تبرؤ “الحزب” من تمديد الهدنة يبقى بلا مفاعيل عسكرية
كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
يعترف مصدر سياسي لبناني مواكب للاتصالات التي تولاها رئيس الجمهورية اللبنانية، العماد جوزاف عون، وأدت إلى تمديد الهدنة بأن أمين عام «حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم، لم يكن مضطراً للقول إن قرار التمديد لا يعنينا لا من قريب ولا من بعيد، وكان من الأفضل التريث لقطع الطريق على تظهير موقفه وكأنه على تباين مع الموقف اللبناني الرسمي ويحذو حذو حليفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، رغم أنه ارتأى أن يتضمن قرار التمديد ضمانة أميركية بوقف الخروق الإسرائيلية بتدمير وتجريف المنازل في البلدات الجنوبية الواقعة على امتداد الحدود اللبنانية مع إسرائيل.
ويؤكد المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» أنه لا مصلحة للحزب بالدخول في تباين مع الرئيس بري الذي كان قد توصل، وبتفويض منه، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع الوسيط الأميركي آموس هوكستين، وخصوصاً أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي نأى بنفسه عن التفاوض، فيما كان يتولى الرئيس عون، قبل انتخابه، قيادة الجيش ويقتصر دور المؤسسة العسكرية على تنفيذ الاتفاق بحذافيره.
ويلفت إلى أن الحزب، وإن كان يتصرف بأن تمديد الهدنة لا يعنيه، فهو في المقابل يتقيد بالاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة الأميركية ولم يعترض عليه طوال 60 يوماً التي حددها لوقف إطلاق النار، مع أن إسرائيل تتمادى في خرقه، وأن الحزب خرج عن صمته لمرة واحدة بإطلاق خمسة صواريخ استهدفت منطقة جل العلم المحتلة وقوبل في حينها برد فعل محلي أملى عليه التقيُّد بحرفيته بامتناعه لاحقاً الرد على الخروق.
لا دخول بمواجهة عسكرية
ويرى المصدر أن قرار الحزب بتبرئة نفسه من تمديد الهدنة وغسل يديه، بالمفهوم السياسي للكلمة، لن يرتّب عليه الدخول مجدداً في مواجهة مع إسرائيل بمقدار ما أنه أراد بموقفه هذا أن يحاكي حاضنته الشعبية لتبقى في حالة استنفار قصوى لإخراجها من الإرباك الذي تتخبط فيه على خلفية سؤالها عن الأسباب الكامنة وراء تحليه بالصبر، رغم أن الشيخ قاسم هدد في أكثر من مناسبة بنفاذ صبره وعدم السكوت على الخروق الإسرائيلية، ويقول إن المزاج الشيعي عموماً في حاجة إلى التقاط الأنفاس وهو ينتظر انسحاب إسرائيل للوقوف على ما حل من دمار لقراه الأمامية التي حولتها إسرائيل إلى أنقاض.
ويصنّف استهداف إسرائيل لبلدتي النبطية الفوقا وزوطر بصاروخين أطلقتهما من طائرتين مسيرتين على خانة اختبارها لرد فعل «حزب الله» انطلاقاً من أنه ليس معنياً بتمديد الهدنة وصولاً إلى حشره أمام حاضنته، ويقول إن الحزب لن يغامر ويرد على الغارتين، وبات لزاماً عليه مصارحة محاربيه لما هو قائم على الأرض، وهذا يتطلب منه أن يطل عليهم بخطاب واقعي جديد بعيداً عن المغالاة وضرورة تحسين سلوكه السياسي في تعاطيه مع شركائه في الوطن.
مرحلة سياسية انتقالية
ويلفت إلى أن الحزب لا يزال يمر في مرحلة سياسية انتقالية ولم يتمكن، كما يجب، من سد الثغرات التي خلفها اغتيال إسرائيل لأمينه العام حسن نصر الله ولعدد من أبرز قادته العسكريين وكوادره الميدانية، وهو يمارس حالياً سياسة الإنكار والمكابرة بعدم اعترافه بضرورة التكيّف استعداداً للانخراط في مرحلة سياسية جديدة، ويأخذ بعين الاعتبار التحولات التي شهدتها المنطقة ووقوف لبنان على مشارف تطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته، بدءاً باحتكار الدولة للسلاح ونزع كل ما هو غير شرعي.
ويقول المصدر نفسه إن الحزب يتصرف على أنه خرج منتصراً من المواجهة مع إسرائيل بذريعة أنه منعها من التوغل إلى عمق القرى الواقعة خارج الخط الأمامي المحاذي للحدود الإسرائيلية، وأنها توغلت لاحقاً فور التوصل لوقف إطلاق النار، ويؤكد أن انتصار الحزب ما هو إلا وجهة نظر لا يجد من يؤيدها ممن تبقى له من حلفاء، خصوصاً أن إسناده لغزة أدى إلى تدمير غير مسبوق للبلدات الواقعة على الخطين الأول والثاني في جنوب الليطاني.
ويؤكد أن مجرد التزام الحزب بوقف النار يعني حكماً بأنه يتعارض مع تمسكه بسلاحه، ليس في جنوب الليطاني فحسب، وإنما امتداداً على كل الأراضي اللبنانية فور التوصل لاتفاق يتعلق بالتوافق على الاستراتيجية الدفاعية للبنان، ويقول إنه لا مفر من تطبيق القرار 1701 الذي يحظى بإجماع لبناني وبتأييد عربي ودولي يضع لبنان تحت مجهر المراقبة الدولية لاختبار مدى الاستعداد للتقيُّد بحرفيته بوصفه أحد الشروط الأممية التي من دونها لا يمكن العبور إلى مرحلة التعافي، وبالتالي هناك استحالة للتعايش مع ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة».
مسيرات الدراجات النارية
ويضيف أن الحزب أخطأ عندما سمح للمسيرات بالدراجات النارية بأن تجوب أحياء بيروت بشقيها الشرقي والغربي، خصوصاً أنها لم تكن عفوية وقوبلت باستهجان دبلوماسي غربي وعربي وكان في غنى عنها، على حد قول دبلوماسي أجنبي لـ«الشرق الأوسط»، كونها تهدد السلم الأهلي والتعايش بين اللبنانيين وارتدت عليه سلباً، اعتقاداً منه بأن أحداً في الحزب لا يحرك ساكناً إلا بموافقة القيادة، مقدراً موقف الرئيس بري بمنعه محازبيه وأنصاره من المشاركة فيها.
ويؤكد أن الجيش اللبناني يقوم بمهامه في الجنوب وهو على استعداد للانتشار في البلدات التي تنسحب منها إسرائيل، ويأمل أن يعود طلب إٍسرائيل التمديد للهدنة لأسباب تقنية لا سياسية، مع أنها قادرة على سحب جيشها في غضون ساعات كونه يتموضع في مواقع خالية من منشآت وقواعد عسكرية تتطلب وقتاً طويلاً لتفكيكها.
ويقول إن الجيش يضع يده على المنشآت العسكرية ومخازن الأسلحة فور إخلائها من جانب «حزب الله» بالتعاون مع لجنة الرقابة الدولية، وإنه لا صحة لكل ما يتردد بأن الجيش يتباطأ في انتشاره، لكنه لا يستطيع الوجود إلى جانب الجيش الإٍسرائيلي في البلدة نفسها.