هل يجرؤ جمهور “حزب الله” على محاسبة قيادته؟

كتبت ألين الحاج في “نداء الوطن”:
في زمن هيمنة المحور الإيراني على لبنان، لم يحصل جمهور “حزب اللّه” على امتيازات خاصّة كما يخيّل للبعض، بل عاش مساواة مع غيره من اللبنانيين. قد يبدو الأمر مستغرباً، لكنه فعلياً مساواة بالمعنى السلبي.

طبّق “حزب اللّه” الفدرالية في مناطق نفوذه، لكنها كانت فدرالية استنسابية بعيدة من النموذج الناجح، حيث شكّلت “دولته الموازية” إطاراً هشاً وُضع في خدمة مشروع سياسي وعسكري ضيّق، وأُعطيت فيها الأولوية لتعزيز الترسانة العسكرية على حساب التنمية والخدمات الأساسية. وعلى الرغم من نفوذه الواسع وموارده الكبيرة، لم يمنح “الحزب” بيئته سوى نسخة أخرى من الحرمان الذي يعاني منه باقي اللبنانيين، مكتفياً بتوفير خدمات محدودة لها، تضمن ولاءها من دون أي توجّه نحو رؤية إنقاذية مستدامة.

حصلت بيئة “حزب الله” فقط على امتياز وحيد من قيادتها، في ظلّ غياب الدولة ومؤسساتها، تمثّل في الشعور بالتفوّق على أبناء وطنها، وتعزيز الاستعلاء على القانون والمؤسسات.

لذا، تساوى اللبنانيون لسنوات طويلة، في المعاناة وحرموا بالتالي من أدنى حقوقهم، حيث انتشر الفساد وتغلغل في مفاصل الدولة متسبباً في شللها. وغرقت مدن وقرى في الظلام، وتردّدت في أرجائها أصداء مولّدات أضحت شريان الحياة الوحيد لساكنيها، فيما تحوّلت الطرقات إلى أفخاخ قاتلة، بلا إنارة ولا صيانة، تبتلع الأرواح دون تمييز بين طائفة أو دين. أما النظام الصحي فترنّح بين أدوية مفقودة، وعلاج أصبح حكراً على من يملك المال، وعلى خطاه سار النظام المالي الذي انهار بين ليلة وضحاها ما أفقد اللبنانيين مدّخراتهم.

لكن علينا الاعتراف أن الفساد في الدولة لم يكن فقط بسبب سطوة السلاح، بل أيضاً بفعل خنوع من تسلم مقاليد الحكم أمام “حزب السلاح”. أراد الحكام السلطة فكانت لهم، وكان للبنانيين درب الجلجلة والأفق المسدود.

سقوط الأقنعة

عام 2024، أُسدلت الستارة على دولة “حزب اللّه” التي بُنيت في ظل الدولة اللبنانية وعلى أنقاضها في آنٍ. وسقطت الأقنعة، ومعها سقط شعار “نحمي ونبني” نهائياً وانكشف الوهم الذي زُرع في عقول وقلوب وكيان بيئة المحور لعقود. وكما فشلت مؤسسات الدولة، كذلك فشلت مؤسسات “حزب اللّه” في الصمود ومواكبة جمهوره خلال الأزمة المستجدة، فطغت صورة الدمار والتشرّد على كل شيء .

لكن، وبعد تسارع الأحداث، جلّ ما فعله جمهور “الدولة الموازية” تمثّل في تحويل غضبه وسخطه باتجاه إيران، واتّهامها بالتخلي عنه وعن مشروعه وهو في خضمّ ضعفه وتخبّطه بعد خسارة زعيمه وقادته.

في الواقع، لم يكن اغتيال السيّد حسن نصراللّه، رغم رمزيته، نقطة التحوّل الكبرى. بل ما غيّر المعادلة حقاً كان الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا، الحليف الأقوى لـ “حزب الله” والمظلّة الإقليمية التي وفّرت له الدعم السياسي واللوجستي، بالتكافل والتضامن مع إيران. ومع سقوط الأسد، انقطع الشريان الذي كان يغذي النفوذ الإيراني في لبنان، ما أجبر “حزب اللّه” على مواجهة واقع جديد.

على الرغم من كل ما جرى، يمكن القول لجمهور “الحزب” إنه اليوم أمام فرصة ذهبية عليه تلقّفها ومواجهة الواقع بوعي وشجاعة والبحث بشكل أعمق في ما آلت إليه أموره، وأن يتسلّح هذه المرة، بالجرأة للقيام بنقد ذاتي بنّاء وتقييم داخلي.

عليه أن يدرك أن المرحلة الانتقالية الدقيقة التي يمرّ بها، تتطلّب تغييراً جذرياً، يبدأ بالمحاسبة الذاتية والجماعية لممارسات قادت إلى عزلة وحرمان، وانتهت بإسقاط ما يُعرف بـ “دولة حزب اللّه”.

عليه أن يدرك أن “الدولة الموازية”، التي وُعد بها كحماية وقوة، لم تكن سوى عبءٍ أضيف إلى أزماته، ما حرمه من حقوقه الأساسية، تماماً كما فعلت بالدولة اللبنانية.

عليه مساءلة قياداته عن سنوات من السياسات التي قادت إلى الفقر، وانهيار البنى التحتية، وغياب التنمية الحقيقيّة وأخيراً إلى خسارة مدوّية في الحرب…

أمام هذا الجمهور اليوم، دور وطني كبير، يفصله عن منطق الدويلات والمشاريع الخاصة ويحرّره من نظامٍ أسَرَه واستخدمه كوقود لأهدافه الضيقة، فيبتعد من منطق القوقعة داخل الدويلة غير الشرعية ويعيد التواصل مع أبناء وطنه الذين ينتظرونه على الضفة المقابلة.

إذاً، على المواطنين المنتمين إلى “حزب اللّه”، الانخراط الكامل في مشروع الدولة اللبنانية الجامعة، دولة القانون والعدالة والمساواة، القادرة على حمايتهم وحماية كل اللبنانيين من دون استثناء.

إن الانفصال عن دويلة “حزب اللّه” ليس خياراً فحسب، بل ضرورة لبناء مستقبل أفضل للبنان كي لا يدفع أي مكوّن لبناني مجدداً أثماناً باهظة.

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى