هل تعود بيروت وجهة عالميّة للاستثمار؟

كتب ريشار حرفوش في “نداء الوطن”:
لطالما كان وسط بيروت مركزاً للحركة التجارية والسياحية، لكنّ الأزمات المتتالية منذ 2019، مروراً بانفجار المرفأ في 2020، وصولاً إلى الجمود السياسي، حوّلته إلى منطقة شبه مهجورة، فالمحلات أغلقت، المطاعم فقدت زبائنها، والشوارع باتت بلا روح، إلّا أن الأشهر الأخيرة شهدت تغييرات إيجابية مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، ما انعكس على الأجواء العامة. وتمثل إعادة فتح الطرقات وتأهيل الأسواق وعودة بعض الأنشطة التجارية مؤشراتٍ على بداية تعافي المنطقة، وإن كان ذلك في مراحله الأولى.
عودة تدريجيّة للحركة
يمكن ملاحظة تحسّن نسبيّ في الأسواق، حيث بدأت بعض المتاجر ملء رفوفها، وعادت المطاعم لاستقبال الزبائن، وبخاصة في عطلات نهاية الأسبوع، ورغم أن الحركة لا تزال خجولة، إلّا أنّ هناك تفاؤلاً بموسمي الربيع والصيف والحملات التسويقية كالحملة الرمضانية الحاليّة لجذب الزوّار. ويكمن التحدّي الأكبر في استعادة ثقة المستثمرين والسيّاح، وكان وسط بيروت وجهة رئيسية للعلامات التجارية العالمية، لكنه يحتاج إلى استقرار اقتصادي وسياسي حقيقي قبل أن يستعيد مكانته.
تحدّيات إعادة الإحياء
من أبرز العوائق التي تعترض طريق التعافي، ارتفاع تكاليف الإيجارات واحتكار العقارات، حيث كان الوسط موجّهاً للاستثمارات العالمية، ما جعله غير جاذب لصغار المستثمرين، كما أن المنطقة تفتقر إلى رؤية متكاملة تشمل بعداً اجتماعياً وثقافياً، ما يجعل إعادة إحيائها أكثر تعقيداً من مجرّد فتح الطرقات.
ويكمن الحلّ في تقديم حوافز مالية، كخفض الإيجارات، وتحسين البنية التحتية، ودعم الشركات الناشئة، كما أن تعزيز العلاقات مع الدول العربية وإعادة استقطاب السياح الخليجيين قد يكون عاملاً حاسماً في إنعاش النشاط.
المحافظ: الشركات العالمية عائدة
وفي حديث خاص لـ “نداء الوطن”، أوضح محافظ بيروت، القاضي مروان عبود، أن “المدينة شهدت تراجعاً منذ 2005 بسبب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، ما أدّى إلى إغلاق العديد من المؤسّسات”، لكنه أكد “أن الأمور بدأت تتحسّن بعد انتخاب الرئيس جوزاف عون وتكليف القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة، حيث يتمّ العمل على إعادة الحياة إلى العاصمة عبر رفع الأضرار، تحسين البنية التحتية، وتشجيع المستثمرين على العودة”.
وكشف عبود عن أن “شركة هندسية عالميّة قرّرت إعادة فتح مكاتبها في وسط بيروت، ما سيوفّر فرص عمل جديدة”.
وقال: “تؤكد عودة الشركات الكبرى إلى بيروت أن الثقة قد عادت إلى لبنان، وسيصبح الموضوع Trend مع استئناف الشركات العالمية نشاطها هنا، وكأن هناك قراراً عالمياً بهذا الشأن”.
أضاف: “تحرّكنا يتضمّن العديد من الخطوات الاستثمارية، وقد اجتمعنا مع الهيئات الاقتصادية ووضعنا خطة زمنية لإعادة الحياة إلى المدينة”.
وردّاً على سؤال عن المهل، أجاب: “ستقوم اللجان المختصة برفع التقارير اللازمة حول الأضرار، وعلى ضوء هذه التقارير، سنواصل متابعة الموضوع”.
استكمال إزالة العوائق
وأكد عبود أن “إزالة العوائق الأسمنتية ليست سوى خطوة أولى، إذ سيتم استكمال العمل عبر إنارة الشوارع، وإزالة الشعارات السياسية، وترتيب الأرصفة، والاعتناء بالأشجار. كما سيتم ترميم واجهات المحلات وتشجيع المالكين على إعادة فتح متاجرهم وفق آلية واضحة”.
وعن إمكان إنجاز الخطة قبل الصيف، قال: “نأمل ذلك، إن شاء الله”.
بين الأمل والواقع
رغم الخطوات الإيجابية الأخيرة، فإن استعادة وسط بيروت دوره كمركز اقتصادي وسياحي لا يزال يتطلّب إصلاحات جذرية، فنجاح هذه الجهود يعتمد على قدرة الدولة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي وإعادة بناء الثقة لدى المستثمرين والمواطنين. وإذا نجحت هذه الخطة، فقد نشهد عودة وسط بيروت إلى سابق عهده كمركز نابض بالحياة، أما إذا اقتصرت التحركات على تغييرات سطحية من دون إصلاحات حقيقية، فقد يظل وسط المدينة مشروعاً مؤجلاً، ينتظر فرصة جديدة للنهوض.