقلتُ مع عناصر قوى الأمن الداخلي وفريق الاستقصاء ضمن موكب الوزير لتوثيق الحدث من زواياه الأقرب.
وبالعودة إلى داخل الوزارة، كان الوزير الحجار حاضراً منذ الصباح الباكر، مشرفاً على العمليات بشكل مباشر، يتنقل بين غرفة العمليات ومكتبه، ويجيب على أسئلة الإعلام عند كل تطور ميداني، كما أجرى اتصالات فورية لمعالجة الإشكالات الانتخابية التي حصلت في بعض المناطق. غرفة العمليات تلقت آلاف الاتصالات، وتولّى متابعتها فريق متخصّص من أكثر من أربعين شخصاً، عملوا بتناغم تام لتلبية حاجات الناس وضمان انتظام العملية.
في تمام السابعة صباحاً، زار رئيس الجمهورية جوزاف عون مبنى الوزارة وأطلق رسمياً اليوم الانتخابي من هناك، كما أجرى جولة ميدانية داخل غرفة العمليات برفقة الحجار، وسط إجراءات أمنية مشددة من قبل الحرس الجمهوري. وقد ألقى كلمة مقتضبة أشاد فيها بالتنظيم وبجهود الوزارة.
من جانبه، أدلى الحجار بصوته في بلدته شحيم، مشيراً إلى ارتياحه لمجريات العملية، ومؤكداً أن جميع المرشحين في بلدته إخوة، وأنّ الوزارة تتعامل مع الشكاوى القليلة التي وردت بكل شفافية وسرعة.
وكان لافتاً في فترة الظهر أن الحجار أصرّ على النزول من مكتبه لتفقّد العاملين شخصياً داخل الوزارة، حيث جال في المكاتب وسأل الموظفين والمتواجدين من الإعلاميين إذا كان ينقصهم أي شيء. وعندما سألناه عن رؤيته لمجريات الانتخابات، أكّد بثقة أن الأمور تسير بشكل ممتاز، وأن كل الإشكالات التي حصلت تمّ ضبطها ومعالجتها في وقتها، مشيراً إلى أن سير العملية الانتخابية كان منتظماً وفق ما هو مطلوب.
وفي لفتة قريبة من الناس، دخل الحجار في تفاصيل يوم الإعلاميين، وقال حرفياً: “ناقصكم شي؟ عايزين شي؟”، مشيراً إلى أن خدمة الـWi-Fi في الوزارة مفتوحة للجميع. هذا الموقف عكس نهجاً جديداً في التعامل بين المسؤولين والإعلام والعاملين، حيث بدا واضحاً أن الوزير كان قريباً من الجميع، في صورة تؤكد أننا دخلنا مرحلة جديدة مع هذا العهد، يكون فيها الوزراء من الناس، وإلى الناس.
وكان للحجار جولة ميدانية في الغبيري والشياح، حيث تنقّل سيراً على الأقدام داخل الأقلام الانتخابية، متفقدًا الناخبين ومطمئناً الناس إلى حسن سير العملية. وفي حديثه للإعلام، أشار إلى وجود خطة بديلة جاهزة للأماكن المهدّدة جنوباً من قبل العدو الإسرائيلي، حفاظاً على سلامة المواطنين واستمرارية الانتخابات.
وخلال الجولة، حصل تلاسن محدود بين أحد الناخبين ورئيس بلدية الغبيري، فتدخّل الوزير مؤكداً حياده الكامل ووقوفه على مسافة واحدة من الجميع. فيما ردّ رئيس البلدية بأنّه لا يزال في موقعه القانوني حتى 30 أيار، وأن من حقه التواجد داخل القلم الانتخابي حتى لو كان مرشحاً، باعتباره سلطة محلية.
وفي الغبيري تحديداً، كان المشهد واضحاً بأن المعركة ذات طابع سياسي لا عائلي، إذ ازدحمت الأقلام الانتخابية بالمندوبين الثابتين والجوالين الموزّعين حصرياً بين اللونين الأخضر والأصفر، في دلالة صريحة على الإصطفاف الحزبي في هذه المنطقة.
ومع إقفال صناديق الاقتراع، زار رئيس الحكومة نواف سلام مقر الوزارة وأثنى على جهود الوزير وفريق عمله مهنّئاً إياهم على حسن تنظيم هذا الاستحقاق الدستوري.
هكذا طُويت صفحة يوم انتخابي طويل في جبل لبنان، كانت فيه وزارة الداخلية مركز القرار والحركة، فيما كان الإعلام شريكاً في نقل الحقيقة من الداخل.