إنقسام “عموديّ” حول قانون الإنتخاب… هل يمهّد لورشة “إصلاحية”؟

أثارت جلسة اللجان النيابية المشتركة، التي أدرجت على جدول أعمالها مجموعة من اقتراحات القوانين المتعلقة بقانون الانتخاب، بما في ذلك اعتبار لبنان دائرة انتخابيّة واحدة، بالتوازي مع استحداث مجلس للشيوخ، جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية، لم ينتهِ بإعلان نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب “التريّث”، وإرجاء البحث أقلّه بانتظار أن يرسل الفرقاء الآخرون اقتراحاتهم أو تعديلاتهم على قانون الانتخاب.
ثمّة في هذا السياق من تحدّث عن “تهريبة” مثلاً، كما فعل عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك، الذي اعتبر أنّ طرح الاقتراح الذي تبنّاه النائب علي حسن خليل، “أرنب من بين الأرانب التي يخرجها الرئيس نبيه بري”، معتبرًا أنّ العمل السياسي الحاد الذي تقوم به الحكومة لتطبيق مندرجات اتفاق الطائف والقرار 1701، قد أزعج الثنائي الشيعي، فأوعز إلى الرئيس بري بالتحرك في هذا الاتجاه، وكان ما كان.
لكنّ هذا المنطق اصطدم بموقف كلّ من حسن خليل نفسه، الذي أوضح أنّ اقتراح القانون المذكور ليس جديدًا، بل مقدَّم منذ ستّ سنوات، ومن بو صعب، الذي أوضح أن “لا شيء اسمه تهريبة في مجلس النواب”، ولا سيما أن الجلسات تُعقَد في العلن بمشاركة الكتل كافة، من دون أن يمنع ذلك من طرح علامات استفهام بالجملة عن “تبعات” هذا الانقسام النيابي وما ترتّب عليه من “تريّث”، فهل يمهّد لورشة “إصلاحية” حقيقية على خطّ قانون الانتخاب؟!
انقسام “عمودي” قديم جديد
إن دلّت جلسة اللجان النيابية المشتركة على شيء، مع كلّ ما سبقها وتلاها من سجالات سياسية عالية السقف، فهو على أنّ الانقسام في البلاد لا يزال “عموديًا”، وأنّ ما تُعتبَر بنودًا “إصلاحيّة” لا بدّ منها في قانون الانتخاب، لا تحظى بأيّ إجماع، حتى إنّ هناك من يتوجّس من مجرّد إثارتها بين الفينة والأخرى، ولو كان ذلك في العلن، وداخل مجلس النواب، ويخشى أن يكون ذلك مقدّمة لمشاريع ومخططات، ليس أقلّها التمديد للبرلمان، وعدم إجراء الانتخابات.
إلا أنّ الانقسام الذي تجلّى بوضوح في جلسة اللجان النيابية المشتركة ليس بجديد، وفقًا للعارفين، خصوصًا على خطّ البندين المحوريّين، أي جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، واستحداث مجلس للشيوخ، علمًا أنّ البند الأول مثلاً “غير واقعي” بحسب الكثير من الكتل، ولا سيما المسيحية منها، التي تعتبر أنّ من شأنه أن يعطي “الأكثرية العددية” نفوذًا على حساب القوى الأخرى، بعكس ما هو مأمول من خطوة إصلاحيّة بهذا الحجم والنوع.
أما في ما يتعلق باستحداث مجلس الشيوخ، فعلى الرغم من إقرار الجميع بأهميته، تطبيقًا لاتفاق الطائف، إلا أنّ المشكلة التي يطرحها تكمن في “الربط” بينه وبين انتخاب مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، ما يجعل الطرح اليوم غير واقعيّ ولا مُجدٍ، باعتبار أنّ مجلس النواب يُنتخَب على أساس طائفيّ، ولا نوايا فعليّة بتغيير ذلك، ما يعني أنّ التوقيت غير مناسب لإثارة الموضوع الآن، وهو الذي يتطلب تحضيرًا طويلاً لا أفق له الآن.
سيناريوهات وهواجس بالجملة
وإذا كان اقتراح مجلس الشيوخ وجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة نال “حصّة الأسد” من البحث في جلسة اللجان المشتركة وعلى هامشها، فإنّه لم يحجب الضوء عن مشاريع أخرى مطروحة، بينها مثلاً مشروع القانون المقدّم من “التيار الوطني الحر”، والذي يذهب باتجاه تكريس البعد “الطائفي” لقانون الانتخاب، وهو الذي يشكّل “نسخة منقّحة” بحسب نواب تكتل “لبنان القوي”، من القانون الأرثوذكسي الذي ينصّ على أن تنتخب كلّ طائفة نوابها في المجلس.
إزاء ذلك، تتفاوت وجهات النظر حول “جدوى” البحث بقانون الانتخاب بهذا الشكل، وفي هذا التوقيت، فعلى الرغم من أنّ القول إنّ النقاش فُتِح “باكرًا” لا يستقيم، باعتبار أنّ سنة واحدة تفصل عن الموعد المفترض للانتخابات النيابية وهي مدّة قصيرة نسبيًا لورشة “إصلاحية” انتخابية متكاملة، إلا أنّ هناك من يرى أنّ الأولوية الآن تكمن في البحث بكيفية استكمال الإصلاحات المطلوبة على قانون الانتخاب الحالي قبل البحث بتغييره.
ولعلّ هذا بالتحديد ما يدفع كثيرين إلى “التوجّس” من وجود غايات “مضمرة” من إثارة موضوع قانون الانتخاب بهذا الشكل الآن، منها الإبقاء على القانون الحالي “كما هو”، وحتى من دون إدخال الإصلاحات الضرورية، بما في ذلك الميغاسنتر، ولكن منها أيضًا إلهاء الناس بنقاشات لا يُعتقَد أنّها ستفضي إلى تفاهمات حقيقية، في ظلّ تركيبة المجلس النيابي الحالي، ولكن يُخشى أن يكون الهدف منها التمهيد لتطيير الاستحقاق الانتخابي المقبل، بصورة أو بأخرى.
صحيح أنّ هناك من أثار مسألة “التوقيت”، باعتبار أنّ مهلة سنة تفصل عن الانتخابات، فضلاً عن أنّ “الأولويات” اليوم في مكانٍ آخر، في ضوء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، وما ترتّب عليها على أكثر من صعيد. لكنّ العارفين يشدّدون على أنّ مثل هذه المقاربة لا تبدو “موفّقة”، فقانون الانتخاب هو مدخل حقيقيّ للإصلاح السياسيّ، إصلاحٌ لا يبدو أنّ شروطه قد نضجت فعليًا، ولو أنّه يشكّل نقطة تقاطع بين العهد الجديد وحكومته الأولى!