جعجع يرفض “الحوار” حول السلاح.. “رسالة” إلى رئيس الجمهورية؟!

في وقتٍ يؤكد رئيس الجمهورية جوزاف عون باستمرار وضع ملف سلاح “حزب الله” على الأجندة، لكن من خلال الحوار والتواصل، من أجل أن يكون نزع السلاح جزءًا من استراتيجية وطنية دفاعية يتّفق عليها جميع الفرقاء، يخرج رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بموقف “متمايز” عن عون، إن صحّ التعبير، بوصفه الحوار حول تسليم السلاح بأنه مجرّد “مضيعة للوقت”، على حدّ وصفه.
بالنسبة إلى جعجع، فإنّ المقاربة تبدو واضحة، فقرار تسليح السلاح متّخَذ منذ التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تضمّن نصًا واضحًا عن حصر كلّ السلاح بيد الدولة اللبنانية، كما أنّ التمييز بين شمال وجنوب الليطاني في هذا الصدد “بدعة لا وجود لها”، في قاموس “الحكيم”، وبالتالي فالمطلوب تنفيذ هذا القرار في أقرب وقت ممكن، وليس خلال ستة أشهر، وإبلاغ الأميركيّين عن المهلة التي سيستغرقها ذلك.
أما آلية تنفيذ قرار نزع السلاح، وفق رئيس حزب “القوات”، فتنطلق من بوابة الجيش اللبناني، الذي يقع على عاتقه وضع استراتيجية الأمن الوطني، على أن تُطرَح بعد ذلك على مجلس الوزراء، حيث تُناقَش ويصوّت عليها هناك، وليس على طاولة حوار، وفق قوله، على أن تكون الخطوة التالية أن تطلب الحكومة من واشنطن إلزام إسرائيل بتنفيذ الشق المتعلق بها من اتفاق وقف إطلاق النار، وبالتالي وقف خروقاتها المستمرّة للاتفاق..
جعجع “يزايد” على عون؟
في قراءة كلام رئيس حزب “القوات اللبنانية”، واستراتيجيته الخاصة لنزع السلاح، تتفاوت الاستنتاجات، فهناك من رأى في الأمر “مزايدة” على رئيس الجمهورية بالتحديد، ولا سيما أنّ الرئيس جوزاف عون هو الذي يتمسّك بمبدأ الحوار لحلّ إشكالية “نزع السلاح”، وهو سبق أن أعلن بوضوح ضرورة الاحتكام إلى الحوار، باعتبار أن “حزب الله” مكوّن لبناني، بالتوازي مع بدء العمل على صياغة استراتيجية الأمن الوطني، التي تنبثق منها استراتيجية الدفاع الوطني.
وإذا كان أصحاب هذا الرأي يتحدّثون عن “تمايز” في الموقف بين عون وجعجع، ظهر جليًا حتى أمام المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس في زيارتها الأخيرة إلى بيروت، خصوصًا أنّ جعجع، بعكس عون، بدا “مستعجلاً” لإنجاز استحقاق نزع السلاح من دون أيّ تأخير، فإنّ هناك من يشير في المقابل، إلى أنّ الموقفين “يتكاملان” في مكانٍ ما، خصوصًا أنّ كلا الرجلين ينطلق من مبدأ ثابت، هو ضرورة احتكار الدولة للسلاح، بمعزل عن كل التفاصيل.
ويقول المؤيدون لوجهة نظر رئيس حزب “القوات اللبنانية” إنّ ما اعترض عليه الأخير ليس “الحوار المباشر” الذي يقول رئيس الجمهورية إنه يسعى لإطلاقه مع “حزب الله” من أجل التفاهم معه على آلية استيعاب سلاحه، وإنما “الحوار الوطني” على شاكلة طاولات الحوار السابقة، التي لا تقدّم ولا تؤخّر، بل تضرّ أكثر ممّا تنفع، وإن كان ربما “يتحفّظ” بحسب ما يلمح المقربون منه، على فكرة الحوار بالمطلق، في شأن “سيادي” لا يفترض أن يكون محلّ نقاش.
استراتيجية جعجع.. قابلة للتطبيق؟
لكن، أبعد من التقارب أو التباعد في وجهات النظر بين عون وجعجع، والتي يقول العارفون إنّها تتقاطع على المبدأ، وتتفرّق عند بحث “الآلية”، ثمّة من يسأل عمّا إذا كانت الاستراتيجية التي أعلنها جعجع قابلة للتطبيق عمليًا، خصوصًا أنّ هناك من يخشى أن يؤدي استخدام “القوة” في ملف بهذه الحساسيّة، إلى صدام كبير، بل أن يعيد اللبنانيين في مكانٍ ما، إلى مراحل اعتقدوا أنّها ولّت، وتحديدًا مرحلة الحرب الأهليّة التي تحل ذكراها السنوية غدا الاحد.
هنا، يقول المحسوبون على جعجع إنّ “بعبع” الصدامات الطائفية والحرب الأهلية لا ينفع في هذا الموضوع، لأنّ أحدًا لم يهدّد أساسًا بمثل هذا الأمر بما في ذلك “حزب الله”، الذي يدرك جيّدًا أنّ وضعه اليوم ليس كوضعه قبل “حرب الإسناد”، وخصوصًا قبل اغتيال أمينه العام السابق السيد حسن نصر الله، بل يشيرون إلى أنّ ما يطرحه جعجع ليس “استقواء” على الحزب، بل دعوة لتنفيذ ما تعهّد به أساسًا حين وافق على اتفاق وقف إطلاق النار.
لكنّ هذا الرأي يصطدم برأي آخر، يعتبر أنّه أبعد ما يكون عن مراعاة الخصوصيّة اللبنانية والحساسيّات الطائفية، فإذا كان صحيحًا أنّ “حزب الله” يبدي مرونة وليونة إزاء موضوع سلاحه، الذي لم يعد النقاش به “تابو”، أو خطًا أحمر كما كان في السابق، فإنّ الصحيح أيضًا أنّ المطلوب مقاربة واقعية وعقلانية تسمح باستيعابه، بعيدًا عن سياسة الفرض والإملاءات، التي ثبت تاريخيًا أنّها لا تحقّق الأهداف المتوخّاة على الأرض.
بين الحوار المباشر الذي يريد رئيس الجمهورية رعايته مع “حزب الله” من أجل التفاهم معه على مبدأ نزع السلاح، واستراتيجية رئيس حزب “القوات” الذي يريد الإسراع بإنجاز الأمر، ويعتبر الحوار تضييعًا للوقت، ثمّة من يعتبر أنّ النقطة الفاصلة تبقى في المفاوضات الأميركية الإيرانية، التي ستشهد “زخمًا استثنائيًا” اليوم السبت في سلطنة عُمان، والتي لا يستبعد كثيرون أن يكون بند سلاح “حزب الله” مطروحًا على طاولتها، بشكل مباشر أو غير مباشر!