هل يستعيد الحزب بعض تحالفاته؟

يعيش “حزب الله” اليوم واحدة من أكثر المراحل تعقيدًا في تاريخه السياسي، إذ يبدو أن قدرته على الحفاظ على شبكة حلفائه التقليديين تشهد تراجعًا ملحوظًا، في ظل ضربات داخلية وخارجية تركت آثارها على المشهد اللبناني برمته. فخلال الفترة الماضية، برزت مواقف علنية تشير إلى نوع من الفتور في العلاقة بين الحزب وعدد من حلفائه الأساسيين، أبرزهم الوزير السابق وئام وهاب الذي وجّه انتقادات مباشرة للحزب، والنائب جبران باسيل الذي دخل في خلافات غير معلنة لكنها واضحة من خلال تموضعه السياسي، وصولا إلى النائب فيصل كرامي الذي ابتعد تدريجيا عن المحور التقليدي.
غير أن هذا التراجع في الاصطفاف السياسي لا يمكن فهمه فقط من زاوية علاقة الحلفاء بالحزب، بل يرتبط أيضا بتحولات أوسع تتعلق بانهيار الحاضنة الإقليمية التي كانت تؤمن لهؤلاء الحلفاء الغطاء والدعم. فسوريا، التي شكلت لعقود القوة الإقليمية الوازنة في المعادلة اللبنانية، لم تعد قادرة على لعب هذا الدور بفعل ظروفها الداخلية وتراجع نفوذها الإقليمي واخيرا سقوط نظام الرئيس بشار الاسد. هذا الفراغ دفع بعض الحلفاء السابقين إلى إعادة حساباتهم والتقرب من قوى إقليمية أخرى، وفي مقدمتها بعض دول الخليج التي تسعى إلى استعادة دورها في لبنان من بوابة إعادة التوازن إلى الساحة السياسية.
لكن رغم هذه التبدلات، لا يمكن اعتبار أن حزب الله فقد أوراقه كليا. فالساحة اللبنانية، بتعقيداتها وتشعباتها، لا تسمح بثبات التحالفات طويلا. وكل طرف سياسي يدرك أن المرحلة المقبلة، خصوصا مع اقتراب الاستحقاق النيابي، قد تفرض تقاطعات جديدة وتفاهمات غير متوقعة. فكما أن بعض الحلفاء تراجعوا اليوم، فإن الضرورات السياسية قد تعيد خلط الأوراق في الغد، وقد يجد هؤلاء أنفسهم مجددا إلى جانب الحزب، إما لحسابات انتخابية أو لمواجهة خصوم مشتركين.
إقليميا أيضا، ورغم محاولات بعض القوى الابتعاد عن محور الحزب، إلا أن المتغيرات الأمنية والسياسية قد تدفع هذه الأطراف إلى إعادة تقييم مواقفها. فالحزب، رغم ما يعانيه من ضغوط، لا يزال يحتفظ بنفوذ فعلي على الأرض، ويمثل بالنسبة للبعض عامل توازن أو حتى ورقة تفاوض في صراعات أوسع. لذلك، فإن المشهد الراهن لا يمكن اعتباره نهاية مرحلة، بل بداية تحول قد يحمل مفاجآت على أكثر من صعيد.