متى تدخل الشراكة بين العام والخاص حيّز التطبيق؟

كتبت باتريسيا جلّاد في “نداء الوطن”:
بعد مخاض طويل، تحت عنوان “تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص”، أقرّ قانون الشراكة PPP – Public Private Partnership في أيلول 2017 ويحمل الرقم 48، إلا أن هذا القانون الذي يجب أن تخضع له مشاريع الشراكة التي ستنشأ في لبنان، لم يدخل حيّز التطبيق فعلياً. فهل يتمّ العمل به اليوم في سياق سلّة الإصلاحات المعوّل عليها؟
تشكّل الشراكة بين القطاعين العام والخاص مطلباً أساسياً لإنهاض قطاعات أساسية في لبنان وإعادة إعمار بنيته التحتية، التي وسّعت من هوّتها حرب الشهرين بين إسرائيل و”حزب الله”، وأبرز تلك القطاعات الكهرباء، النقل، الهاتف الخلوي، المياه…
ومع جهوزية القانون للتطبيق، وبعدما وضع العهد والحكومة في لبنان نصب أعينهما الإصلاحات ونهضة القطاعات لنشل الاقتصاد من ركوده، لا بدّ من اتّخاذ قرار سياسي لتطبيق هذا القانون.
ولمن لا يعرف الشراكة بين القطاعين العام والخاص (Public-Private Partnership – PPP) هي ترتيب تعاوني طويل الأمد بين جهة حكومية (القطاع العام) وشركة خاصة (القطاع الخاص)، يهدف إلى تقديم خدمة عامة أو تنفيذ مشروع بنية تحتية من خلال توزيع الأدوار والمخاطر بين الطرفين. في هذا النموذج، يحتفظ القطاع العام بالدور الرقابي والتنظيمي، بينما يشارك القطاع الخاص في تمويل، تصميم، تنفيذ، تشغيل، أو صيانة المشروع، مقابل عائد مالي يتم الاتفاق عليه مسبقاً، سواء من الدولة أو من المستخدمين النهائيين.
النظام المعتمد
مشاريع الشراكة كانت تنظمها قوانين 468 و 431 و481/ 2002 من خلال شركتي الخلوي على سبيل المثال، اعتمدت في العامين 1994-1995، ولكن بعد عدم مراعاة عمليات الشراكة والشروط المطلوبة دولياً مثل الهيئات الرقابية الناظمة وتباين وجهات نظر كل مجموعة حسب سياستها، تمّت إعادتها إلى كنف الدولة.
وإذا كانت المؤتمرات الدولية للبنان لا سيّما مؤتمر “سيدر” الاقتصادي الدولي الذي انعقد في نيسان 2018 بدعوة من فرنسا، والذي خصّص 11 مليار دولار للبنان على شكل قروض وهبات… لتمويل مشاريع استثمارية وإنجاز إصلاحات اقتصادية بهدف تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص ونهضة الاقتصاد اللبناني، لم تحثّ السياسيين على اتخاذ قرار للعمل بالقانون المقرّ، فإن الحاجة ملحّة اليوم لتطبيقه في عهد الإصلاحات المنشودة والدعم الدولي والخليجي المأمول للبنان.
آلية العمل
إن اعتماد نظام الشراكة بين العام والخاص، كما تبيّن من سائر دول العالم التي تسير به، يرفع كفاءة تقديم الخدمات العامة، يخفّف العبء المالي على الدولة ويحقّق الاستفادة من خبرات القطاع الخاص وابتكاراته. بالإضافة إلى أن استقطاب شركات عالمية للدخول في هذه الشراكة بين القطاعين، تتطلّب الالتزام بالشفافية بالدرجة الأولى، وهذا ما تفعله الدول الأوروبية والعالمية التي تعتمد الخصخصة والتي جعلت منها دولاً غنيّة قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي.
في منتصف السبعينات، واجهت بريطانيا على سبيل المثال، مشاكل اقتصادية إلا أنها قامت بخصخصة عدد من الصناعات التي تملكها الدولة، مثل قطاعات المياه والكهرباء والاتصالات والبريد… وهكذا تطورت البلاد وحقّقت استقراراً مستداماً. إلى بريطانيا نذكر جنوب أفريقيا، شيلي، البرازيل، أستراليا وكوريا الجنوبية التي اعتمدت الشراكة بين القطاعين العام والخاص فعرف اقتصادها نهضة.
وبناءً على ذلك، طوّر البنك الدولي أيضاً الإرشادات والتوجيهات الخاصة بالأطر القانونية لمشروعات الشراكة بين القطاعين، فضلاً عن إسداء المشورة العملية لصياغة تشريعات أولية وثانوية خاصة بالشراكات بين القطاعين.
الشراكة بين القطاعين العام والخاص باتت تشكّل وسيلة لتمويل وإنشاء بنى تحتية بغية تطوير الاقتصاد. فالبنى التحتية المتطوّرة تُسهم في إيجاد الأرضية المناسبة لاستقطاب الاستثمارات وخلق فرص عمل في جميع القطاعات. كذلك للبنى التحتية تأثير مباشر على الخدمات العامة لجهة مدى توافرها، واتساع نطاقها وشموليتها، ورفع قدرتها التنافسية وخفض كلفتها. وممّا لا شكّ فيه أنّ الاستثمار في البنى التحتية يؤدي دوراً رئيساً في تحفيز نموّ الناتج المحلي وتطوير الاقتصاد وتأمين نموه المستدام.
ما هي متطلبات الشراكة في لبنان؟
وحول متطلبات وأهمية الشراكة في القطاعين العام والخاص لنهضة الدولة اللبنانية، يقول عميد كليّة إدارة الأعمال في الجامعة اليسوعية فؤاد زمكحل لـ”نداء الوطن” إن “الحكومة اللبنانية ليست لديها الإمكانيات لإعادة النهوض والاستثمار”.
قبل حرب تشرين الثاني، يضيف، “كنا نتحدث عن خسائر بالقطاع المالي والمصرفي تفوق الـ70 مليار دولار، وفق تقرير شركة التدقيق الدولية “مارسال أند ألفاريس”. إلى ذلك، تزيد من تلك الخسائر أضرار الحرب التدميرية المباشرة وغير المباشرة التي تتعدى الـ 15 مليار دولار، حسب تقرير البنك الدولي. حتى الموازنة التي تمّ درسها قبل الحرب لا تغطّي الصيانة المطلوبة لمؤسسات الدولة ومنها طبعاً مؤسسة كهرباء لبنان والاتصالات … فهي بالكاد تسدّد رواتب القطاع العام”.
“اليوم، الدولة عاجزة عن إعادة الهيكلة النقدية والمالية وطبعاً إدارة مؤسساتها”، يقول زمكحل، مضيفاً : “ولكن في الوقت نفسه دولتنا غنيّة وتملك كل مؤسسات الدولة والمرافق وقسماً كبيراً من العقارات. إن إعادة الهيكلة والنهوض اليوم لا يمكن للدولة الإقدام عليها سوى باستثمارات خارجية.
نوعان من الاستثمارات
عندما نتحدث عن استثمارات خارجية، هناك نوعان من الاستثمارات من خلال القروض التي تحصل عليها الدولة عبر البنك الدولي، فالأخير يقرض الدول، ومنها لبنان، حسب الناتج المحلي الذي تراجع لدينا من 50 مليار دولار قبل بدء الأزمة المالية إلى 20 ملياراً، علماً أن مداخيل الدولة معدومة بعد الحروب. أما صندوق النقد الدولي، فلن يقرض الدولة اللبنانية سوى مبلغ 3 إلى 4 مليارات دولار خلال السنوات الأربع المقبلة، ما يعني أن الدولة ليس أمامها خيار سوى التوجّه نحو الخصخصة”.
ويعتبر زمكحل أن “الخصخصة تعني أموالاً كبيرة والثقة بلبنان والمنطقة معدومة. من هنا فإن الخصخصة بمفردها غير المدروسة تُخيف المستثمر، الذي يخشى العودة إلى سلوك خط الفساد وإنشاء شركات وهمية، كما حصل في بعض الدول.
لذلك الحلّ الوحيد والأفضل هو الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مثل مشروع الـ BOT Build operate and transfer، حيث تقوم شركات بالاستثمار والتدوير وتعيد إلى الدولة ممتلكاتها بعد 20 أو 30 سنة. وتلك الآلية تستوجب على القطاع العام والدولة استعادة ثقة المجتمع الدولي، وهذا ما يتمّ العمل على بنائه اليوم، ولكن العملية تستغرق بعض الوقت”.
واستناداً إلى زمكحل، اذا اعتمدت الدولة اللبنانية نظام الـBOT، وهو الأفضل خصوصاً في مؤسسة كهرباء لبنان، يجب التوافق على أن ذلك يتطلب إعادة هيكلة، وسنواجه مشكلة في الموارد الكبيرة الموجودة، لأن المؤسسات استخدمت التوظيف الوهمي والطائفي والسياسي والحزبي. وهذا الأمر لا بدّ منه، إذ عندما نتكلم عن الشراكة بين القطاعين العام والخاص نتحدّث عن استثمار من الخارج الـ FDI Foreign direct investment، وبالتالي يتمّ تأسيس مجلس إدارة بين القطاعين العام والخاص.
لا نجاحات سابقة في لبنان
مواضيع الـBOT أو الخصخصة أو الشراكة بين القطاعين العام والخاص لم تسجّل نجاحات في لبنان، في مجال الاتصالات وفي الـ “ليبان بوست” لأن الشراكة غير حقيقية ودفاتر الشروط غير واضحة وشفافة، ولم تكن الدولة راضية بنزع يدها لجذب الشركات الدولية، مع توفير الحماية لها، فالخبرة التي لدينا لم تكن جاذبة للمستثمرين”.
اليوم، ومع وجود النيّة والقرار السياسي بتحقيق الإصلاحات بهدف التوصّل إلى اتّفاق مع صندوق النقد الدولي، وتلقي الدعم والقروض الخارجية، ستضع الدولة نصب أعينها الشراكة بين القطاعين العام والخاص، التي تبقى خياراً استراتيجياً لا غنى عنه. لكن نجاح هذا النموذج يعتمد على الاستقرار الأمني والإرادة السياسية، الإصلاحات القانونية، والبيئة الاستثمارية السليمة. إذا ما تمّ تطبيقه بطريقة شفافة ومسؤولة، يمكن أن يشكّل نقطة تحوّل نحو إنعاش الاقتصاد اللبناني وتحسين حياة المواطنين.