جديد الطابع المالي… وزارة المال تقفز مجدداً فوق القانون
كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
من عمر الأزمة اللبنانية المالية هو عمر الابتزاز الذي يتعرض له اللبنانيون في تسديد رسوم الدولة عبر الطابع المالي. وبدلاً من فكفكة تداعيات هذه المشكلة الناتجة عن سوء إدارة مالية أوصلت البلد إلى ما وصل إليه، عاد ملف الطوابع المالية إلى الواجهة مجدداً، وهذه المرة من باب مشروع تلزيم، كان يفترض أن ينقل لبنان إلى مصاف دول العالم في اعتماد الطابع الإلكتروني. فتبيّن أن “الصفقة” التي أحيلت إلى رقابة ديوان المحاسبة المسبقة “التفّت” حول مفهوم “الإلكتروني” في محاولة لتأبيد “الورقي”، مع تحميل المشروع أيضاً بمخالفات قانونية وهدر للمال العام.
في الأسبوع الماضي صدر قرار عن الغرفة الرابعة في ديوان المحاسبة برئاسة القاضية نيللي أبو يونس وعضوية المستشارين رانية اللقيس ونجوى الخوري، رفض الصفقة المحالة إلى رقابته المسبقة، تحت عنوان “تلزيم تأمين طابع إلكتروني E- STAMP لزوم وزارة المالية”.
المقترح كما أوضحت مصادر، يقوم على استحضار تجهيزات POS MACHINE تتيح تسديد رسوم الطوابع على شكل رموز استجابة سريعة، أو ما يعرف بـQR CODE، تلصق على المعاملات قبل تقديمها، بدلاً من الطابع الورقي التقليدي. وهذا المشروع نوقش في بداياته في لجنة المال والموازنة، واعترضت عليه مجموعة من النواب، لأنه “عندما نصبح بحاجة لإرفاق المعاملة بورقة تسحب من التجهيزات لا يعاد الطابع إلكترونياً” وفقاً لما قاله لـ “نداء الوطن” النائب في تكتل الجمهورية القوية رازي الحاج.
تلزيم بلا قيمة تقديرية للمشروع
أيّد الديوان أيضاً إعتماد الطابع الإلكتروني بمفهومه العصري الذي يسمح بتسديد الرسوم وإنهاء المعاملات عن بعد. لكن الأزمة الناتجة عن الطوابع الورقية، جعلت غرفته الرابعة تمنح المشروع المقترح أمامها فرصة. إلا أن التلاعب على ما يبدو لم ينحصر بمفهوم الطابع الإلكتروني. فرُفض المقترح وأعيد إلى الإدارة لتصحيحه.
الصيغة المقترحة للتحوّل إلى الطابع الإلكتروني تبين أنها لا تتوافق مع قانون رسم الطابع المالي، لا بمادته العشرين المعدلة التي تحدد طرق تسديد الرسوم المعتمدة، ولا مادته الـ 21 التي حمّلت وزارة المالية مسؤوليات تركيب الآلات الخاصة بالطابع الإلكتروني، وتحديد أصول استخدامها، وشكل الطوابع ومواصفاتها. فقفزت وزارة المالية من فوق القوانين إلى مرحلة التلزيم مباشرة، والذريعة أن الحاجة تبرر الوسيلة.
في الشكل، أولاً لم ترفق الإدارة ملفها بقيمة تقديرية للإيرادات المتوقعة، وهو ما حيّر الديوان حول ما إذا كان يعود له البت بالمعاملة، وفقاً للسقوف المحددة. مع ذلك مضت الغرفة الرابعة بدراسة الصفقة، بحثاً عن مراعاتها للأصول القانونية، وفي مدى حفظ حقوق الخزينة العامة. إلا أن تجهيل القيمة التقديرية للمشروع، خالف قانون الشراء العام في الجوهر، خصوصا لجهة ما نصّ عليه حول ضرورة تحديد أسعار واقعية للسوق، مع احتساب كافة العناصر اللازمة لتنفيذ المشروع. فتخطت الإدارة هذا الموجب وتحولت إلى اعتماد معيار “السعر التنزيلي” كمنطلق لترسية عقد المناقصة.
أما مخالفة وزارة المالية الكبرى فكانت في الإنطلاق من قيمة الجعالة المحددة لباعة الطابع المالي الورقي بموجب القانون 326/2001 والمحددة بخمسة في المئة في إطلاق المناقصة. مضمنة العرض كلفة التجهيزات والأنظمة التي على الملتزم تأمينها، على أن تقتطع مباشرة من الإيرادات.
إفتقر هذا المعيار للأساس القانوني وفقا لديوان المحاسبة. إذ أن الجعالة المخصصة قانونياً لبائعي الطوابع لا يمكن تخصيصها كنفقة لشراء الأنظمة وتغطية خدماتها. كما أن المعيار خالف أحد اهم مبادئ الموازنة العامة وهو مبدأ الشيوع الذي يحظر تخصيص إيراد معين لنفقة معينة إلا من ضمن نصّ قانوني. وهذا ما يفترض تحويل إيرادات بيع الطوابع كاملة إلى حساب وزارة المالية في مصرف لبنان، على أن تحسم منها لاحقاً كلفة التجهيزات.
تذرعت الإدارة وفقاً للمعلومات، أنها بتخطيها مبدأ الشيوع، تؤمن فرصة للإنطلاق بمشروع التحول إلى الطابع الإلكتروني بصفر تكلفة، متجاهلة غياب الأسس العلمية التي تثبت بأن المتعهد لا يحصل على أكثر من حقه من نسبة إيرادات، وهو ما يتوقع رازي الحاج أن تصل إلى مئة مليون دولار سنوياً.
عارضٌ شارك ليخسر؟
بدا لافتاً ألا يتقدم للصفقة سوى عارضين. وقد فازت Core Technologies and Solutios التي قدمت سعراً تنزيلياً بقيمة 4.25 في المئة. فيما بدا العرض المالي المقدم من شركة Evolution Technologies مثيراً للإهتمام، خصوصاً أنه لم ينزل ولو جزءاً عن نسبة الجعالة المحددة بخمسة في المئة، وهو ما عكس عدم جدية العارض في كسب الصفقة، وكأنه شارك ليخسر.
جاء تقديم العرضين في المقابل في ظلّ تضييق دفتر الشروط للفرص المتاحة أمام الشركات الأجنبية، وإشتراطه أن تكون من ضمن إئتلاف يضم شركات لبنانية، بينما الطابع الإلكتروني تجربة حديثة في لبنان. في مقابل تبسيطها الشروط أمام العارضين اللبنانيين الذين لم تطلب منهم سوى سنتي خبرة، من دون ان تحصرها بالطابع الإلكتروني. وهذا ما جعل الفرصة متاحة حتى أمام من تقتصر خبرتهم على طباعة الطوابع الورقية.
دفتر شروط مفصل على قياسات تأمين الإحتكارية
أثار دفتر الشروط شبهات كثيرة حول كونه فصّل على قياس رابحين محددين أمّن لهم احتكارية كاملة في مسألة تتعدى عملية شراء عادية إلى حد إدارة وتشغيل مرفق الطوابع المالية والإلكترونية.
فخريطة الطريق المحددة على المستوى الرسمي للإنتقال إلى الطابع الإلكتروني وفقا لديوان المحاسبة، تفترض عبور ثلاث مراحل حددتها وزارة المالية، وتضعها كلها في موقع المسؤولية. وذلك بدءاً من مرحلة توفير الأنظمة والتجهيزات التي يفترض أن تخضع لعملية شراء وفق الطرق المحددة وأصولها وإجراءاتها، بموجب أحكام قانون الشراء العام. إلى مرحلة الترخيص بتركيب الآلات الخاصة التي ستصدر الطوابع الإلكترونية التي تفترض صدور قرارات عن وزارة المالية تراعي أحكام قانون رسم الطابع المالي. وإلى مرحلة التنفيذ وإصدار وبيع الطوابع الإلكترونية، التي تتطلب المواكبة والإشراف المباشر من الإدارة ورقابتها على توريد القيمة الإجمالية للطوابع الإلكترونية المباعة محسوما منها الجعالة.
مجدداً تخطت الإدارة كل هذه المراحل، ووضعتها كلها في يد المتعهد، الذي عليه توفير الأنظمة والتجهيزات من دون العبور في هيئة الشراء العام، ويباشر بتشغيلها من دون تراخيص، ويديرها، ويشرف أيضاً على التدريبات، وعلى توزيع الورق اللاصق للطابع الإلكتروني في كافة الأقضية اللبنانية وتأمين بيعها في أكثر من 500 مركز بيع من مكتبات ومكاتب وبريد ومؤسسات مالية، ويتولى تسليمها للمراكز. من دون وضوح حول كيفية حفظ حقوق باعة الطوابع المرخصين وفقاً للنصوص القانونية أيضاً.
هذا في وقت لم يحدد دفتر الشروط الذي جرت على أساسه الصفقة مهلة لتحويل الإيرادات إلى مصرف لبنان، وما إذا كان سيتمّ بشكل دوري. كما لم يذكر بوضوح ما إذا كانت التجهيزات ستنتهي لعهدة الوزارة مع انتهاء العقد، ولو أكد المعنيون في الوزارة بردهم على استفسارات الديوان أن ملكيتها ستعود إليها.
الحالة المافياوية في تجارة الطابع الورقي مستمرة
لم يترك المشروع المقترح إذاً انطباعات حول حرص الإدارة على إنهاء معاناة الناس من الأطماع التي أحاطت “بالطابع المالي”، بل خلف شبهات حول أطماع إضافية باحتكار هذا القطاع، عبر آلية مختلفة. بمقابل تجاهل الإقتصاص من “مافيا الطوابع”، التي خزنت الكميات الورقية السابقة وتحكمت ببيعها في السوق السوداء.
هذا في وقت تتفاقم الفوضى في سوق الطوابع المالية، في ظل عدم المسارعة للانتقال السلس للوسائل المتاحة، ومن بينها تجهيز مختلف الإدارات بآلات الوسم. هذه الآلات التي يؤكد النائب الحاج” أن كلفتها لا تتجاوز الـ 500 ألف دولار، أي ما يوزاي عشرة في المئة فقط من نسبة الجعالة التي تقتطع من رسوم الطوابع سنوياً.
لم توافق إدارة الواردات في وزارة المالية حتى على إلغاء موجب الرقم المالي المطلوب في تسديد رسوم الطوابع عبر المؤسسات المالية، علماً أن المواطنين تخطوا هذا الرفض بطرق غير قانونية، من خلال إدراجهم أي رقم مالي، حتى لو لم يكن صحيحاً.
في المقابل برز تواطؤ باعة السوق السوداء في شبكات مع الجهات التي تتولى توفير الطوابع وتأمين الاستحصال عليها. وتتحدث معلومات عن استقوائية مورست أيضاً عبر تهديد مدير الخزينة المسؤول عن الطباعة والتراخيص، وسط صمت المعنيين. أما تدخل القضاء فلم يكن بحجم “الجرائم المرتكبة”. والإهمال لحق بتقرير سابق صدر عن الغرفة نفسها في الديوان أحيل إلى القضاء المختص، مع أن التقرير حدد أسماء وجداول المحتكرين، ومن استلم أكبر كميات منها، ومن وزعها، ومن قام ببيعها.