قانون الإيجارات غير السكنيّة… التجاذبات مُستمرة

كتبت رماح هاشم في “نداء الوطن”:
أشعل قرار نشر قانون الإيجارات غير السكنيّة الذي أقرّه مجلس النواب وامتنع رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي عن نشره في الجريدة الرسميّة، حرباً بين أصحاب العقارات الذين اعتبروا أنّه حق طبيعي لهم بعد سنوات طويلة من إشغال عقاراتهم بأسعار لا تكفي مصروف يوم واحد، وبين المُستأجرين القُدامى الذين وصفوه بالمُجحف وطالبوا بإبطاله.
بعد مرور أكثر من سنتيْن على إقرار قانون الإيجارات غير السكنيّة، تمّ نشر القانون الأسبوع الماضي في الجريدة الرسميّة ليُصبح نافذاً منذ صباح يوم الخميس الثالث من نيسان الحالي، لتبدأ حقبة جديدة في ملفّ الإيجارات غير السكنيّة.
في السياق، طالب رئيس «تجمّع الحقوقيين للطعن وتعديل قانون الإيجارات» المحامي أديب زخور، «رؤساء الجمهورية العماد جوزاف عون والحكومة نواف سلام ومجلس النواب نبيه بري، بـ«ممارسة صلاحياتهم المنصوص عنها في المادة 19 من الدستور اللبناني، التي تعطيهم صلاحية الطعن بدستورية القوانين، بخاصة أنّ رئيس الجمهورية، بصفته حامي الشعب والدستور وأقسم اليمين بالمحافظة على الدستور، وأن الرئيس بري طلب استرداد القانون لتعديله، ورئيس الحكومة، بوقتها نجيب ميقاتي، ردّه إلى المجلس النيابي نظراً للأخطاء الجسيمة التي تعتريه».
ولفت زخوز لـ«نداء الوطن»، إلى أنّ «تصريح رئيس الحكومة الحالي نواف سلام جاء ليعترف بالضرر اللاحق بالدولة اللبنانيّة، على الرغم من وجوب نشر القانون، وعليه بصفتهم والصلاحيّات الممنوحة لهم، لديهم الحق والواجب للطعن بدستورية قانون الإيجارات حماية لمؤسسات الدولة من الخطأ الجسيم الذي يعتري قانون الإيجارات وبالمؤسسات العامة والخاصة على السواء، وأوضحناها بالتفصيل».
زيادات تفوق الواقع
وقال: «بما أنّ الدولة مُمثلة بالرؤساء الثلاثة ضمن مؤسساتهم ومواقعهم الدستورية يقع عليهم واجب المحافظة على أملاك الدولة وتصحيح الأخطاء الناتجة عن القوانين، بخاصّة أن الدولة بصفتها مستأجرة لأغلبية الجامعات والمدارس الرسمية والبلديات والمخافر والمؤسسات الرسمية، تتعرض لضرر جسيم وتُفرض عليها زيادات تبلغ 8 في المئة من قيمة المأجور، وهي زيادات تفوق الواقع المُعتمد في الدول ذات الاقتصاد المزدهر، حيث سقف الزيادات 2,5 في المئة، إضافة إلى حرمان هذه الأماكن من التعويضات واستمراريّتها، وعليهم البقاء تحت رحمة وخيار المالك مُنفرداً، إمّا البقاء لمدة سنتيْن بالأجر الأساسي أو البقاء 4 سنوات مع زيادة 8 في المئة من قيمة المأجور، مما يلحق بجميع المؤسسات العامة والخاصة أضراراً لا تعوّض».
«وبما أن الدولة اللبنانية اقترحت عبر وزارة الماليّة للعام 2024 إعادة النظر ببدلات الإيجار لعقود إيجار الأبنية المشغولة من الدولة والمنظمة قبل 2020، والتي تمّ عرضها على الحكومة في آب من العام 2024، وهي زيادة 20 ضعفاً اي نسبة لا تتعدى 1 في المئة من قيمة المأجور، وتضمنت جزأين بعدما أكّدت انخفاض الناتج القومي 60 في المئة، وانخفاض قيمة العقارات المبنية 70 في المئة، وبالتالي إنّ زيادة لا تتخطى 1 في المئة، هو أقرب للواقع والطرح يتلاءم مع الوضع الاقتصادي الذي يمرّ به الوطن وبعد الحروب المتتالية التي مررنا بها، خصوصاً أنه لم يؤخذ بالاعتبار الإعتداء على الجنوب والبقاع وبيروت وهدم الأبنية والمؤسسات»، حسبما يُشير زخور.
360 مدرسة مُعرّضة للتهجير؟
كما اعتبر أنّ «الفرق شاسع بين زيادة 1 في المئة الذي اقترحته وزارة المال و8 في المئة من قيمة المأجور المنصوص عليه في قانون الإيجارات، وهي زيادة خيالية تضر بالدولة اللبنانية، وعلى رئيس الحكومة ورئيس المجلس النيابي وحتى رئيس الجمهورية موجب المحافظة على مؤسسات الدولة وماليتها، وعدم تعريض 360 مدرسة وطلابها للتهجير وإفراغها نتيجة لعدم قدرة الدولة على دفع مبالغ وزيادات غير مطابقة أصلاً للواقع وللزيادات، إضافة إلى مئات الجامعات والبلديات والمخافر والفصائل ومؤسسات الدولة المستأجرة، ومنع تعريضها للإخلاءات تعسّفاً ووقف العمل بمرافق رئيسيّة للدولة دون وجه حق».
دعوةٌ إلى الرؤساء الثلاثة
وبناءً على ذلك، طالب زخور «الرؤساء الثلاثة بمُمارسة كلّ منهم دوره بحسب الصلاحيات المعطاة لهم، بالطعن بقانون الإيجارات أمام المجلس الدستوري، وضمان مُمارسة الدولة لعملها في المرافق العامة وإبطال المواد التي تفرض عليها شروطاً مخالفة للقوانين، ولضمان استمرارية عمل مؤسسات الدولة والدستور، بالإضافة إلى المحافظة على القوانين وثباتها، وعلى قانون المؤسسة التجارية والمهنيّة والحرفيّة، وعدم ضرب استقرار التشريع والحقوق الأساسية، وهي المصدر الرئيسي لاستقرار دولة القانون والمؤسسات».
المالكون يُرحبّون… «لحظة تاريخيّة»
أمّا لجهة المالكين، فيعتبر رئيس نقابة مالكي العقارات والأبنيّة المؤجّرة باتريك رزق الله أنّ «نشر القانون لحظة تاريخيّة لتصحيح العلاقة ما بين المالكين والمستأجرين في الأماكن غير السكنية، بعد 40 سنة تكبّد المالكون خلالها خسائر مادية من جرّاء تطبيق القانون الاستثنائي القديم للإيجارات. لم يكن يجوز للوضع السابق أن يستمر، خصوصاً وأنه مخالف لمبادئ المساواة والعدالة الإجتماعيّة».
ويلفت إلى أنّ «القانون جاء متأخرّاً وكان يجب إقراره قبل قانون تحرير الأماكن السكنية. لكن، رغم المخالفة الدستوريّة التي ارتكبها رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، أنصفنا القضاء عبر مجلس شورى الدولة والرئيس نواف سلام بتطبيق القرارات القضائيّة والدستور ونشر القانون الجديد للإيجارات».
لا خوْف من الطعن
وعن موقفه من الطعن من قبل المستأجرين، يُعلّق رزق الله: «لسنا خائفين من الطعن لأن القانون دستوري بامتياز والوضع السابق لم يكن»، مُناشداً «مجلس النواب بتحكيم ضميرهم وعدم المساهمة مرة جديدة في تجويع المالكين وتشريد عائلاتهم. هذا الطعن مخالف لأبسط مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة وعلى النواب المساهمة في إعادة الحق».
ويكشف رزق الله لـ «نداء الوطن»، أنّ «المالكين القدامى يُواجهون حملة استقواء من قبل كبار الأثرياء والنافذين والمُستفيدين الذي يُسخّرون لجان التجار في كل لبنان، لمحاولة استضعافهم وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. نطالب النواب والمسؤولين بحماية حقوق المالكين القدامى في وجه هذه الحملة الشرسة لمصادرة واحتلال أملاكهم».
ويسأل: «لماذا يدفع 85000 مستأجر بدل مثل وفق القانون 159/92 مع تكبدهم المصاريف التشغيليّة ورواتب العمال والمستخدمين والموظفين، وتبقى مؤسساتهم مستمرة في العمل، في حين يرى 25000 مستأجر آخر أنّ هذا القانون يُهدّد عملهم؟ القانون يمنحهم ما بين سنتيْن وأربعة لتدبير أمورهم، والظلم الأكبر يقع على المالكين القدامى الذين تتحمل عقاراتهم أعباء تشغيل أعمال أخرى على حسابهم».
وتجدر الإشارة، إلى أنّه «وبموجب القانون الجديد، تُحرّر عقود الإيجارات بعد 4 سنوات من إقرار القانون ونشره، وتبدأ من السنة الأولى مرحلة تصحيح بدلات الإيجار من خلال رفع قيمتها إلى 25 في المئة من بدل المثل الذي يُوازي 8 في المئة من قيمة المأجور، ومن ثم رفعها إلى 50 في المئة في السنة الثانية وإلى 100 في المئة في السنة الثالثة والرابعة.
كما يُجيز القانون أيضاً للمالك، مطالبة المُستأجر بالإخلاء، على أن يستلم المأجور بعد عاميْن من صدور القانون، وبالتالي، يستمر المستأجر بدفع بدلات الإيجار ذاتها التي اعتاد دفعها، ولكنه ملزم بإخلاء المأجور بعد سنتيْن.
وبما أنّ الحكومة الحاليّة غير مسؤولة عن قانون صادر عن مجلس النواب فهي لا تُعير للأصوات التي تنطلق اليوم في اعتصامات كبيرة أيّة أهميّة، فـ«الكرة» بنظرها هي في مجلس النواب أو حتى المجلس الدستوري في حال تقدّم أحد بطعنٍ في القانون.