جعجع: لا تراجع عن وقف إطلاق النار ولن نسمح بضرب صورة لبنان أو خرق الالتزامات الأمنية

لفت رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع إلى “أننا سمعنا في الأيام الأخيرة تصريحات عدّة لمسؤولين في “حزب الله” يرفضون فيها حل الجناح العسكري والجناح الأمني للحزب، في الوقت الذي كانت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي السابقة، والتي كانت حكومة “حزب الله” بامتياز، هي التي أقرّت وبالإجماع اتفاقية الترتيبات الأمنيّة في تاريخ 22 تشرين الثاني 2024، والتي تنص بشكل واضح على حل وتفكيك كل البنى التحتيّة العسكريّة غير التابعة للجيش اللبناني والقوى الأمنيّة الرسميّة على كامل الأراضي اللبنانيّة، وحصر حمل السلاح في جميع الأراضي اللبنانيّة، وحتى الخفيف منه، بالجيش اللبناني والقوى الأمنيّة الرسميّة”.
وشدد على أننا “لا نقبل بأن تضرب صدقيّة لبنان وصورته أكثر مما ضُربت، عبر التراجع عن تطبيق اتفاقيّة وقف اطلاق النار”.
وأكّد أن “الحكم والحكومة الجديدين مدعوان إلى تذكير مسؤولي “حزب الله” بالتزاماتهم السابقة وبالتزام الحكومة اللبنانيّة أيضاً، تمهيداً لوضع بنود هذا الإتفاق موضع التنفيذ في أسرع وقت ممكن للتمكن من إخراج اسرائيل كلياً من لبنان ووقف الإغتيالات المتنقلة وإعادة بناء دولة فعليّة في لبنان”.
جاء كلام جعجع خلال احتفال تسليم البطاقات الحزبيّة لدفعة جديدة من المنتسبين إلى حزب “القوّات اللبنانيّة”، والذي نظمته الأمانة العامة في المقر العام للحزب في معراب، في حضور: الأمين العام للحزب إميل مكرزل، الأمين المساعد لشؤون المناطق جورج عيد، الأمين المساعد لشؤون الإدارة رفيق شاهين، منسق منطقة المتن الشمالي إيدي الحران، منسق منطقة جبيل بشير الياس، رئيس جهاز التنشئة السياسيّة شربل عيد، رئيس جهاز الإدارة نهرا بو يونس، رئيس مكتب الإنتسابات جان نصرالله، عدد من رؤساء المراكز، رؤساء مكاتب الإنتساب في المتن الشمالي وجبيل، رؤساء وأعضاء مكاتب التنشئة السياسيّة في المتن الشمالي وجبيل.
وكان جعجع قد استهل كلمته بتوجيه التهنئة للحضور بحلول عيد الفصح المجيد، ثم قال متوجهاً للمنتسبين الجدد: “هذا اليوم، بالنسبة إليكم، ليس يومًا عاديًا، ويجب أن تكونوا على يقين بذلك. إنه ليس يومًا تحصلون فيه على إفادة عقارية، ولا يومًا تنالون فيه رخصة سوق أو ما شابه. هذا اليوم يوم أساسي ومهم جدًا بالنسبة إليكم، وأتصور أنكم تدركون هذه الحقيقة. فالانتماء إلى “القوات اللبنانية” ليس أمرًا بسيطًا، و”مش هينة تكون قوات” ليس مجرد شعار. فعليًا، إذا نظرتم إلى ما مضى منذ خمسين سنة وحتى اليوم، كم من الشهداء سقطوا معنا؟ حتى البارحة، رولان مرّ، وقبله بسكال سليمان، وقبله وقبله وقبله، لا تمر علينا سنة إلا وتكون رزنامتنا مثقلة بالشهداء، تمامًا كما هي روزنامة الكنيسة، حيث لا يمر يوم إلا وتُذكر فيه أسماء شهداء. بعض الأيام ترد فيها أسماء خمسة أو عشرة أو خمسة عشر شهيدًا أو حتى عشرين. وكل واحد منهم استشهد في موقع ما. ولو أنشأنا روزنامة خاصة بنا، لكانت مكتظة بالشهداء. وبالتالي، فإن تاريخنا “طويل عريض” في الشهادة. ومن ينتمي إلى “القوات اللبنانية” لا بد أن يعرف هذا التاريخ ويدركه. ولهذا السبب، فإن هذا اليوم ليس يومًا عاديًا بالنسبة إليكم. إنه التزام حقيقي وجاد. والانتماء إلى “القوات” ليس بالأمر السهل، لأنه في أسوأ الحالات – لا قدّر الله – قد يُستشهد أحدنا في نضاله ضمن “القوات”. وفي أفضل الحالات، إذا كان يملك “قرشين” في جيبه، فقد يضعهما في سبيل القضية. لا يوجد في الحقيقة شيء بين هذين الاحتمالين”.
وتابع: “هل رأيتم أحدًا انتمى إلى “القوات” وجمع الأموال من خلال انتمائه؟ حاشا. هل رأيتم أحدًا انتمى إلى “القوات” وحقق شهرة؟ نعم، قد يكون البعض منهم، نتيجة ظروفهم وكفاءاتهم، قد وصلوا إلى مواقع مهمة وحساسة. وأتمنى أن يستطيع جميع المنتسبين لـ”القوات اللبنانية”، في وقت من الأوقات، أن يتبوأوا مناصب حساسة على مختلف المستويات. هناك من يظن أنني لا أرغب بذلك، وهذا غير صحيح. أجمل ما يمكن أن يحدث، في نظري، أن يكون جميع رؤساء البلديات، وجميع الأعضاء، وجميع المخاتير، وجميع الوزراء، وجميع النواب، في لبنان من “القوات اللبنانية”. لكنّ الأمور لا تسير هكذا في الحياة. هناك أصول ومنطق يجب أن نتّبعه. نحن موجودون، ليس لتعزيز مصالحنا الخاصة، بل لأن لدينا صورة معينة لمجتمع معين في أذهاننا، وعملنا كله يصب في تحقيق تلك الصورة. نحن، في الأساس، موجودون للدفاع عن وجودنا”.
وأوضح جعجع أن “منطقة الشرق الأوسط ما زالت حتى هذه اللحظة منطقة متوحشة جدًا. علينا أن ننتبه إلى هذه النقطة، وإذا لم نكن على قدر المسؤولية، فسوف تدهسنا الأحداث. ولذلك، ليس عبثًا أن نترك أعمالنا وعائلاتنا وأولادنا لنحضر اجتماعًا أو نشارك في مناسبة أو في انتخابات معينة، أو نبني شيئًا لمصلحة الحزب. الحزب، بحد ذاته، لا يسعى لمصلحة شخصية، بل مصلحته في المشروع الذي يحمله، وهو حمايتكم، أنتم، بالدرجة الأولى، وحماية أولادكم، وحماية أجيالنا المقبلة”.
وتابع جعجع: “اسمعوا جيدًا: من لا يستطيع أن يحافظ على حقه، فلا يظنّ أن أحدًا سيحافظ عليه عنه، ومن لا يستطيع أن يحمي حدوده، فلا يتوقع أن يحميها أحد سواه”.
وشدد على أن “القوّات اللبنانيّة” لم تعد تمثل المسيحيين فحسب، بل باتت تعبّر عن طموحات كل لبناني حر. هذا التعبير لا يتم بالكلام فحسب، بل يتجسد في تصريحات المسؤولين في الحزب، في سلوكيات شبابنا، في ردود أفعالهم، في وجودهم الدائم، في التزامهم الدائم. الناس يشعرون أن ثمة من يقف معهم. وهذا ليس من عبث وإنما لأن “القوات اللبنانية” هي الحزب الفعلي، الحاضر، الذي بقي موجودًا على رغم كل شيء. لماذا؟ لأنها تمثل وجدان اللبنانيين الأحرار”.
وتوجّه للمنتسبين الجدد بالقول: “أنتم اليوم تنتسبون إلى هذه المسيرة. نحن سعداء جدًا بكم، ولكن لا تعتقدوا أن المسألة هي مجرد بطاقة تُستعرض أمام الجيران. إنها مسؤولية كبيرة جدًا على كتفَيّ كل واحد منكم. أنتم تحملون تاريخًا كاملًا. اخترتم هذا المسار بإرادتكم الحرة، ونحن فخورون باختياركم. لكن يجب أن تدركوا أنكم تحملون تاريخًا طويلًا، ويجب أن يكون هذا التاريخ محفورا فيكم، وأن تكونوا واعين له”.
وتابع: “المواجهة مستمرة، والمسيرة مستمرة، حتى نصل إلى المشروع الذي نناضل من أجله، وهو بناء وطن حقيقي. وطن لا يُقلق فيه أحد بشأن ما قد يحدث غدًا، هذا، بكل صراحة، هو ما نطمح إليه: أن نعيش بحريتنا كما نشاء. وأهم من كل ذلك، نريد أن نؤمن لأجيالنا القادمة عيشا كريما، لأن من دون العيش الكريم، لماذا سيبقون هنا أصلاً؟”.
وختم: “أحببت في هذه المناسبة، أن نُلقي نظرة صغيرة على التاريخ، ونظرة أخرى على المستقبل، لكي تكونوا واعين لما ينتظركم. نحن فخورون جدًا بكم، وفخورون بجميع الأجيال التي سبقت، وكونوا واثقين أن ما تقومون به ليس سياسة، ولا حزبية، ولا شعارات، بل أنتم تصنعون التاريخ، وهو نتيجة لهذه المسيرة التي أنتم حلقة من حلقاتها. فكّروا في الأمر على هذا الأساس، لا كأمر حزبي ضيّق. ما نقوم به أكبر بكثير من أن يُحصر داخل إطار حزب، حتى لو كنا مجبرين قانونًا على الترخيص للحزب. لكن، في الحقيقة، ما نحن عليه هو مسيرة تاريخية طويلة وعريضة، بدأت مع أجدادنا وآبائنا، ويجب أن تستمر معنا، ومعكم، جميعًا، إن شاء الله، لنظل بخير، ونبقى موحّدين، ودائمًا إلى الأمام”.
اميل مكرزل
وكان الإحتفال قد استُهل بالنشيد الوطني اللبناني ونشيد حزب “القوّات اللبنانيّة”، ثم كانت كلمة للأمين العام اميل مكرزل قال فيها: “إنه مساء الانتقال إلى الالتزام، من التزام فكري وسياسي عام بحزب “القوات اللبنانية”، وصولًا إلى الالتزام داخل صفوف “القوات اللبنانية” كمؤسسة.
وأشار إلى أننا “عندما نختار حزبًا، فإننا نختاره عن قناعة بأفكاره، وبسياسته، وكذلك بمساره، لأنه قد يكون هناك تناقض بين ما نقوله وما نقوم به فعليًا. لذا القوة الأساسية التي جذبتكم إلى “القوات اللبنانية” هي هذا المسار، وهذا الثبات، وهذا الفكر، والخطاب السياسي الذي تتبناه “القوات اللبنانية”. ولكن، بمجرد أن تصبحوا جزءًا من هذا التنظيم، هناك شرط أو شرطان يجب التزامهما عمليًا كي نكون فعليًا مشاركين في تنمية “القوات اللبنانية”.
وتابع: “الشرط الأول، والذي نتحدث عنه دائمًا، هو الالتزام. وعندما نستعمل كلمة “الالتزام” ضمن إطار أوسع، كأن نتحدث عن انتخابات نيابية مثلًا، فإن هذا الالتزام قد يبدو أسهل من أي التزام آخر يمكن أن نعيشه أو نتعرض له ضمن الحياة الحزبية. من المهم جدًا أن نلتزم، ليس فقط بقرار “القوات اللبنانية”، لأن هذا القرار هو في النهاية حصيلة مسار يُتّبع قبل أي حدث، سواء كان سياسيًا أو بلديًا أو نقابيًا أو غير ذلك. عندما نحمل بطاقة “القوات اللبنانية”، فهذا يعني أننا أفراد ضمن مؤسسة “القوات اللبنانية”، ويجب ألا ننسى مقاومتنا أبدًا، ولكن في الوقت ذاته علينا أن نلتزم منهجية اتخاذ القرار، والتي هي أهم من القرار بحد ذاته”.
واستطرد: “ماذا تعني منهجية الالتزام بالقرار؟ تعني، على سبيل المثال، إذا كنت محاميًا ومنتسبًا لـ”القوات اللبنانية”، فلا يجوز قبل الانتخابات النقابيّة بشهرين أو ثلاثة أن تلتصق بمرشح ما وتُعلن أنك معه، ما يصعّب على الحزب اتخاذ قراره في اختيار مرشح ما. فالقول أنه بعدما تختار “القوات” مرشحها، حينها نُطالب بالالتزام، غير صحيح أبداً، لأنه لا يجوز أبداً أن نقول: “أنا أعطيت كلمتي، عندي كرامتي، عندي التزاماتي” قبل ان يكون الحزب قد اتخذ موقفه،” كل هذا الحديث نستخدمه أو يُستخدم ضدّنا كي نغطي على حقيقة أننا لا نلتزم”.
وشدد على أن “الالتزام الحقيقي هو الالتزام بالمسار الذي يؤدي إلى اتخاذ القرار. وإذا التزمنا جميعًا بذلك، نكون قد وفّرنا على المؤسسة العديد من المشاكل العملية، ما يتيح لرئيس الحزب التركيز أكثر على المعارك السياسية، وعلى عملية التغيير في البلد، وعلى الشفافية وسواها”.
وقال: “الالتزام يبدأ من هنا. وهذا لا يعني أن أحدًا لا يستطيع أن يقول رأيه. فكلٌّ منّا يمكنه أن يقول رأيه في الإنتخابات البلدية، أو في اختيار مرشّح للإنتخابات النيابيّة، أو في أي موقع. “القوات اللبنانية” تتيح لكل فرد التعبير عن رأيه. وإذا كان لدى كل واحد منّا قناعة مدعومة بالحجج، فلا يجب أن نخجل من طرحها ضمن آلية اتخاذ القرار. أما إذا كنت تحمل بطاقة “القوات” وتستعملها لتؤثر على قرار الحزب وجرّه إلى اتجاهات مغلوطة، سواء كانت بلدية أو نيابية أو نقابية، فهذا أمر مرفوض. لا أحد سيؤثر علينا.
وأوضح: “إنني أقول ذلك لأنكم جميعًا منخرطون اليوم في العمل البلدي من أصغر تفصيل. لا مشكلة لدينا أن يأتي أحد قبل الانتخابات بشهرين أو ثلاثة ويقول: “أنا أتوّجه بهذا الاتجاه، ما رأيكم؟” أنتم اليوم جزء من مجموعة، لم تعودوا أفرادًا مستقلين. أنتم من يقود هذه المجموعة نحو ما ترونه خيرًا عامًا. لذا، النقطة الأولى التي أريد التأكيد عليها: الالتزام بمسار اتخاذ القرار، بالمنهجية. جميعنا، علينا أن نضع هذه الفكرة في رأسنا. أنتم أبناء بلدات وقرى وتعرفون جيدًا كم تخلق هذه المسألة إشكالات لنا. ففي القرية، لا يختلف مناصرو “القوات” حول أمور كبيرة كاتفاق الطائف أو حكومة التكنوقراط. بل نضيّع وقتنا في التجاذب حول التفاصيل الصغيرة. وإذا احترمنا جميعًا منهجية اتخاذ القرار، فإننا نكون بذلك نسهّل عمل “القوات اللبنانية”، ونسهّل عمل المركز، ونسهّل على رئيس الحزب اتخاذ القرار الأنسب. وعندما نتخذ القرار بشكل أفضل، فإننا نُسرّع عملية توسّعنا داخل المجتمع اللبناني ونُحقق أهدافنا”.
وتابع: “أما النقطة الثانية، فهي “الروحية”. والروحية أمر ملموس. كثيرًا ما نحب أن نتحدث عن الروحية، ثم نرى أحدهم يتعامل بعدائية مع رفيقه أو يختلف معه أو يعمل بعكسه أو يتشاجر معه. الروحية ليست كلمات. الروحية أمر أساسي، وأعتبر أنها هي التي سمحت لـ”القوات اللبنانية” بتخطي كل المسارات الصعبة، وأصعبها كان الأحد عشر عامًا التي قضاها الدكتور جعجع في المعتقل. لم يستطع أحد أن يهزمنا، لأنّ لدينا روحية صلبة، روحية متماسكة. لقد استطاعت الأجهزة الأمنية آنذاك اختراق الأحزاب كلها، باستثناء “القوات اللبنانية”، بسبب الروحية المتينة التي كانت موجودة. هذه الروحية، إضافة إلى الهيكل التنظيمي، والعمل الذي أُنجز في يسوع الملك، وعمل الطلاب، والمحامين، والمهندسين، وجميع الرفاق… كان هذا نضالًا، ليس نضالًا سريًا، بل نضالًا علنيًا. كلنا كنا معروفين بالأسماء، وكلنا كنا نعتبر أن ما نقوم به صغير جدًا أمام ما كان يقدمه قادة “القوات اللبنانية” في المعتقل”.
وختم: “إن لم يعجبكم أي نقاش داخل “القوات اللبنانية”، عليكم أن تبقوا على تواصل. هواتفنا مفتوحة، والأطر الداخلية في “القوات” مفتوحة. فلنحافظ على هذا البيت، ومن يكن غيورًا عليه، يعرف جيدًا إلى من يتوجّه عندما يواجه إشكالًا ما”.