“الحزب” يناور برفض تأجيل الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان
كتبت بولا أسطيح في”الشرق الأوسط”:
رغم اعتقاد البعض أن خروج الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، ليعلن رفض تمديد مهلة الستين يوماً لانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة، أتى خارج السياق بعد ساعات من إعلان الحكومة التي يتمثل فيها الحزب كما رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي وكله بالتفاوض عنه طوال فترة الحرب الأخيرة، سيرهما بالتمديد، فإن النائب عن الحزب أمين شري أكد الموقف نفسه، قائلاً إن «قرار تمديد مهلة الهدنة لا يعنينا لا من قريب ولا من بعيد وغير موجود في رزنامتنا».
وأثار موقف الحزب هذا استغراب كثيرين فيما وضعه آخرون بإطار أسلوب المناورة الذي ينتهجه الحزب لتفادي إحباط بيئته، خصوصا بعد توافد الآلاف إلى قراهم منذ يوم الأحد الماضي مع انتهاء مهلة الستين يوماً التي نص عليها اتفاق وقف النار بين إسرائيل و«حزب الله».
المواقف المعلنة
وشدد قاسم في خطاب ألقاه، الاثنين، على أن تمديد مهلة انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان يعني «أننا أمام احتلال يعتدي ويرفض الانسحاب، وللمقاومة الحق بأن تتصرف بما تراه مناسباً حول شكل المواجهة وطبيعتها وتوقيتها»، مؤكداً أن «على إسرائيل أن تنسحب مع مرور الستين يوماً، ولا نقبل بأي مبرّر لتمديد يوم واحد ولا نقبل بتمديد المهلة».
ومساء الأحد، أعلن البيت الأبيض تمديد ترتيبات اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حتى 18 شباط المقبل، وبدء محادثات بوساطة أميركية بشأن إعادة الأسرى اللبنانيين الذين تم أسرهم بعد 7 تشرين الأول 2023.
وأعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، أن لبنان وافق على تمديد المهلة لعدم إعطاء إسرائيل أي عذر لعدم الانسحاب من الأراضي اللبنانية كافة. وأوضح رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه اشترط وقفاً فورياً لإطلاق النار والخروقات وتدمير المنازل وغيرها بالإضافة للتعهد بموضوع الأسرى.
مناورات وتنصل من الالتزامات
واعتبر مدير «مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر أن «(حزب الله) اعتاد اعتماد هذا الأسلوب لجهة اللعب على التناقضات لتوسيع هامش مناورته والتنصل من أي التزام، وهذا أمر خطير؛ إذ يبقي نفسه خارج إطار الشرعية فيما هو ممثل في مجلس الوزراء والسلطة يأخذ ما يريده منها ويتنصل من قرارته عندما يحلو له ذلك».
وفي حين استبعد نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» انسحاب إسرائيل خلال المهلة الجديدة المحددة في 18 شباط، رجّح أن تواصل «التحجج بأن سلاح حزب الله يشكل خطراً عليها، خاصة أن مضمون اتفاق وقف النار يسمح لها بذلك. فرغم الهزيمة التي تكبدها الحزب فإن إسرائيل لم تحقق هدفها من الحرب الأخيرة بإعادة سكان الجليل إلى منازلهم، علماً بأن الطرف الوحيد القادر على إجبار إسرائيل على الانسحاب هو الولايات المتحدة الأميركية».
ضغوط أميركية
من جهته، أشار المتقاعد منير شحادة، المنسق السابق للحكومة لدى «اليونيفيل»، إلى أن «موقف حزب الله وبيئته واضح وصريح برفض التمديد، وهما يتصرفان على الأرض على هذا الأساس منذ فجر يوم الأحد حين بدأ الزحف الشعبي بصدور عارية»، موضحاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الحزب أبلغ صراحة المعنيين رفضه التمديد، إلا أن الضغوط الأميركية على السلطة السياسية جعلتها توافق على تمديد لـ18 شباط، ما يشكل إحراجاً ونكسة لانطلاقة العهد».
إلا أن شحادة، بخلاف سامي نادر، يرجح انسحاباً إسرائيلياً مع انتهاء المهلة الجديدة بعد ضغوط أميركية، وهو يستبعد أي عودة للمواجهات العسكرية.
«حزب الله» مربك
أما الناشط السياسي علي الأمين، فرأى أن موقف «حزب الله» الرافض للهدنة «يندرج في إطار الموقف السياسي المبرر، من دون أن يرتب هذا الموقف أي سلوك يخالف موقف الدولة اللبنانية»، مرجحاً ألا يتجاوز الحزب الموقف السياسي الرسمي؛ «لأن تجاوزه أو القيام بأي فعل مادي أو عسكري، ستكون له عواقب على الحزب نفسه بالدرجة الأولى وعلى لبنان عموماً، أقله أن إسرائيل سوف تقوم برد مقابل لا أعتقد أن الحزب ولا أبناء البلدات والقرى المدمرة يمكن أن يقبلوا بذهاب الأوضاع نحو مواجهات جديدة».
ووضع الأمين في تصريح لـ«الشرق الأوسط» موقف الحزب بإطار سعيه «لفرض وقائع داخلية تخل بالالتزامات التي يتضمنها تنفيذ القرار 1701 والتي كان قد وافق عليها»، وأضاف: «(حزب الله) يبحث عن أي عبارة يتضمنها البيان الوزاري، يمكن أن توفر بتفسير ما شرعية لسلاحه، وهذه محاولة يائسة لن تجد طريقاً إلى نص البيان».
وختم الأمين قائلاً: «يبدو أن الحزب يبحث عن منافذ لفوضى داخلية، توفر مساحة حركة لسلاحه الذي بات مقيداً خارجياً وشبه متفلت داخلياً وبانتظار أن تضبطه الدولة اللبنانية التي لا تزال مربكة تماماً كما الحزب الذي ليس أقل إرباكا بل أكثر بكثير».