ما هي المخاوف المشروعة وغير المشروعة من سلاح “الحزب”؟

كتب شارل جبّور في “نداء الوطن”:
يعيش الشعب اللبناني في قلق دائم على وجوده ومصيره ومستقبله، وهذا الأمر مبرّر إن بسبب أوضاع البلد المأسوية منذ نصف قرن إلى اليوم، أو بفعل الخشية من تكرار تضييع الفرص التي تقود إلى إعادة الاعتبار لدور الدولة. لكن القلق الذي يزيد عن حدِّه يصبح سلبياً بتأثيره على معنويات الناس ورؤيتها وأملها بالمستقبل. ولذلك، من الضروري التمييز بين المخاوف المشروعة والمخاوف غير المشروعة.
فالتعامل مع المشروع المسلّح لـ “حزب الله” وكأنه ما زال على ما هو عليه يندرج في سياق المخاوف غير المشروعة، لأن هذا المشروع بصورته السابقة انتهى.
ولا يجب أن تتأثّر الناس بالمواقف والحشود وبعض المظاهر غير القابلة للصرف ولا الترجمة السياسية. فأي مشروع يستمد قوته من الخارج ويُقطع جسر تواصله مع هذا الخارج ينتهي.
وإسرائيل لن تسمح بتكرار حرب الطوفان وما تلاها من حرب إسناد. وسوريا الشرع أخرجت ميليشيات إيران من سوريا ولن تسمح بعودتها. والولايات المتحدة قرّرت إعادة الدور الإيراني إلى داخل حدودها. والقوى السياسية على اختلافها لا تريد أن يبقى لبنان ساحة فوضى.
ما لا يجب أن يكون موضع نقاش إطلاقاً هو أن “حزب الله” بصيغته قبل استسلامه انتهى. ومن يتعامل معه وكأنه ما زال هو نفسه، يقدِّم أكبر خدمة له.
لأن “الحزب” يريد الحفاظ على صورته السابقة ودوره السابق الذي كان يستمد شرعيته من إسرائيل. لكن تل أبيب قرّرت إنهاء اللعب معه، وإقفال الملعب على غرار انسحابها من لبنان في العام 2000، وإقفال الملعب اللبناني مع النظام السوري الذي اضطر إلى الخروج بدوره من لبنان.
كان نظام الأسد يريد أن تبقى إسرائيل في لبنان ليبرِّر بقاء جيشه. وحاول إقناع واشنطن وتل أبيب بأن دوره ضروري للجم “حزب الله”، فيما كانت كل عمليات “الحزب” تحصل في غرفة عمليات إيرانية وسورية مشتركة.
وكان الهدف من ذلك الإمساك أولاً بورقة ما يسمى المقاومة، والدخول ثانياً على خط المفاوضات مع الولايات المتحدة، ومحاربة كل من يريد السلام ثالثاً بتقوية تيار الحرب بدءاً من إسرائيل، وتمدُّد المشروع الممانع رابعاً والذي يوظِّف الحرب مع تل أبيب ليتوسّع على حساب الدول العربية.
حرص نظام الأسد على أن يبقى الصراع مضبوطاً بين ما يسمى المقاومة وإسرائيل تلافياً لردّ فعل يُنهي هذه المقاومة. وفي كل مرة خرج فيها هذا الصراع عن السقوف المرسومة، وضع النظام السابق جهوده كلها لإعادة ضبطه.
وآخر ما كان يتصوره نظام الأسد أن تنسحب إسرائيل وفقاً لأجندة داخلية وانطلاقاً من وعود أميركية بترتيبات حدودية تضمن أمنها في سياق عملية سلام تستدعي الخروج من لبنان.
لم يحصل الانسحاب الإسرائيلي بسبب الأعمال العسكرية لما يسمى المقاومة، لأن الأخيرة لم تكن تريد أصلاً أن تنسحب إسرائيل خشية من أن تفقد دورها، وأن يتحوّل التركيز على الوجود السوري الذي كان يستمد حجة استمراره في لبنان من الوجود الإسرائيلي، ولم يكن في وارد الخروج وخسارة إحدى أبرز أوراقه الإقليمية. لكن، لولا الانسحاب الإسرائيلي في العام 2000 لما انسحب الجيش السوري في العام 2005.
أعاد “حزب الله” استنساخ الأسلوب نفسه الذي اعتمده الأسد. لكنه تفاجأ برد الفعل الإسرائيلي في حرب تموز 2006. ولم يخفِ السيد حسن نصرالله مفاجأته بقوله إنه لو توقّع هذا الرد لما أقدم على عملية الاختطاف. وحرص من بعدها على ضبط المواجهة وصولاً إلى الترسيم البحري بهدف تسليم واشنطن وتل أبيب بدوره السلمي والذي يعترف فيه بحدود إسرائيل.
غير أن حرب الطوفان أحرجته فاعتقد أن الاكتفاء بالإسناد يُبقي المواجهة مضبوطة، لكنه أخطأ في إدارتها، فقرّرت إسرائيل سحقه وفكّ الارتباط معه، على غرار فكها للارتباط مع نظام الأسد قبله، وإنهاء دوره بترتيبات عسكرية واتفاق يمنحها شرعية استهدافه بغطاء أميركي.
فيما استفادت واشنطن من العملية الإسرائيلية العسكرية في غزة ولبنان وسوريا من أجل إنهاء الدور الإيراني التوسعي التخريبي في المنطقة والتمهيد لشرق أوسط جديد.
وعليه، فإن المخاوف من عودة الصيغة القديمة لـ “حزب الله” في غير محلها إطلاقاً. فهذه الصيغة انتهت إلى غير رجعة على غرار انتهاء الوجود العسكري الأسدي وقبله الفلسطيني.
وفي المقابل، تكمن المخاوف المشروعة في احتمال عدم الاستفادة من هذا التطور الكبير لاستعادة الدولة قرارها ودورها، الأمر الذي يُبقي لبنان في حالة من المراوحة وعدم الاستقرار.
كانت الصيغة القديمة لـ “حزب الله” تُزعج إسرائيل من وقت لآخر، فقرّرت إزالتها. أما الصيغة الجديدة لـ “الحزب”، في حال عدم تفكيك بنيته العسكرية، تُزعج لبنان لا إسرائيل، وعلى الدولة أن تزيلها تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني بنزع سلاح الميليشيات كلها خلال فترة أقصاها ستة أشهر. وفي حال لم تتصرّف الدولة بحزم مع “الحزب”، فإنه سيبقى شوكة في خاصرة لبنان، وعائقاً أمام قيام دولة فعلية.
إذاً، ليست المخاوف المشروعة في استمرار الصيغة القديمة لـ “الحزب” والتي دفنت قبل السيد حسن نصرالله، إنما هي في عدم تحمُّل الدولة مسؤولياتها في تطبيق الدستور والقوانين المرعية على جميع اللبنانيين.
ومن الجريمة إبقاء لبنان في حالة فوضى ومن دون مساعدات، وفي وضعية انتقالية بين الدولة واللادولة، خصوصاً بعد اندحار المشروع الممانع في ظل فرصة غير مسبوقة تمنح الدولة القدرة على بسط سلطتها على الجغرافيا اللبنانية كاملة. وجلّ ما هو مطلوب هو الخروج من دائرة التردُّد إلى المبادرة في استرداد قرار الدولة الاستراتيجي في كل شيء.