إسرائيل تتحرّك قرب حدود لبنان.. هذه خفايا “التدريبات”!

نشرَ موقع “الحرة” تقريراً جديداً تحت عنوان “مناورات إسرائيلية قرب حدود لبنان.. رسائل ذات بُعدين”، وجاء فيه:
في ظل التوترات المتزايدة على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، نفّذ الجيش الإسرائيلي، الأربعاء الماضي، تمريناً عسكرياً واسع النطاق في المنطقة الشمالية، حاكى سيناريوهات قتالية دفاعية وهجومية، وجسّد تعزيز حماية البلدات الحدودية المحاذية للسياج الأمني، إضافة إلى اختبار مستوى التنسيق بين مختلف قوات الأمن العاملة في المنطقة.
وخلال التمارين، أجرى قائد القيادة الشمالية، الميجر جنرال أوري غوردين، تقييماً عملياتياً مع قادة الفرق والألوية، في خطوة تعكس أهمية هذه التدريبات في استعداد إسرائيل لأي تطورات ميدانية محتملة. في المقابل، ردّ حزب الله عبر أمينه العام، نعيم قاسم، الذي أكد في خطاب الأربعاء أن “المقاومة مستمرة وتتحرك بحكمة وفق متطلبات المواجهة”، مشدداً على أن الحزب “يخوض حالياً جولة من معركة لم تنتهِ بعد”.
تصعيد مستمر
وفي خرق جديد لاتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، أعلنت إسرائيل، الجمعة، ضرب هدف في الضاحية الجنوبية لبيروت، وذلك لأول مرة منذ هدنة تشرين الثاني الماضي.
وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، قد وجه إنذاراً عاجلاً للمتواجدين في حي الحدث بالضاحية الجنوبية لبيروت، وقال: “لكل من يتواجد في المبنى المحدد بالأحمر وفق ما يُعرض في الخارطة والمباني المجاورة له: أنتم تتواجدون بالقرب من منشآت تابعة لحزب الله”. وأضاف: “من أجل سلامتكم وسلامة أبناء عائلاتكم أنتم مضطرون لإخلاء هذه المباني فوراً والابتعاد عنها المسافة لا تقل عن 300 متر وفق ما يُعرض في الخارطة”.
كذلك، شهدت الحدود الجنوبية، الجمعة، تصعيداً عسكرياً، حيث أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيل، عن “إطلاق قذيفتيْن صاروخيتيْن من لبنان، تم اعتراض إحداهما بينما سقطت الثانية داخل الأراضي اللبنانية”، ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى الرد بقصف مناطق في جنوب لبنان. ويأتي هذا التصعيد بعد أيام من حادثة مماثلة، حيث أُطلقت ثلاثة صواريخ، السبت الماضي، من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل، ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى تنفيذ غارات استهدفت مناطق في جنوب وشرق لبنان. في المقابل، نفى حزب الله مسؤوليته عن عمليات الإطلاق في المرتين، في وقت لا تزال فيه الأوضاع على الحدود مرشحة لمزيد من التوتر والتصعيد.
ويبقى السؤال: هل تحضّر إسرائيل، من خلال مناوراتها العسكرية، لمواجهة أوسع مع حزب الله، أم أن الأمر يقتصر على رسائل ردع؟ وفي المقابل، هل يمتلك حزب الله الجاهزية لخوض حرب جديدة؟
تحمل التدريبات الإسرائيلية رسائل متعددة، وفق ما يؤكد الخبير العسكري، العميد الركن المتقاعد جورج نادر، الذي يوضح أن الجيش الإسرائيلي “يجري تدريبات عسكرية بشكل مستمر، يضع خلالها سيناريوهات افتراضية لأحداث قد تقع مستقبلاً، تُعرف بالخطط العملياتية، بهدف الاستعداد لمختلف التحديات الأمنية”. ويشير نادر في حديث لموقع “الحرة” إلى أن “هذه السيناريوهات تشمل احتمال تعرض الجليل لهجمات من حزب الله، أو عمليات خطف جنود، أو تسلل مجموعات مسلحة إلى داخل الأراضي الإسرائيلية”.
ويضيف أن “الجيوش التي تعتمد التخطيط الاستراتيجي تستبق الأحداث عبر وضع افتراضات مختلفة وإجراء تدريبات ميدانية لمحاكاتها، بحيث تكون لديها خطط جاهزة للتنفيذ عند وقوع أي طارئ”.
المناورات الحالية قد تكون وفق نادر “جزءاً من استعدادات الجيش الإسرائيلي لاحتمال تصعيد على الحدود مع حزب الله، لكنها تحمل في الوقت نفسه رسالة سياسية وعسكرية مفادها أن إسرائيل، رغم انشغالها في غزة، لم تغفل عن الجبهة الشمالية”.
ويتابع: “إسرائيل تريد أن توجّه رسالة واضحة لحزب الله مفادها: نحن لم ننسَك، وعليك الالتزام بالقرار 1701 والاتفاق الموقع بين الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية”.
من جهته، يرى رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد هشام جابر، أن المناورات العسكرية الإسرائيلية تحمل بُعدين رئيسيين. الأول عسكري، “إذ تهدف إلى رفع الجاهزية القتالية والاستعداد لأي مواجهة مقبلة، إضافة إلى تعزيز التنسيق بين مختلف الوحدات العسكرية في حال اندلاع حرب جديدة”.
أما البعد الثاني فهو سياسي، وفق ما يقول جابر لموقع “الحرة”، “إذ لا تقتصر هذه المناورات على الاستعدادات الميدانية، بل تحمل رسائل ردع موجهة إلى الداخل والخارج، حيث تسعى إسرائيل داخلياً إلى طمأنة سكانها ورفع معنويات جنودها، وخارجياً، تؤكد جهوزيتها لأي تصعيد محتمل مع حزب الله”.
ما مدى قدرة الحزب؟
حول قدرة حزب الله على خوض مواجهة عسكرية جديدة، يرى نادر أن “الحزب لم يعد يمتلك القوة الكافية لذلك في ظل الخسائر الكبيرة التي تكبدها، سواء على مستوى قياداته العسكرية أو العناصر الميدانية، فضلاً عن الأضرار المادية الضخمة التي لحقت به”.
ويشير إلى أن “الحزب يواجه نقمة متزايدة داخل بيئته بسبب حجم الخسائر وشحّ التعويضات، ما يجعله أكثر انشغالاً بالوضع الداخلي وأقل استعداداً للتصعيد في الجنوب، حيث لم يعد يمتلك القدرة على خوض مواجهة مع إسرائيل”.
كما أن المتغيرات الإقليمية الأخيرة، لاسيما سقوط نظام بشار الأسد الذي أدى إلى قطع خطوط إمداد الحزب بالسلاح والمال من إيران، كلها عوامل جعلت حزب الله أمام تحديات غير مسبوقة.
في المقابل، يرى جابر، أن حزب الله لا يزال قادراً على مواجهة إسرائيل، مشيراً إلى أنه “لم يفقد سوى 10% من قوته البشرية، فيما لا يزال يحتفظ، وفق التقديرات الإسرائيلية، بأكثر من 40% من ترسانته الصاروخية والطائرات المسيّرة”.
ورغم ذلك، يستبعد جابر اندلاع حرب وشيكة، متوقعاً أن تنجح الضغوط الدولية في احتواء التوتر، لكنه يشير إلى أن العامل الحاسم يبقى مصير الوجود الإسرائيلي في لبنان، “إذ إن استمرار العمليات العسكرية والاغتيالات، إلى جانب تعثر المسار الدبلوماسي، قد يدفع حزب الله إلى استهداف القوات الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية. وهنا، سيكون رد إسرائيل على عمليات الحزب هو المحدد الأساسي لمسار التصعيد”.
ويرى جابر أنه “إذا اقتصر الرد الإسرائيلي على أهداف عسكرية جنوب الليطاني، فقد تبقى المواجهة ضمن نطاق محدود”، وتابع: “لكن في حال توسّع نطاق الاستهداف ليشمل مناطق أعمق، فقد نشهد تصعيداً تدريجياً وربما إطلاق صواريخ من قبل حزب الله على الداخل الإسرائيلي، ما قد يؤدي إلى تصاعد المواجهة في سيناريو أشبه بـ”كرة ثلج” قد تتدحرج نحو نزاع أوسع”. (الحرة)