“سيّدات التبغ”… مُناضلات بلا ضمانات

كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
تغرس سيّدات التبغ الجنوبيات في الحقول، شتول التبغ المُرّة، لعلّهن يغرسن معها جزءاً من حقوقهنّ الضائعة، إذ لم تنصفهنّ الدولة يوماً، فحتى اللحظة لم تشرّع قانوناً يحميهنّ عبر تسجيلهنّ في الضمان الصحّي.
تقلّصت المساحة المزروعة جنوباً، تراجعت بنسبة كبيرة جداً، وبعد أن كانت القرى الحدودية تشكّل العمود الفقري لزراعة التبغ، قضت الحرب عليها، ومن قرّر الزراعة لا يشكل 30 % من نسبة المزارعين جنوباً.
دفعت الكلفة المرتفعة للزراعة، يضاف إليها ارتفاع كلفة اليد العاملة وفقدانها، إلى ندرة المياه وانخفاض سعر كيلو التبغ من 14 دولاراً قبل الأزمة الاقتصادية إلى 7 دولارات اليوم، العديد من المزارعين إلى التخلّي عن هذه الزراعة نهائياً.
تنهمك هدى وهي إحدى المزارعات في بلدة عدشيت الجنوبية بقلع شتول التبغ مع عدد من زميلاتها، حيث أمضت سنوات شبابها في هذه الزراعة. مرّ زمن طويل على الظلم اللاحق بهنّ، إذ لم تفكّر الدولة بحماية تلك اليد العاملة الطيّبة والمثابرة والصبورة، بتسجيلها في الضمان لتتمكنّ من الحصول على الطبابة.
تمضي السيّدات في الحقل أكثر من 8 ساعات، تبدأ مع الفجر وتنتهي في منتصف النهار، ينحسر عملهنّ في غرس الشتول في الأرض، فيما يتولّى شباب رميها أمامهنّ وآخرون يتولون رشّها بالمياه. وعلى الرغم من صعوبة هذه الزراعة، لم تفكّر تلك السيّدات بالتخلّي عنها، لأنه كما يقلن: “ما في بديل، بدنا نعيش”.
تجلس لطيفة ترحيني السبعينية، بعد أن أنهت لتوّها زراعة التبغ، تدخّن سيجارتها، لعلّها تنسى همومها، قائلةً: “إذا مرضت لا أملك ثمن العلاج، أو أبقى في المنزل لأموت، فالضمان غير متوفر لنا، أليس هذا حقّاً لنا؟”.
لا مستقبل واضح لزراعة الدخان جنوباً، في ظلّ الأسعار المتدنية والارتفاع في كلفة الإنتاج، أضيفت إليها مخاطر الحرب أيضاً، فيما لم تطرح الحكومة أي حلّ يعطي للمزارع حقّه كي يواصل غرس شتلة البقاء.
كانت عدشيت وزوطر ويحمر تُعدّ أكبر قرى زراعة الدخان في منطقة النبطية، اليوم لا يتخطّى العدد الـ 30 في المئة، والسبب بحسب المزارع أحمد صفا “بتنا عاجزين عن تحمّل الأكلاف المرتفعة، وإذا بقي الأمر هكذا، ستزول شتلة الصمود بعد سنتين”.
في أحد حقول التبغ في بلدة زوطر الشرقية، هذه البلدة التي نالت نصيبها من القصف والدمار، تواصل وفاء اسماعيل كما كثيرات، عملهنّ في غرس الشتول، يتحدّين الخطر والطقس والتعب معاً، لم تجد بديلاً عن التبغ في حياتها، رغم أنه بات “بلا قيمة”، ما تطالب به وفاء هو الضمان الصحّي والاجتماعي، وهذا حقّ، إذا تعرضنا لوعكة صحية لا نملك كلفة العلاج.
على الدولة أن تعرف أنّ المرأة هي العمود الفقري لهذه الزراعة، ومعظم المزارعات هنّ من كبار السن، لا تجد شباباً يزرعون، فهي لا تستهويهم، وعليه إذا فقدت يد السيّدات، انتهت الزراعة، بعض المزارعين يستعينون باليد العاملة السورية لسدّ النقص، وبالتالي زراعة التبغ أمام خطر وجوديّ، فمن دون السيّدات لا مستقبل لهذه الزراعة.