تسليم السلاح ما بين النهرين: من جنوب الليطاني إلى الكبير الجنوبي

كتب ألان سركيس في نداء الوطن”:
يكثر الحديث في الفترة الأخيرة عن وضع جدول زمني لنزع السلاح غير الشرعي وحصره بيد الدولة. وفي خضم الجدل الحاصل بتسليمه في جنوب الليطاني فقط أو امتداد التسليم إلى شماله، يعيش لبنان ضياعاً سياسياً وأمنياً، بسبب عدم حزم الدولة أمرها وفرض سلطتها على كل الأراضي ومصادرة سلاح الميليشيات.

لا يحتاج نزع السلاح غير الشرعي إلى قرارات جديدة من مجلس الأمن الدولي، بل يعتبر تطبيق الدستور والقانون أكثر من كافٍ، كي لا يظهر سلاح غير سلاح الشرعية. وإذا كان القرار 1701 ينص على نشر قوات “اليونيفيل” والجيش اللبناني في تلك المنطقة ومنع المظاهر المسلحة، إلا أن الوقائع الأمنية عام 2025 باتت تفرض نفسها كقوّة أمر واقع.

وحسب التقديرات العسكرية، تمّ تدمير معظم الترسانة العسكرية لـ “حزب الله” في جنوب الليطاني، وهذا الأمر قامت به إسرائيل خلال الحرب ومن ثمّ خلال الهدنة وما بعدها، والاستهدافات التي تقوم بها حالياً هي لضرب محاولات “الحزب” التحرك في جنوب الليطاني وبناء قدرات عسكرية جديدة.

تضمّ منطقة جنوب الليطاني أقضية صور وبنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا، وبالنسبة إلى نزع السلاح في منطقة شمال الليطاني فالأمر ليس محصوراً بالجغرافيا، بل يحمل تفسيرات عدّة. فإذا كان المقصود الامتداد الجغرافي في الجنوب، فتضم هذه المنطقة كلاً من أقضية النبطية وصيدا وجزين، وإذا توسّعت تصل إلى البقاع وخصوصاً منطقة البقاع الغربي وراشيا.

ويستخدم “حزب الله” هذه المناطق للتنقل العسكري وبناء قدرات ومنشآت عسكرية فيها، وتأتي الاستهدافات الإسرائيلية لتؤكد نشاط “حزب الله” المتزايد ومحاولة نقله أسلحة وذخائر.

ويضاف إلى نشاط “حزب الله” في شمال الليطاني، وضعية مخيم “عين الحلوة”، الموجود في صيدا وهو من أخطر المخيمات الفلسطينية، إذ تسيطر عليه فصائل متطرفة، وحركات أصولية، وجماعات حليفة لمحور “الممانعة”، وقد تقدم هذه الفصائل على أي عمل عسكري يعيد توتير الأجواء جنوباً.

يعتبر السلاح الخارج عن القانون في عين الحلوة من الأولويات التي تحتاج إلى معالجة، فلا يجوز بقاء فصائل متطرفة لديها أجندات خارجية، تملك السلاح وقادرة في أي لحظة على تهديد الأمن وافتعال إشكالات، والأخطر أن هذا التواجد المسلح خارج عن سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية أيضاً وليس الشرعية اللبنانية.

وبما أن الجغرافيا باتت معروفة، فالمقصود بكلمة شمال الليطاني في القاموس السيادي، ليس فقط مناطق الجنوب التي يستعملها “حزب الله” وبعض الفصائل الفلسطينية، بل البدء من جنوب الليطاني وصولاً إلى النهر الكبير في وادي خالد شمالاً وكل الحدود الشرقية مع سوريا، ولا يمكن للدولة اللبنانية التساهل مع هكذا سلاح ومع أي نشاط حربي في تلك المنطقة.

وبعد أن أصبح سلاح المسيّرات هو المسيطر على الحروب، فلم يعد من أهمية للتواجد الجغرافي، إذ يمكن إطلاق أي مسيرة من البقاع أو الجبل أو شمال الليطاني، لذلك تسقط نظرية جنوب الليطاني أو شماله من القاموس العسكري في الحروب الجديدة، التي باتت لها مفاهيم مغايرة للمفاهيم القديمة.

ويبقى العامل السياسي هو الأهم في تحريك الملفات الداخلية وحتى العسكرية، وتتعرّض الدولة اللبنانية لأقصى ضغوط من أجل تطبيق الدستور والقرارات الدولية، ووصلت الرسالة إلى الحكومة بأنه لا يمكن تجريد منطقة جنوب الليطاني من السلاح غير الشرعي والسماح لـ “حزب الله” ببناء تنظيم عسكري في شمال الليطاني والبقاع، فالانتقال لا يستغرق دقائق من شمال النهر إلى جنوبه وكذلك البقاع ليس بعيداً عن الجنوب، ويمكن لـ “حزب الله” وإيران إذا نجحا في بناء قدراتهما العسكرية مجدداً، هزّ الأمن والاستقرار وفتح جبهة جديدة.

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى