هل يكشف نيترات سوريا حقيقة تفجير مرفأ بيروت؟

كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:
سيطلّ الرابع من هذا الشهر، أوّل رابع من أوّل شهر في السنة الجديدة، مختلفاً، محملاً بأمل جديد بأن يبزغ فجر العدالة أخيراً وينطوي ليل التمييع مع انطواء وطاويطه. أربعة أعوام وخمسة أشهر حمل فيها أهالي ضحايا انفجار المرفأ وجعهم وأحزانهم وسكبوها في وقفة شهرية صارت جزءاً من نضالهم المستمرّ لتحقيق العدالة وفعل إيمان في وجه النسيان والظلم. وقفة رمزية أمام تمثال المغترب لتجديد العهد بأن معركتهم ليست لأجل العدالة فحسب بل من أجل وطن يجاهد ليستعيد كرامته وسيادته.

ككل عام، منذ أربعة أعوام، تحلّ الأعياد حزينة مثقلة بوجع مضاعف يحمل ذكرى من سُلخوا من أحضان عائلات أحبّتهم، ومرارة ظلم مستشر وعدالة ضائعة في دهاليز الضغوط الحزبية والسياسية. منذ اللحظة الأولى للكارثة، لم تكن رحلة أهالي الضحايا نحو الحقيقة سهلة، واجهوا فيها محاولات مستمرة لطمس الوقائع وتعطيل التحقيق وعرقلة عمل القضاء. لكن مع سقوط سطوة “حزب الله” وكسر حواجز الخوف والتهديد هل بات الطريق معبّداً أمام العدالة؟

اللائحة السوداء
هل ولّى حقاً عهد الاستقواء بالمرجعيات الحزبية والأمنية ليصبح الكلّ أخيراً تحت سقف القانون؟ الأهالي يأملون ذلك ويتوقعون أن تتراجع الضغوط التي كانت تمارس من قبل “حزب الله” ومن يدور في فلكه من سياسيين على القضاة المعنيين بالملف بعد أن كان واضحاً تأثيرها السلبي على مسار القضية- الحق.

على ألسنتهم تتكرر أسماء تختصر كل الظلم الذي طالهم مرتين: غسان عويدات المدعي العام التمييزي الذي كان يفترض به أن يكون المدافع الأول عن الحق والعدالة فإذا به المعرقل الأول لسيرها. وفيق صفا الذي لم ينس الأهالي زيارته التهويلية إلى قصر العدل وما حملته من رسائل تهديد في حق القاضي بيطار. الرئيس نبيه بري الذي كان في السرّ والعلن ضد القاضي بيطار ومعه علي حسن خليل وغازي زعيتر اللذان امتنعا عن المثول أمام قاضي التحقيق… يضاف، إلى هذه الأسماء، وفق بعض الأهالي اسم النائب العام التمييزي بالتكليف جمال الحجار الذي كان يتوقع منه فتح المجال للقاضي بيطار وتسهيل عملية التبليغ عن جلسات الاستماع فإذا به يضع العراقيل لجعل التبليغ يتمّ من خلال المباشر وليس عبر الضابطة العدلية الأمر الذي يصعّب التحقيقات كون صلاحية المباشرين محدودة في التبليغ.

ويبقى الإسم الأبرز اسم السيد حسن نصرالله، أمين عام “حزب الله” سابقاً، الذي شكل في حياته، وفق ما يقول ويليام نون “العائق الأكبر في وجه التحقيق من خلال تهديد القاضي بيطار وتأليب الرأي العام ضدّه عبر خطابات مطولة هدفت إلى بث الشك في رؤوس الناس والضغط على أهالي الضحايا الشيعة للإنفصال عن مجموعة الأهالي والتشكيك بقرارات القاضي بيطار”.

“لم يقبعوا بيطار”
اليوم، يؤكد ويليام نون الناشط البارز في لجنة أهالي الضحايا “أن الأوضاع تغيرت ولا شكّ أن الأمور ستصبح أسهل والضغوط التي كانت تمارس على القضاء وتعرقل سير عمله ستخف. الصورة الكبيرة سقطت وما فشل “حزب الله” في تحقيقه من أجل “قبع” القاضي بيطار وإخافته لن يستطيع تحقيقه بعد رحيل السيّد. “الحزب” الذي كان باتصال منه يهزّ قصر العدل صار اليوم بحاجة إلى استنهاض نوابه ووزرائه لإخراج مؤثرتين بسيطتين من التوقيف… أما الرئيس نبيه بري الذي كان ضد القاضي بيطار فهو اليوم خاضع لرقابة أميركية يبدو معها مضطراً لتطبيق القوانين عامة ومن ضمنها عدم التدخل في عمل القضاء ولا شك أن ذلك سينعكس إيجاباً على ملف القضية”.

الأجواء مختلفة في العدلية يؤكد ويليام نون بتفاؤل ملحوظ “والآتي يوحي بالأمل مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية ومن ثم تعيين مجلس قضاء أعلى جديد يضم أعضاء يلتزمون بالقانون ويطبقونه. الأهم أن يكون رئيس الجمهورية القادم من خارج الأجواء التي سادت في الماضي وما رافقها من هيبة السلاح وحماية ظهر المقاومة”.

هيلين شقيقة الشهيد عبدو عطا الناشطة في لجنة أهالي الضحايا تصر من جهتها على ضرورة “اعتبار الملف أولوية مطلقة بعد انتخاب رئيس للجمهورية يكون رئيساً قوياً يعيد الزخم إلى الملف ويساهم في تحقيق العدالة لا إلى أهالي الضحايا فحسب بل إلى كل لبنان لأن جريمة بهذا الحجم لا يمكن أن تبقى بلا محاسبة”. مثل كل الأهالي المترقبين تنتظر هيلين فترة ما بعد الأعياد وتأمل خيراً لأن القاضي بيطار مصرّ على إعادة فتح الملف قريباً وينتظر الاستماع إلى من طلب الاستماع إليهم من رجال سياسة وأمن وقضاء بعد أن تخلفوا عن ذلك لأسباب باتت معروفة، وهو مصرّ على إصدار مذكرات توقيف غيابية بحقهم في حال استمروا في الامتناع عن الخضوع للتحقيق.

لكن تعقيدات الملف القضائي وفق ما تقوله هيلين عطا “لا تتوقف عند الضغوط السياسية بل عند ثغرات قانونية لا تزال تعرقل مساره. فالدعاوى التعسفية بحقّ القاضي بيطار وطلبات الردّ التي جوبه بها ناجمة عن ثغرة قانونية استفاد منها المعرقلون ولا بد من العمل على تصويبها من داخل مجلس النواب حتى لا يبقى القانون قادراً على تمييع التحقيقات”.

يجرؤ الأهالي اليوم على التفاؤل الحذر محملين بطاقات أمل أربع: إصرار القاضي بيطار على المضي بالملف وقرب صدور القرار الظني وفق المتوقع بين شهري شباط وآذار، الضغوط التي يمارسونها على كل المعنيين دون كلل ولا ملل حتى لا تضيع قضيتهم، تراجع سطوة “حزب الله” وقدرته على العرقلة والأمل بانتخاب رئيس يعيد انتظام الدولة والقوانين … هذه الأجواء المطمئنة دفعت بأشخاصٍ جدد من أهالي الضحايا أو من الضحايا الأحياء للإنضمام إلى الدعوى، ومتابعة مسارها عن كثب بعد أن كانوا فاقدين للأمل سابقاً.

الملف إلى خواتيمه
من جهته يبدو المحامي يوسف لحود من مكتب الإدعاء متفائلاً بكون تحقيق القاضي بيطار سائراً على الطريق السليم. يعرف “أن ثمة عراقيل خارجية كان لها تأثير كبير لكنه يؤكد أن العراقيل القضائية أقوى وأصعبها عدم تعاون النيابة العامة مع قاضي التحقيق العدلي طارق بيطار، فحين يتم التعاون بينهما يمكن للأخير استكمال التحقيقات وإرسال الملف إلى النيابة العامة التمييزية لإبداء المطالعة فيه من قبل النائب العام التمييزي الذي هو أيضاً النائب العدلي العام القاضي جمال حجار. حتى الآن هذه العراقيل لم تتمّ إزالتها والتعاون المطلوب لم يحصل بعد ولم يتم تعيين جلسات. العين اليوم على المرحلة القادمة فإذا ما استمر الجمود فهذا يعني وجود مشكلة ما”.

“نحن كمكتب الإدعاء التابع لنقابة المحامين- يقول لحود- لن نقبل بأن يبقى الملف جامداً وسنسعى لإيجاد الحلول القانونية بشتى الطرق لإعادة تحريك الملف. نعدُ الضحايا بأنهم سينالون العدالة في المدى الأقرب من المتوسط ولن نستكين. سنستعمل الوسائل القانونية والإعلام للضغط المعاكس فالجمود يعني وجود ضغوطات ولن نقبل بذلك. بعد الأعياد سنمتحن مدى تراجع سطوة المرجعيات السياسية والحزبية وسنتقدم بطلبات للمحقق العدلي بتعيين جلسات وطلبات سماع الشهود. مدى تجاوب النيابة العامة التمييزية مع مطالباتنا يعطينا فكرة واضحة أين تكمن العراقيل وما هي مصادرها ونعرف ما المعطيات التي يملكها المدعي العام التمييزي وتمنع من أن يكون هناك حسم في الملف”.

لحود لا ينكر مطلقاً التدخلات الخارجية في الملف لكن الكرة تبقى في ملعب القضاة، فمتى تمتع الجسم القضائي بالمناعة الذاتية والجرأة يستطيع الاستمرار بعمله رغم كل الضغوطات السياسية والتهديدات فلا يخاف ولا يتراجع. وفي قضية انفجار المرفأ يقول ممنوع التراخي أو المسايرة وممنوع أن تختلط الأمور القضائية بالسياسية حتى لا تكون العدالة الضحية الأولى والقضاء بذاته الضحية التالية”.

يختم لحود “العراقيل لا يمكن أن تستمر إلى الأبد ولا بد للعدالة أن تنصف الناس. وهنا أوّد أن أقول للضحايا إن الوقت ليس ضدكم بل هو لمصلحتكم. التحقيق في مرحلة متقدمة والمطلوب بعد هذه القترة أن يستكمل وتعيّن جلسات و يصدر القرار الاتهامي. نحن كمكتب ادعاء برئاسة النائب ملحم خلف وإشراف النقيب فادي المصري لن نكلّ ولا نمل وسنبقى متماسكين ومصرين حتى إيصال الدعوى إلى الحكم النهائي”.

لمتابعة أحدث وأهم الأخبار عبر مجموعتنا على واتساب - اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى