من يحق له التصويت؟ ولماذا تُعدّ الانتخابات البلديّة اليوم مفصليّة؟

كارين القسيس في “نداء الوطن”:
عشيّة انطلاق الجولة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية، يوم الأحد الواقع في الرابع من أيار الحالي، يبرز هذا الاستحقاق كأول اختبار ديمقراطي في عهد الرئيس جوزاف عون، وسط ترقّب شعبي واسع لمعرفة ما إذا كانت هذه المرحلة ستشكّل بداية لمسار مغاير في مقاربة الاستحقاقات العامة، ولو من بوابة العمل المحلي. فعلى الرغم من محدودية صلاحياتها، باتت البلديات تتصدر مشهد الإدارة العامة، محمّلةً بعبء ما عجزت الدولة المركزية عن تلبيته، من تأمين الخدمات الأساسية إلى ضمان الحد الأدنى من الاستقرار الإداري.
وتزداد أهمية هذا الاستحقاق في ضوء التآكل المتزايد في الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. ففي ظل غياب الدولة الفاعلة، تُطرح البلديات اليوم ليس فقط كأطر خدماتية، بل كوحدات تأسيسية لإعادة بناء العلاقة المهشّمة بين المجتمع والدولة. من هنا، لم يعد هذا الاستحقاق مجرّد مناسبة تنظيمية دورية، بل تحوّل إلى ساحة اختبار حقيقي للوعي الشعبي، وللقدرة على كسر نمط الزبائنية والانتماءات الضيّقة لصالح برامج واضحة وكفاءات حقيقية.
وبينما تستعيد الحياة السياسية بعضاً من حركتها في هذا المشهد البلدي، تتقاطع فيه مصالح العائلات، وتوازنات الأحزاب، وطموحات المجتمع المدني والمستقلين، حيثُ تطرح الانتخابات أسئلة ملحّة حول مفهوم المشاركة: من يصوّت؟ ولماذا؟ وهل يستطيع الناخب اللبناني أن يتجاوز اعتبارات القرابة والطائفة والمصلحة الفردية نحو خيارات عقلانية تضع مصلحة المدينة أو البلدة أولاً؟
الرهان على السلطة المحلية
لا شكّ في أنّ لبنان، بدولته المركزية المتآكلة، لا يمكنه التعويل على بيروقراطية مترهّلة لحلّ الأزمات. وهنا تبرز البلديات، رغم العراقيل القانونية والمالية، كمساحات فعلية يمكن أن تُحدث فرقاً في حياة المواطنين اليومية: من البنية التحتية والنظافة، إلى تنظيم العمران والمساحات العامة. إلاّ أنّ نجاحها مشروط بوجود مجالس بلدية منتخبة على أساس الكفاءة والنزاهة، لا المحاصصة والمجاملات.
وفي ظل تحضيرات وزارة الداخلية لإجراء هذه الانتخابات، عاد الجدل حول الوثائق المطلوبة للمشاركة. إذ أُلزم الناخب في البداية بتقديم بطاقة هوية تتضمن صورة واضحة وحديثة، أو إخراج قيد فردي حديث، ما أثار موجة من الاعتراض الشعبي، خصوصاً من حملة البطاقات القديمة. وبعد ضغوط سياسية ومدنية، جرى التراجع جزئياً، فاقتصر الشرط على من لا تتضمن بطاقاتهم صورة. وعلى الرغم من أن الهدف المعلن هو “منع التزوير”، فإنّ التعقيد البيروقراطي زاد من مخاوف الإقصاء غير المباشر لعدد كبير من الناخبين.
فمن يملك حق الاقتراع؟
يحق لكل لبناني أو لبنانية أتمّ الحادية والعشرين من العمر أن يقترع، بشرط أن يكون مسجلاً على لوائح الشطب في مكان قيده الرسمي، وليس في مكان سكنه الفعلي، وهو ما يحرم آلاف السكان في المدن الكبرى من التأثير في الشأن المحلي لمناطقهم. كما يُشترط إبراز بطاقة هوية لبنانية أو إخراج قيد تتطابق صورته مع ملامح الناخب. وتحظر القوانين التصويت على من حُرموا من حقوقهم المدنية بسبب دخولهم السجن، أو لوجود مذكرات توقيف بحقهم، أو في حال عدم إدراج أسمائهم على اللوائح.
وتُجرى العملية الانتخابية بطريقة مباشرة وسرّية وفقاً للنظام الأكثري. وبعد التحقق من الهوية، يتسلّم الناخب ظرفاً رسمياً ويتوجه إلى خلف العازل لاختيار لائحة كاملة أو تشكيل لائحة مختلطة عبر “التشطيب”، ثم يُودعها في الصندوق بنفسه، ويغمس إصبعه بالحبر الأزرق. تُغلق الصناديق عند الساعة السابعة مساءً، ويبدأ الفرز يدوياً داخل الأقلام أو في لجان القيد. ومن المهم الإشارة إلى أنّه يُسمح للمقترعين الذين دخلوا قلم الاقتراع قبل السابعة وطال انتظارهم، بالتصويت حتى بعد هذا الوقت، في حين يُمنع من يتأخر عن الدخول بعد السابعة من التصويت.
لكن التحدي الأكبر لا يكمن فقط في الإجراءات، بل في العقلية السياسيّة السائدة. فعلى الرغم من دخول جيل جديد إلى الحياة الانتخابيّة، لا تزال الذهنية الزبائنية تحكم العلاقة بين الناخب والمرشح، حيثُ يُنظر أحياناً، إلى الصوت الانتخابي بوصفه مقابلاً لمنافع شخصية، لا كأداة للتغيير وممارسة للسيادة الشعبية. فالمرشح “الناجح” بنظر بعض الناخبين هو من “ينزل إلى الناس” ويتودد إليهم، لا من يطرح برنامجاً ويخاطب وعيهم.
الأحد لناظره قريب. وعلى مدى أربعة أسابيع، وحده الناخب، إذا أدرك أنّ صوته أداة فعل سياسي وممارسة حقيقيّة للمواطنة، يستطيع أن يُحدث فرقاً ويُطلق مسار التغيير، ولو من بوابة الشأن البلدي.