العودة “الطوعية” للسوريين الى بلادهم هل صارت أكثر قبولاً بعد سقوط الأسد؟
مع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، عاد ملفّ اللاجئين السوريين في لبنان إلى الواجهة، بعدما انتفت المخاطر الأمنية التي كانت تشكل الذريعة الأبرز لهؤلاء للبقاء في لبنان، تماماً كما انتفت هذه الذريعة من منطق الدول الغربية والأوروبية تحديداً التي كانت تمارس ضغطاً على لبنان لمنع عودتهم قبل إرساء الحل السياسي الذي يضمن العودة الآمنة لهم.
وبالرغم من انشغال المشهد السياسي بملف تشكيل الحكومة العتيدة، شكلت زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لسوريا قبل نحو أسبوعين ولقاؤه قائد الإدارة السورية الحالية أحمد الشرع مناسبة لإثارة هذا الموضوع، من ضمن المواضيع التي تشغل البلدين ولا سيما في الشق الأمني المتعلق بأمن الحدود والانتقال للبنانيين كما للسوريين على السواء.
وفيما رشحت أجواء إيجابية عن الزيارة لجهة البحث في ملف العودة، وإبداء الشرع ترحيبه بعودة مواطنيه، جاءت نتيجة الاستشارات النيابية لمصلحة تكليف السفير نواف سلام تأليف الحكومة، لتعيد الأمور إلى مربعها الأول في انتظار تشكيل الحكومة الجديدة التي ستتولى استكمال التفاوض مع الإدارة السورية الجديدة حول الملف.
هذا الواقع المستجد لم يمنع المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي من إثارة الموضوع على هامش زيارته لبيروت لهذه الغاية ضمن جولة شملت أيضاً سوريا، حيث كانت له لقاءات مع رئيسي الجمهورية العماد جوزف عون والمكلف نواف سلام. وقد شدد عون أمام المسؤول الأممي على أن لبنان يريد عودة النازحين إلى بلادهم في أسرع وقت ممكن، ولا سيما بعد زوال الأسباب التي أدت إلى نزوحهم إليه وسقوط نظام الأسد، مبدياً استغرابه للأعداد الجديدة الوافدة من سوريا، داعياً إلى وقف عمليات التسلل على جانبي الحدود.
والواقع أنه بالرغم من أن المفوضية سجّلت عودة نحو 200 ألف نازح، ليس فقط من لبنان، إلا أن عدد الراغبين في العودة لا يزال ضئيلاً ويراوح بين 1 إلى 30 في المئة حداً أقصى وفق تقديرات المفوضية.
وكان لافتاً أنها المرة الأولى التي يُعترف فيها بدور بنّاء للإدارة السورية الجديدة، بعدما كان التعاطي الغربي مع نظام الأسد مقطوعاً. وتوجه المفوضية إشارات بأنها بدأت التحرك الجدي في اتجاه هذه الإدارة من أجل العمل على ضمان العودة الآمنة للنازحين، ولكن الطوعية أيضاً، ما يعني أنه لن يكون هناك إلزام لأي نازح بالعودة ما لم يكن راغباً في ذلك. وفيما بدأت المفوضية العمل مع لبنان على هذا الموضوع، يطرح السؤال حول مدى هذه الجدية، وما إن كانت المفوضية ستستمر في تمويل بقاء النازحين في لبنان كما كان حاصلاً قبل سقوط الأسد، أم ستكون هناك آليات تمويل جديدة ومختلفة تحفز النازحين على العودة؟ وبحسب المعلومات المستقاة من الجهات الرسمية اللبنانية إن المفوضية لم تغير بعد توجهاتها ولا حتى الدول الأوروبية، وإن آليات المساعدة لا تزال على حالها حتى إشعار آخر، على ما تضيف المعلومات.
مع تفاقم الحرب الإسرائيلية على لبنان، سجلت دوائر الأمن العام اللبناني عودة أكثر من 400 ألف سوري إلى سوريا، هرباً من المخاطر الأمنية، في ما اعتبر بمثابة مخرج يعيد النازحين طوعاً وبقرار منهم، بعدما باتت البدائل لهم أكثر خطورة من بلدهم. وجاء سقوط الأسد ليعزز الانطباع في الداخل اللبناني بأنه سيكون مناسبة أو فرصة لاستمرار عمليات العودة التي كانت قد ارتفعت نسبتها إلى نحو ٣٠ في المئة، لكنها ما لبثت أن تباطأت لعاملين أساسيين، أولهما استمرار التراجع في الأوضاع الاقتصادية وغياب الحد الأدنى من الخدمات ولا سيما الصحية والاستشفائية والطبية والتعليمية والخدمات، الأمر الذي يدفع السوريين إلى التفكير مرتين قبل مغادرة لبنان، ولا سيما منهم من استقر ووجد فرصة عمل ثابتة، مقرونة بالمساعدات المالية الثابتة التي يتلقونها من المفوضية الأممية للاجئين. أما السبب الثاني فيكمن في استمرار المخاوف ولا سيما عند أتباع النظام الموجودين في لبنان من المخاطر الأمنية في ظل عدم وضوح سياسة الإدارة الجديدة حيال هؤلاء.
على المقلب الأممي والغربي، كانت الدول الأوروبية قد بدأت إعادة النظر في سياساتها تجاه النازحين، ومنها من بدأ تعليق النظر في طلبات اللجوء، فيما قررت المفوضية الأوروبية تقديم مبادرة تهدف إلى تسهيل العودة الطوعية بالتعاون مع الأمم المتحدة، بناءً على وثيقة قدمتها المفوضية إلى اجتماع دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل أواخر تشرين الأول الماضي على مسافة شهر تقريباً من سقوط الأسد، وذلك على خلفية الحرب في لبنان ومخاطرها على النازحين. أما وقد توقفت الحرب وسقط الأسد، فإن المفوضية مدعوّة إلى إعلان سياستها وتوضيحها حيال ملف العودة.