إسرائيل تستخدم “النقاط الخمس” كـ “أوراق ضغط”

كتب نايف عازار في “نداء الوطن”:
بعدما حوّلت آلة الحرب الإسرائيلية الضروس بلدات جنوبية لبنانية عدة “أثراً بعد عين”، مخلّفةً دماراً مَهولاً ومحوّلةً قرى عدة إلى مناطق غير قابلة للعيش، وكل ذلك نتيجة إشعال “حزب الله” شرارة حرب إسناد غزة، بات الجنوب كما “الحزب” بحاجة ماسّة إلى من يسندهما، من جرّاء ما حلّ بهما من ويلات الحرب الطاحنة.

وبعدما كان جنوب لبنان محرّراً من الاحتلال الإسرائيلي عشية “حرب الإسناد”، بات غداتها محتلاً جزئياً. فالدولة العبرية سحبت جيشها من الجنوب في المهلة الممدّدة في 18 شباط، إلّا أنها أبقت احتلالها لخمس “تلال حاكِمة”، ضاربةً عرض الحائط باتفاق وقف النار المبرم مع الحكومة الميقاتية السابقة والتي كان “حزب الله” أحد أبرز أعمدتها، كما بالقرار 1701.

ورغم التطور التكنولوجي الإسرائيلي المَهول، والممهور أميركياً، الذي بدا جلياً في حربي لبنان وغزة من خلال المسيّرات المتطورة والمقاتلات المتنوعة والأقمار الاصطناعية كما الذكاء الاصطناعي، إلّا أن حكومة نتنياهو حرصت على إبقاء جيشها في خمس تلال استراتيجية في جنوب لبنان، حرصاً منها على الاحتفاظ بوجود مادي هناك. فالتلال الشاهقة هذه، تطلّ على المستوطنات الشمالية، ما يتيح للجيش الإسرائيلي حمايتها تمهيداً لإعادة المستوطنين الفارين منها والمتخوّفين من العودة إليها، رغم ضرب وزير المال بتسلئيل سموتريتش موعداً في الأول من آذار المقبل للعودة إليها.

كما أنها تشرف على بلدات جنوبية لبنانية عدة، ما يسمح للقوات الإسرائيلية بمراقبتها عن كثب، وبالتالي التعامل مع أي تحركات لـ “حزب الله” بالنار فوراً، والتحرك من داخل الجنوب في حال نشوب أي حرب جديدة، ولا يكون عليها بذلك اجتياز الحدود مجدداً.

هاجس “الهولوكوست” و”جنون” نتنياهو

ليس خافياً على أحد أن إسرائيل ببقائها في المواقع الجنوبية أرادت أن تمسك في يدها أوراقاً ضاغطة على الحكومة اللبنانية، لدفعها إلى مواصلة نشر الجيش اللبناني في الجنوب وتعزيز قبضتها الرسمية على المواقع التي يخليها “الحزب”، كما السيطرة على كامل مخازن سلاحه.

وبعدما حفرت هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأوّل عميقاً في الوجدان الإسرائيلي الجماعي وأعادت إلى ذاكرة اليهود هاجس “الهولوكوست”، وأصابت نتنياهو وائتلافه الحكومي بالجنون، فإن الإسرائيليين يرتابون من “حزب الله” أكثر من “حماس” التي أفقدتهم صوابهم في 7 أكتوبر، فالحزب ورغم أنه أُنهك وفقد أكثر من ثمانين في المئة من قدراته العسكرية، إلّا أنه يؤرق سكان الشمال الذين يتخوّفون من احتلاله الجليل.

كما أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي تقتات حكومته من ديمومة الجبهات الساخنة، بحاجة إلى تسجيل إنجازات في الداخل الإسرائيلي، وبقاء بعض قواته في لبنان ربّما “يشفي غليل” وزرائه المتطرّفين الذين يلوّحون بفرط عقد الائتلاف الحكومي، إن قدّمت الحكومة ما يعتبرونه مزيداً من التنازلات في لبنان وغزة.

خطأ ستندم عليه تل أبيب

بعض الإعلام العبري انتقد البقاء في لبنان، وعاد بالذاكرة لعام 1982، معتبراً أن المنطقة العازلة أو الشريط الحدودي الذي أقامته إسرائيل منذ ذلك العام وحتى خروجها من لبنان عام 2000 لم يحمِ شمال البلاد، بل جرّ الويلات على الجيش من جراء هجمات “حزب الله”، لذلك اعتبرت الأقلام العبرية المعارِضة للبقاء في الجنوب أنه سيستدرج عاجلاً أم آجلاً هجمات على الجيش الإسرائيلي، مِما تبقى من مقاتلي “الحزب”.

فالمراسل العسكري لـ “معاريف” آفي أشكنازي، اعتبر أن مهاجمة ناشطين ومخازن سلاح في لبنان هي السبيل لإظهار قوة الردع الإسرائيلية، بيد أن إقامة مواقع عسكرية سبق أن انسحب منها الجيش قبل 25 عاماً، هي خطأ ستندم عليه تل أبيب. وأضاف أنه بإمكان الجيش توفير الشعور بالأمن لسكان الشمال، وهذا لا يتحقق من خلال إقامة مواقع عسكرية في الوحل، بل يتحقق عند وقت الاختبار.

في المقابل، وصف الكاتب حغاي هوبرمان عدم الانسحاب بالأخبار الجيّدة. وكتب في “القناة 7” أن الجيش لم ينسحب من لبنان بصورة كاملة، بل بقيَ في خمس نقاط، وأن هذه النقاط ليست تافهة، بل تكتسب أهمية استراتيجية وهي بمثابة عيون إسرائيل على الجنوب اللبناني.

الباحثة في “معهد دراسات الأمن القومي” أورنا مزراحي، اعتبرت أن قرار إسرائيل الاحتفاظ بالنقاط الخمس، ناجم عن التقدير أن الجيش اللبناني سيواجه صعوبات في الانتشار في المنطقة كلها، وفي التصدي لمساعي “حزب الله” ترميم قواته. وأضافت مزراحي أنه في ضوء هذا، من المحتمل أن يستغلّ “الحزب” استمرار الوجود الإسرائيلي لإثبات عجز الجيش اللبناني في مواجهة إسرائيل، واستخدامه كذريعة للتمسّك بموقفه كونه المدافع الحقيقي عن لبنان، وبمرور الوقت، يمكن أن تتحوّل القوات الإسرائيلية في هذه النقاط إلى أهداف للهجمات، وربّما يشعل ذلك حرباً جديدة.

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى